بعد محاولات الاتفاق.. هل انتهت الحرب بين الهند وباكستان فعلًا؟

War Is Over Between India and Pakistan—for Now
2021-03-05

كتب سوميت جانجولي، أستاذ العلوم السياسية فى جامعة إنديانا فى بلومنجتون، مقالًا نشرته مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية، سلَّط فيه الضوء على اتفاق وقف إطلاق النار الذي تحاول الهند وباكستان التوصل إليه في الوقت الراهن، مشيرًا إلى كيفية تجنب الوقوع في الأخطاء نفسها التي وقعت فيها الاتفاقات المماثلة، حتى ينجح وضع أوزار الصراع المستمر بين البلدين منذ عقود طويلة.

كيف بدأ النزاع بين الهند وباكستان؟

استهل الكاتب مقاله بالإشارة إلى اتفاق إطلاق النار الذي توصل إليه كل من الهند وباكستان في عام 2003، بعد عقود من التوترات وعمليات القتل بالقنص على امتداد خط السيطرة (خط سيطرة عسكري يفصل بين المناطق الخاضعة للسيطرة الهندية والباكستانية والذي يُمثِّل الحدود الفعلية في كشمير)، الذي يُمثِّل الحدود الدولية الفعلية في كشمير المتنازع عليها.

وجاء وقف إطلاق النار في أعقاب أزمة كبيرة حدثت بين الجارتين في 2001- 2002، كانت على وشك أن تدفعهما نحو حافة الحرب.

وأوضح الكاتب أن الأزمة الكبرى بين الدولتين بدأت بعدما شنت جماعة «جيش محمد»، وهي منظمة «إرهابية» تتخذ من باكستان مقرًّا لها، هجومًا على البرلمان الهندي في ديسمبر (كانون الأول) 2001. وردًّا على الهجوم، أقدمت الهند على تعبئة عسكرية ضخمة لجيشها على طول حدودها مع باكستان؛ لإجبارها على إنهاء دعمها مجموعة من الجماعات الإرهابية التي تعمل من أراضيها.

وقد أظهرت باكستان بعض التوجهات نحو كبح جماح الجماعات الإرهابية المختلفة، لكن كان واضحًا أنها ليست على استعداد للخضوع للضغوط الهندية.

ولفت المقال إلى أن اتفاقية وقف إطلاق النار، التي أبرمت بين الدولتين في عام 2003، استمرت لمدة ثلاث سنوات فقط، لكنها مع ذلك، أثبتت أنها صمدت بقوة آنذاك؛ إذ لم ينتهك أيٌّ من الطرفين شروط  الاتفاقية خلال هذه المدة، بحسب مصادر موثوقة.

ويضيف الكاتب: إن الهند وباكستان اتفقتا، في الوقت الراهن، على إبرام اتفاق آخر لوقف إطلاق النار، بعد عامين من تدهور العلاقات الهندية-الباكستانية، بسبب سلسلة من الاشتباكات الدامية على الحدود بين الجارتين. وستوقف الدولتان إطلاق النار، ويواصلان التفاوض لإنهاء الصراع المستمر منذ مدة طويلة بين البلدين.

صحيحٌ أن هناك ما يدعو إلى التفاؤل، لأن السلام الهش أفضل من الصراع الدائم. لكن مبررات الحذر والقلق وفيرة أيضًا، نظرًا إلى التاريخ الحافل بالتوترات لاتفاقيات السلام بين الهند وباكستان، بحسب المقال.

صراع بين دولتين مسلحتين نوويًّا

وأُنشئ خط السيطرة في عام 1972، في أعقاب الحرب الثالثة بين الهند وباكستان. وكان الغرض الأساسي من خط السيطرة هو: إنشاء حدود فاصلة بين البلدين، بينما تتواصل الجهود لضمان إقامة حدود دائمة. ومنذ ذلك الحين، شهد خط السيطرة اشتباكات دورية بين الطرفين المتحاربين.

ويُشير المقال إلى أن اختراق الجيش الباكستاني لخط السيطرة في منطقة كارجيل في أبريل (نيسان) 1999، تسبب في الاندفاع نحو حرب أخرى على منطقة كشمير. وقد اجتذبت تلك الحرب، التي اندلعت في أعقاب امتلاك الدولتين للأسلحة النووية في مايو (أيار) 1998، اهتمامًا دوليًّا كبيرًا؛ لأنها كانت ثاني نزاع مسلح بين دولتين مسلحتين نوويًّا. وتنفس العالم الصعداء عندما ظل النزاع تحت السيطرة، وانتهى بالحلول السلمية من خلال التدخل الأمريكي.

وخلال العقدين الماضيين، لم يتخذ أي من الطرفين أي إجراء على امتداد خط السيطرة لإثارة حرب أخرى، لكن العلاقات الهندية-الباكستانية، خلال هذه المدة، تخللتها مجموعة من الأزمات والاشتباكات.

إلى جانب اشتباكات 2001- 2002، يشير المقال إلى أن اشتباكات نوفمبر (تشرين الثاني) 2008، التي اندلعت في أعقاب الهجوم «الإرهابي» الكبير على مدينة مومباي الهندية، والذي اتُّهِمَت بتنفيذه منظمة إرهابية أخرى مقرها باكستان، اقتربت إلى حد خطير أن تشعل فتيل الحرب من جديد. لكن مع بعض التدخل من جانب الولايات المتحدة، تحرك الطرفان نحو اتفاق آخر لوقف إطلاق نار.

الهند وباكستان.. انتهاكات هائلة

ويُضيف المقال: على الرغم من ذلك، لم يدم وقف إطلاق النار طويلًا. وفي الأسبوع الماضي، وبعد سنوات من تصاعد التوتر والنزاعات على امتداد خط السيطرة، اتفق الطرفان مرة أخرى على وقف إطلاق النار إلى أجل غير مسمى في المنطقة. ومنذ أغسطس (آب) 2019، عندما ألغت الهند الوضع الخاص لولاية جامو وكشمير، تكرر انتهاك الاتفاقيات السابقة لوقف إطلاق النار حتى أصبح ممارسةً مألوفة.

وبحسب تقرير قدَّمه وزير الدفاع الهندي، راجناث سينج، للبرلمان الهندي، شهد العام الماضي وحده أكثر من 5 آلاف انتهاك لوقف إطلاق النار، نسبها التقرير كلها إلى باكستان. وفي حين أن مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، وهو مصدر أكثر حيادية، أكدت أن السنوات العديدة الماضية شهدت عددًا هائلًا من الانتهاكات، فإن ملابساتها الغامضة صعَّبت مهمة إسنادها لأي من الطرفين.

وفي الوقت نفسه، صرَّح المدير العام للعمليات العسكرية في باكستان أن هناك قرابة 1300 انتهاك من الهند لوقف إطلاق النار في عام 2017.

وربما يكون من المغري نسبة الزيادة الكبيرة في انتهاكات وقف إطلاق النار إلى صعود حزب «بهاراتيا جاناتا» اليميني المتشدد والقومي الهندوسي في الهند في عام 2014، يرى كاتب المقال أن هذا لا يُوفر تفسيرًا كافيًا للتطورات.

يستشهد الكاتب برأي هابيمون جاكوب، الأستاذ المساعد في الدبلوماسية ونزع السلاح في جامعة «جواهرلال نهرو» في دلهي بالهند، والذي يرى أنه قدَّم التحليل الأكثر دقة لما وراء انتهاك اتفاقيات إطلاق النار، التي يعزوها إلى تمتع القيادات المحلية من الطرفين على الحدود بقدر كبير من الحرية لتنفيذ عمليات عسكرية.

وعندما يُعزز أحد الطرفين موقعه من خلال بناء معاقل جديدة أو تحصينات أخرى على الجهة التابعة له من الحدود، فإن الطرف الآخر يبدأ في إطلاق النار في كثير من الأحيان. ونادرًا ما يعقب العمليات العسكرية تصريح رسمي من القيادات العليا أو السلطات السياسية.

ما هي عقبات نزع فتيل الصراع؟

ونوَّه المقال إلى أن هناك سياسات أخرى لها دور أيضًا في تعقيد المشهد. ففي عام 2013، بعد عودة رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف، إلى منصبه، كان من الواضح أنه حريص على تحسين العلاقات مع الهند. لكن المؤسسة العسكرية الباكستانية لم تكن مهتمة كثيرًا بإنجاح مثل هذه المبادرات. وبالتالي، اختارت إثارة المشكلات على طول خط السيطرة، مقوِّضة بذلك مبادرات نواز شريف للسلام.

وفي عام 2014، عندما تولى ناريندرا مودي منصب رئيس الوزراء في الهند، أعطت حكومته حيزًا أكبر للقيادات المحلية لاستخدام القوة إذا اقتضى الأمر. ويمكن القول إن الانتهاكات الهندية لوقف إطلاق النار تزايدت بعد هذا التوجيه.

الأكثر من ذلك، وفي إطار سعي الجيش الهندي لوضع إستراتيجية لمكافحة التمرد في الجزء الذي تسيطر عليه الهند من كشمير، قتلت القوات المسلحة الهندية في عام 2016، برهان واني، القائد المحلي لحزب المجاهدين المتشدد. وأدَّى مقتل واني إلى تسلل مزيد من المتمردين من معاقلهم في باكستان للثأر لموته. وبعد ذلك، تصاعدت انتهاكات وقف إطلاق النار من الطرفين.

وألمح المقال إلى أن العلاقات الهندية الباكستانية شهدت تدهورًا حادًّا، على مدى السنوات الخمسة الماضية أو نحو ذلك، لا سيما بعد الهجوم الانتحاري الذي استهدف حافلة تابعة للشرطة العسكرية الهندية بالقرب من مقاطعة بولواما في المنطقة الخاضعة لسيطرة الهند في كشمير في فبراير (شباط) 2019.

وقد أعلنت جماعة «جيش محمد»، التي نفَّذت هجومًا عام 2001 على البرلمان الهندي، مسؤوليتها عن الحادث. وفي أعقاب الهجوم الانتحاري، ولأول مرة منذ الحرب الهندية-الباكستانية عام 1971، فوضت حكومة مودي، سلاح الجو الهندي بالتوغل عبر الحدود الدولية وقصف ما قالت إنه معسكر تدريب إرهابي في بالاكوت.

وفي غضون أيام، شنت باكستان ضربة نوعية بالقرب من سريناجار، عاصمة جامو وكشمير. وعلى الرغم من النبرة الحادة في خطاب كلا البلدين، خفتت حدة الأزمة.

دوافع الطرفين لإبرام هدنة

ويستدرك الكاتب قائلًا: في ظل كل هذه التوترات التي سيطرت على الأجواء بين البلدين خلال السنوات القليلة الماضية – مع استبعاد نشوب حرب وشيكة – ربما يكون من المفاجئ أن تتحرك الهند وباكستان حاليًا لإبرام اتفاق آخر لوقف إطلاق النار.

ويبدو أن كلا الطرفين يعتقد أن هذا الاتفاق يصب في مصلحته الذاتية. ونظرًا إلى أن الهند قد جلبت بعض الاستقرار بالكاد لحدودها الشمالية مع الصين، منذ اندلاع سلسلة اشتباكات في العام الماضي، فلا يُمكنها تحمُّل مغبة تصعيد آخر مع باكستان.

أما باكستان، فلديها أولوياتها الخاصة التي تدفعها للمضي قدمًا نحو الحد من التوترات. ففي عهد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، تبنت واشنطن موقفًا متشددًا تجاه إسلام آباد، ويرجع ذلك إلى حد كبير، إلى أن الإدارة الأمريكية وقتئذ استنتجت أن باكستان لا تساعد عملية السلام الأفغانية، ولا تزال داعمة لشبكات إرهابية متعددة. لكن الآن بعد أن تولى السلطة في الولايات المتحدة رئيس أمريكي جديد، فمن مصلحة إسلام آباد إثبات أنها تستطيع أن تكون حليفًا مسؤولًا في المنطقة.

وماذا بعد؟!

والسؤال الذي يفرض نفسه – كما طرحه الكاتب – هو: ما الذي سيحدث بعد ذلك؟ ويجيب: لكي يدوم اتفاق وقف إطلاق النار لفترة أطول من الاتفاقات السابقة، سيتعين على إسلام آباد إيجاد وسائل لكبح جماح الأنشطة التي تُنفذها أي منظمة إرهابية داخل حدودها.

وطالما أن باكستان تُواجه ضغوطًا دولية من الولايات المتحدة ودول أخرى لمكافحة الجماعات الإرهابية داخل حدودها، فمن المحتمل أن تُذعن باكستان فعليًّا. أما نيودلهي فينبغي لها إقناع قادتها بممارسة ضبط النفس المناسب على امتداد خط السيطرة. ولإثبات جديتها بشأن وقف إطلاق النار، قد تستفرغ القيادة الهندية وسعها بحسن نية لتحقيق هذه الغاية.

ويختتم الكاتب مقاله بالقول: صحيحٌ أن تحقيق السلام لا يزال بعيد المنال، لكن يمكن للطرفين اغتنام هذه الفرصة لتوفير بيئة تُساعد أكثر على تجاوز الأسباب الرئيسة لهذا الصراع الذي طال أمده.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي