سياسات بايدن في الشرق الأوسط لا تشبه ترامب.. ولا أوباما

How Biden Is Setting Himself Apart From Trump—and Obama—in the Middle East
2021-03-07

يحاول الرئيس الأمريكي، جو بايدن، التمسك بالقيم الأمريكية، مع الاعتراف في الوقت ذاته بالحقائق القاسية. بيدَ أن الحفاظ على هذا التوازن لن يكون سهلًا؛ حسبما يخلص مقال الكاتبة فريدا غيتيس، المنشور في مجلة «بوليتيكو» الأمريكية.

صحيح أن ستة أسابيع فقط مرت منذ تولي جو بايدن منصب رئيس الولايات المتحدة؛ ومن السابق لأوانه تحديد ملامح ما يسمى بـ«عقيدة بايدن» فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، لكن فريدا تحاول في هذا المقال تتبع الخطوط العريضة لما تصفه بأنه «عقيدة طموحة»، خاصة فيما يتعلق بالشرق الأوسط، حيث يختلف نهج بايدن حتى الآن عن نهج سلفيه؛ ترامب وأوباما.

اختلاف جذري عن إستراتيجية ترامب

اختلاف إستراتيجية بايدن اختلافًا جذريًا عن إستراتيجية دونالد ترامب ليس مفاجِئًا للكاتبة؛ فالرئيس الأمريكي السابق ترامب احتضن قادة السعودية وإسرائيل دون تحفظ، وحاول الضغط على إيران بخطابه اللاذع والعقوبات الاقتصادية، بعد الانسحاب من الاتفاق النووي المبرم في عهد أوباما، حتى وهو يشيح بنظره بعيدًا عندما كانت طهران ووكلاؤها يهاجمون أمريكا وحلفاءها.

تلخص الكاتبة نتيجة نهج الرئيس الأمريكي السابق في الشرق الأوسط قائلة: تراجع ترامب عن المنطقة، وأفسح المجال لروسيا وتركيا، وتجاهل انتهاكات حقوق الإنسان.

لن يعيش في جلباب أوباما

كما أن تصرفات بايدن حتى الآن تشير إلى أنها ستختلف أيضًا عن الإستراتيجية التي انتهجتها إدارة أوباما. إذ شرع أوباما منذ اللحظة الأولى في الحديث عن حقوق الإنسان، والانتقاد العلني لحلفاء أمريكا، مثل إسرائيل والمملكة العربية السعودية.

وحاول أوباما أن يجعل الدبلوماسية مع إيران محور إرث سياسته الخارجية. ورسم «خطا أحمر» في سوريا؛ محذرًا من عواقب استخدام نظام الرئيس بشار الأسد المدعوم من إيران للأسلحة الكيميائية. لكن عندما حدث ذلك، لم يتدخل أوباما، الذي ربط اسمه بمعارضة حرب العراق، في نهاية المطاف.

السير على حبلٍ رفيع

حتى الآن، ترى الكاتبة أن بايدن يحاول إيجاد توازن بين هذين النهجين؛ ساعيًا إلى التمسك بالمبادئ التي تعتز بها أمريكا، مع الاعتراف بالحقائق القاسية، باستخدام مزيجٍ من الدبلوماسية والعمل العسكري.

داخل تلك المنطقة، التي يخضع فيها التزام أمريكا بقيمها للاختبار الأشد قسوة، يحاول بايدن رسم طريقٍ وسط، والسير على حبل رفيع. وبينما استطاع إدارة هذا التوازن حتى الآن، ترجح الكاتبة أن الحفاظ على هذا التوازن سيكون صعبًا للغاية مع ظهور تحديات جديدة في المنطقة.

تظهر الاختلافات التكتيكية بين بايدن وأسلافه في: تعامل الإدارة الجديدة مع إيران والسعودية وإسرائيل، بحسب المقال. إذ يتمثل أحد أهداف بايدن الرئيسية في: العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني، خطة العمل الشاملة المشتركة، التي توصلت إليها إدارة أوباما في عام 2015. ومن أجل دفع الاتفاق قُدُمًا، امتنع أوباما عن الرد على استفزازات إيران، ما أحبط نقاده الذين اتهموه بـ«استرضاء» طهران.

وقدم أوباما مبادرات أخرى مثيرة للجدل لإيران، في سبيل إبرام الاتفاق. على سبيل المثال، على الرغم من ادعائه بأن المفاوضات لم تمنعه ​​من اتخاذ إجراءات أكثر عدوانية تجاه سوريا، حليفة إيران، كان هناك سبب للتشكك في ذلك.

حتى عندما انسحب ترامب من الاتفاق الإيراني، وفرض عقوبات «الضغط الأقصى» على النظام الإيراني، فقد غض الطرف هو الآخر عن عدة هجمات إيرانية. فلم يرد في عام 2019، عندما كاد حلفاء إيران في اليمن يصيبون المنشآت النفطية السعودية بالشلل التام، ولم يتحرك في العام التالي، عندما أطلقت القوات المدعومة من إيران وابلًا من الصواريخ على القوات الأمريكية في العراق. نفذ عملية واحدة حاسمة، قتل فيها الجنرال الإيراني قاسم سليماني، لكنه لم يكن يتبع إستراتيجية ردع متماسكة. وتجاهل العديد من الهجمات الإيرانية.

مفاجأة بايدن لإيران

ربما كان هذا هو السبب في أن إيران فوجئت الأسبوع الماضي عندما رد بايدن على سلسلة من الهجمات التي شنتها الميليشيات التي تعمل بالوكالة عن إيران ضد أهداف أمريكية في العراق. وترى الكاتبة أن رد الولايات المتحدة – بضرب أهداف إيرانية في سوريا – لم يكن متهورًا، بل تعتبره قرارًا محسوبًا اتُّخِذَ بعناية لمنع إحداث مشاكل للحكومة العراقية. (غالبًا ما تستغل القوات الموالية لإيران في العراق أي إجراء أمريكي للتحريض ضد أمريكا وحكومة بغداد). كما حرصت إدارة بايدن على مناقشة الضربات مع حلفائها قبل العملية.

في الوقت نفسه، جاء التأكيد على حقيقة أن بايدن كان مستعدًا لشن عملية عسكرية ليبدد المخاوف من أن بايدن، في إطار حرصه على العودة إلى الاتفاق النووي المبرم في عهد أوباما، قد يغض الطرف عن إيران ولو تسبب حلفاؤها المسلحون في إحداث الفوضى.

ارتياح سعودي.. ولكن!

يؤيد ذلك مسؤول إسرائيلي قال لموقع أكسيوس: «لم يدرك الإيرانيون أن بايدن ليس أوباما». وربما تشعر المملكة العربية السعودية بالارتياح لأن بايدن ليس أوباما، حتى لو كانت الرياض لا تزال غير متأكدة تمامًا من الملامح الكاملة للسياسة التي سيتبعها بايدن.

كان السعوديون ينتظرون بفارغ الصبر يوم رحيل أوباما عن البيت الأبيض. إذ شعروا أنه يمم وجهه صوب إيران، على حسابهم. ووصفهم علنًا بأنهم «حليف مزعوم»، وقال إنه يجب عليهم «التعايش مع جارتهم» إيران. ثم جاء ترامب، الذي احتضن المملكة، وتجاهل أي مخاوف بشأن حقوق الإنسان، ورفض إصدار تقرير استخباراتي أمريكي (كما يقتضي القانون) خلص إلى أن ولي العهد محمد بن سلمان كان مسؤولًا عن اغتيال الصحفي المعارض جمال خاشقجي.

التضحية بـ «الملك القادم» ليست سهلة

هنا تظهر ملامح النهج الذي يتبعه بايدن بشكلٍ أكثر وضوحًا. ففي حين فضلت إدارة ترامب التواصل مع محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للمملكة العربية السعودية، اتصل بايدن الأسبوع الماضي بالملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، النظير الرسمي للرئيس.

كما تراجع مستوى التواصل مع محمد بن سلمان، الذي يشغل أيضًا منصب وزير الدفاع، فهو يتحدث الآن مع وزير الدفاع الأمريكي. وبذلك، سحبت إدارة بايدن جوهريًا اعترافها بمحمد بن سلمان باعتباره زعيمًا للسعودية، مع إبقاء قناة للتواصل معه.

في المكالمة الهاتفية التي أجراها مع العاهل السعودي، أكد بايدن مجددًا على التزام واشنطن الطويل الأمد بالدفاع عن السعودية، لكنه سلط الضوء أيضًا على ضرورة تحسين حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية، وإيجاد حلّ للكارثة الإنسانية الناتجة عن الحرب التي تقودها السعودية في اليمن.

وفي اليوم التالي، أصدر بايدن التقرير الاستخباراتي عن مقتل خاشقجي، الذي ألقى باللوم رسميًا على محمد بن سلمان في مقتل خاشقجي. من ناحيةٍ، وصم التقرير الأمير بوصمةٍ قاسية على مرأى من العالم أجمع. لكن في الوقت نفسه، رفض بايدن فرض عقوبات على محمد بن سلمان، كما فعل مع مسؤولين سعوديين آخرين متورطين في القتل.

وقد تعرض بايدن لانتقاداتٍ، تراها الكاتبة محقة؛ لأنه لم يعاقب محمد بن سلمان بقسوة أكبر، لكن بايدن يعلم أن محمد بن سلمان من المحتمل أن يصبح ملكًا، ولذلك اختار عدم التضحية بالعلاقة معه.

كيف سيتعامل بايدن مع إسرائيل؟

فيما يتعلق بإسرائيل، مرة أخرى يؤكد المقال أن بايدن ليس أوباما ولا ترامب. إذ أصاب أوباما الإسرائيليين بالصدمة. ففي إحدى رحلاته الخارجية رئيسًا للولايات المتحدة، ذهب إلى الشرق الأوسط، لكنه لم يتوقف في إسرائيل. بدلًا من ذلك، ألقى خطابًا في القاهرة، وهناك انتقد علنًا المستوطنات الإسرائيلية، من بين أمور أخرى. ومن هناك، بدأت العلاقات تأخذ منحى سلبيًا.

على النقيض من ذلك، أطلق ترامب العنان لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وانحاز إلى جانبه انحيازًا كاملًا، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ودعم سيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان، وغض الطرف عندما وسَّعت إسرائيل بناء المستوطنات في الضفة الغربية.

أما بايدن فسيترك السفارة الأمريكية في القدس. لكن الإسرائيليين قلقون أكثر بشأن خططه للعودة إلى الاتفاق النووي الإيراني، وخلافات أخرى كثيرة: ففي المكالمة التي أجراها مع نتنياهو الشهر الماضي، شدد بايدن على ضرورة المضي قدمًا نحو تحقيق السلام مع الفلسطينيين.

كما أنه يعارض التوسع الاستيطاني. ومع ذلك، أكد بايدن في مكالمته مع نتنياهو التزامه الشخصي بأمن إسرائيل. وخلال حملته الانتخابية، أوضح بايدن أنه سيسوي الخلافات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي على انفراد.

هل تصمد «عقيدة بايدن» أمام تعقيدات الشرق الأوسط؟

تضيف الكاتبة: يؤمن بايدن إيمانًا راسخًا بالعلاقات الشخصية أساسًا للسياسة الخارجية. وتشير كافة الدلائل إلى أنه سوف يعتمد على تلك العلاقات، ويواصل محاولة رسم مسارٍ وسط. وبفضل عقود من الخبرة في السياسة الخارجية – وهي فترة أطول بكثير مما حظي به أي من أسلافه تقريبًا – فإنه يتولى مهام منصبه مسلحًا بإدراكٍ يتسم بعمقٍ فريد.

ومع ذلك، لن يكون خوض غمار هذه المياه المضطربة سهلًا. إذ أشار بايدن إلى أنه يريد تخفيض مرتبة الشرق الأوسط على سلم أولوياته مما كانت عليه في الماضي. بيدَ أن المنطقة عبارة عن مجموعة متشابكة من الصراعات المترابطة، والمتفجرة في كثير من الأحيان، وعادة ما يستدعي ذلك فجأة اهتمامًا عاجلًا. كما تميل الأحداث في المنطقة إلى جذب اهتمام الناخبين في الولايات المتحدة؛ وهذا يعني أن تصرفات بايدن ستخضع للتدقيق – والانتقاد – في الداخل.

تختم الكاتبة مقالها بالقول: عاجلًا أم آجلًا، سيتخذ بايدن قرارًا يستدعي ردَّ فِعلٍ حادّ. ستأتي لحظة لن يصمد فيها هذا المزيج الدقيق الذي يحاول الجمع بين الواقعية والقيم. وحينها سنرى «عقيدة بايدن» تخضع لاختبار حقيقي، وما إذا كان بمقدورها الصمود في وجه حقائق الشرق الأوسط.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي