منها مصر وسوريا.. هذه الدول ستتجاهلها إدارة بايدن في الشرق الأوسط

Who Is Hot and Who Is Not in the Middle East
2021-03-01

عفاف محمد

نشر موقع مجلة «فورين بوليسي» مقالًا للكاتب الأمريكي، ستيفن كوك، المتخصص في دراسات الشرق الأوسط وأفريقيا يتحدث عن نية خفض إدارة بايدن من أولوية الشرق الأوسط، ويطرح به قائمة للدول المتوقع خفض الانخراط الأمريكي فيها مقابل الدول التي ستبقى ضمن دائرة الاهتمام.

تغيُّر الأولويات

يبدأ كوك بالحديث عن مقالٍ نُشر في صحيفة «بوليتيكو» هذا الأسبوع يكشف عن أن إدارة بايدن تخفض من أولوية الشرق الأوسط، واصفًا المقال بـ«المثير للاهتمام» وهو من كتابة ناتاشا برتراند، ولارا سيليجمان، اللتين يعدهما من أفضل الصحافيين الذي يغطون الأمن القومي والسياسة الخارجية الأمريكية.

ويقول كوك إنه حتى بعيدًا عن هذا المقال، فإن الإشارات الدالَّة على نيَّة فريق بايدن بمحاولة أقصى ما يستطيعونه لمنع التورُّط بمسائل العرب والإسرائيليين والأتراك والأكراد والإيرانيين – على حدِّ وصفه – استغرق الأمر أربعة أسابيع ليتصل الرئيس الأمريكي جو بايدن برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ثم أسبوعًا آخر أو ما يقارب ذلك قبل أن يتصل برئيس الوزراء العراقي والملك السعودي. وبالمثل، لا يبدو أن البيت الأبيض في عجلةٍ من أمره لإجراء مكالماتٍ مع مصر، وتركيا، والإمارات، وقطر وغيرهم.

أوضح كوك أن مجلس الأمن القومي الأمريكي أجرى تعديلًا وفقًا لذلك، بتقليصه حجم إدارة الشرق الأدنى، وانخفاض عدد العاملين في الشرق الأوسط الذين توظفهم الوكالات التنفيذية الأمريكية مقارنةً بالإدارات السابقة. تحدث هذه التغييرات على خلفية مناقشات السياسة الخارجية التي لا تنتهي والمتعلقة بـ«منافسة القوى العظمى» والصين. إذا كان الوقت ما بين 2001 و2020 عصرًا ذهبيًّا لمحللي الشرق الأوسط، فمن الواضح أن واشنطن تدخل الآن عصر الخبير الصيني (وعصر التخصص في الصحة العامة)، وهو ما عده كوك شيئًا جيدًا لأنه يعتقد بأن الشرق الأوسط امتصَّ قسطًا هائلًا من الوقت والاهتمام والموارد من صانعي القرار الذين كانوا غالبًا ما يطاردون أهدافًا غير واقعية، ويتبعون سياسات غير مدروسة جيدًا. كلَّف هذا صرف الانتباه عن قضايا مهمة أخرى مثل انعكاسات طموحات الصين، وعودة روسيا إلى المسرح العالمي، واستقرار أوروبا، وتأثيرات تغير المناخ.

ويحذِّر كوك في الوقت نفسه من أنه يمكن المبالغة بقراءة الدلائل. فقد استغرق الأمر أكثر من شهر بقليل ليأمر بايدن بشنِّ غارات جوية في المنطقة، وذلك لضرب وكلاء إيران في سوريا بعد أن ضرب حلفاء إيران قاعدة في كردستان العراق (حيث توجد القوات الأمريكية). كما أن الأشخاص المدافعين عن انسحاب الولايات المتحدة أو تقليص وجودها من الشرق الأوسط يميلون إلى التقليل من مخاطر هذه الأساليب. يقول كوك إنه ما من شكٍّ في الحاجة للتطوير في سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، فهناك قضايا في المنطقة لم تعد ملحَّة مثلما كانت في السابق، وهناك دول لم تعد مهمة بالقدر نفسه كما في الماضي. جزء من التحدِّي المتمثل في صياغة نهج جديد للمنطقة هو تحديد من وما المهم للولايات المتحدة.

ولذا؛ ومن أجل توضيح أبعاد هذه القضايا، يضع كوك قائمة – من ترتيبه الشخصي – لبلدان الشرق الأوسط التي يظنُّ بأهمية التفات إدارة بايدن لها، والدول التي يجب أن يُحوِّل الاهتمام عنها.

بؤرة الاهتمام

يعتبر الكاتب أن السعودية، وإيران، وإسرائيل، والإمارات، هي الدول التي على إدارة بايدن صبُّ الاهتمام عليها. يبدأ الكاتب من السعودية، ويذكِّر كيف وجَّه بايدن «كلمات قاسية» للسعودية أثناء الحملة الانتخابية. عبَّر كثيرون من واشنطن عن غضبهم حيال السعودية منذ حادثة مقتل الصحافي جمال خاشقجي في عام 2018، وعندها أيضًا حظي تدخل السعودية في اليمن – «الكارثي» وفقًا لوصف كوك –  باهتمام مطرد من قبل واشنطن. وكان هنالك أيضًا حصار قطر، وسوء معاملة الناشطين السعوديين أيضًا. وأعلن البيت الأبيض أنه لن يتحدث مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وأصدر تقريرًا يفصل ما يعرفه مجتمع الاستخبارات الأمريكي عن مقتل خاشقجي.

رحب ناشطو حقوق الإنسان والمنشقون السعوديون والمحللون وأعضاء الكونجرس بهذه التحركات، لكن كوك يشدد على أن السعودية تظل محورًا رئيسيًّا للولايات المتحدة في العالم العربي. خصوصًا في حال أراد بايدن التوصل لصفقة جديدة مع إيران أو تخفيف المعاناة في اليمن مع التركيز على إنهاء الصراع، هذا كله يحتاج إلى تعاون سعودي، وفقًا لكوك.

أما بالنسبة لإيران، فتعتقد إدارة بايدن أن الدبلوماسية أفضل وسيلة لوقف تطوير برنامجها النووي، وأن سياسة «الضغط الأقصى» الترامبيَّة لم تكن مجدية بكل تأكيد. يعتقد الرأي العام في واشنطن أن انسحاب ترامب من خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015 أدى لحدوث تقدم أكبر في البرنامج النووي الإيراني. يقول كوك أيضًا إن هنالك الكثير من النقاش حول تمديد الاتفاق ليشمل السلوك الإيراني «الخبيث» في المنطقة –وهو موضوع يعده ما يزال يُقلل من شأنه في واشنطن – بالإضافة إلى ترسانة طهران من الصواريخ. يبدو أن إيران لن تتخلى عن وكلائها أو صواريخها، وسواء فعلت ذلك أم لا، فإن إيران ستستحوذ على الكثير من الاهتمام في السنوات القادمة، وفقًا لكوك، الذي يشير إلى كون الضربات في سوريا المستهدفة للإيرانيين قد بدأت بالفعل.

يقول كوك إن إسرائيل ستكون ضمن بؤرة اهتمام إدارة بايدن؛ إذ لطالما استندت السياسة الخارجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط إلى فكرة ضمان الأمن الإسرائيلي بدرجةٍ ملحوظة. ويعتقد الكاتب أن هناك «أسبابًا سياسية وتاريخية وأخلاقية وإستراتيجية» للعلاقة الوثيقة بين البلدين، وبالتالي تظل إسرائيل لاعبًا مهمًّا استثمرت الولايات المتحدة فيه بعمق. وحال العلاقة مع السعودية، إن أراد بايدن إبرام اتفاق جديد مع إيران سيتعيَّن عليه استقطاب التعاون الإسرائيلي، وفقًا لكوك، الذي يصف العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل بـ«العلاقة المؤسسية»، فحتى لو واجه بايدن مشكلة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي – كما حصل سابقًا مع الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما – فمن المرجح أن تظل العلاقة متينة بين الطرفين.

يرى كوك أن الإمارات ستظل من بين الشركاء الأمنيين المهمين للولايات المتحدة، قائلًا إن الإماراتيين انسحبوا بعيدًا عن السعودية ومحمد بن سلمان في مواقف متعددة، بما في ذلك الاعتراف بفشل الحرب اليمنية وسحب أبو ظبي جيشها من اليمن، وعدم وضوحها في الدفاع عن السعودية داخل واشنطن أو أيِّ مكان آخر. لم تصل الإمارات لحدِّ كسب النوايا الحسنة من تلك المواقف، لكنها لم تعد ضمن المجموعة المستهدفة الرئيسية من قبل من يريدون معاقبة السعودية في واشنطن. يذكِّر كوك بـ«اتفاقيات أبراهام» وبإشادة بايدن بإقدام الإمارات على التطبيع مع إسرائيل، ونيته توسيع العلاقات ما بين إسرائيل وجيرانها. لا يحب الجناح التقدمي للحزب الديمقراطي الإمارات كثيرًا، وذلك لأسباب عدة أبرزها اعتقال الإمارات للمنتقدين لديها، وتدخلها في اليمن، وبيعها للفلسطينيين، وفقًا لوصف كوك، لكن تبقى الإمارات من شركاء الولايات المتحدة الأمنيين الأهم، والتي ستتأثر مصالحها أيضًا عندما يجلس فريق بايدن للتحدث مع الطرف الإيراني.

خارج دائرة الاهتمام

يرى كوك أن مصر على رأس قائمة من سيجري استبعادهم من دائرة اهتمام إدارة بايدن، ويذكِّر بداية بعدم اتصال الرئيس الأمريكي بالسيسي «ديكتاتور ترامب المفضل»، واستياء القاهرة من ذلك. يقول كوك إن بعض المصريين سيعجبه التجاهل الأمريكي، لأنه سيسمح لهم بـ«الانغماس في مخيلتهم التي تهيِّئ لهم أن الولايات المتحدة الأمريكية تكيد لتقويض مصر». بالمقابل، يريد مصريون آخرون البقاء تحت شاشة رادار واشنطن، لمجابهة تركيا في ليبيا والتركيز على التنمية الاقتصادية، وكذلك معرفة كيفية إدارة تحدي مسألة سدِّ النهضة الإثيوبي وتوازن العلاقات بين واشنطن وموسكو وبكين.

يشير كوك أيضًا إلى المضايقات التي تقترفها مصر مع عائلات الناشطين المصريين المقيمين في الولايات المتحدة، أو ممن هم مواطنين أمريكيين، وهو ما يغضب أعضاء الكونجرس، وقد أعرب وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين عن قلقه من قضية حقوق الإنسان في حديثه مع نظيره المصري سامح شكري، مشددًا على أن هذا الملف سيكون مركزيًّا في العلاقات الأمريكية المصرية.

يقول كوك إن تركيا مرشحة لتخرج من دائرة الاهتمام الأمريكية أيضًا، قائلًا إن تركيا اعتادت على امتلاك الكثير من الأصدقاء في واشنطن، لكن ليس لديها الآن سوى عدد قليل منهم، بالإضافة إلى من تعتمد عليهم من أعضاء جماعات الضغط. يضيف كوك أن التحركات المبكرة لإدارة بايدن تدلُّ على أن أنقرة لن تُستثنى من البيت الأبيض، وقد وجَّه المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، نيد برايس، الانتقاد لتركيا في العديد من المسائل. إلا أن كوك يرى في النهاية أنه ومهما جرى تجاهل تركيا، فهي حليف في الناتو، ولذلك فمن غير الواضح إذا كان سجلُّ تركيا الأخير سيبقيها خارج الاهتمام لمدة طويلة.

دول أخرى في دائرة النقاش

أما بالنسبة للدول الأخرى في الشرق الأوسط، يقول كوك إن العراق ممن سيُبعدون عن دائرة الاهتمام، فعلى الرغم من اتصال بايدن برئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، فلا أحد في واشنطن يريد الاستثمار في محاولة إصلاح السياسة في العراق، ولذلك سيُترك العراقيون مع ملاحظات وزارة الخارجية القديمة المتعلقة بالانتخابات والفساد. العراقيون من جانبهم، يريدون تجنب أن يصبحوا ساحة معركة بين الولايات المتحدة وإيران، فلذلك قد يفضلون أن يبتعدوا عن محور الاهتمام الأمريكي أيضًا.

سوريا أيضًا ممن يقترح كوك سحب الاهتمام عنها، لأنه «لا أحد يستطيع أن يعرف ماذا يفعل بشأنها»، ولأن «المستنقع» هناك قد يلتهم الروس وفقًا لتعبيره. بالمقابل، سيكون الاهتمام شاملًا للسلطة الوطنية الفلسطينية إلى حد ما. يلاحظ كوك إعادة إدارة بايدن إقامة العلاقات معهم، قائلًا إن دبلوماسيوها سيواصلون إجراء المناقشات المطولة مع الإسرائيليين والفلسطينيين بشأن الحلِّ القائم على دولتين «الذي لن يحدث أبدًا» وفقًا لكوك. ستكون قطر ضمن دائرة الاهتمام الأمريكية أيضًا، لأنها «ليست السعودية» أولًا، وبسبب وجود قاعدة العديد الجوية ثانيًا، مع توقعه باستمرار تأثر العلاقات أحيانًا بسبب أسئلة واشنطن حول علاقات الدوحة مع جماعات إسلامية في المنطقة.

يختتم كوك مقاله بالتشديد على أن الأمور قد تتغير وقد تحدث مفاجآت بلا شك، وفي عالم السياسة، غالبًا ما تنحرف أفضل الخطط المعدة سلفًا، وبالتالي قد يستحيل على الولايات المتحدة الأمريكية التقليل من دورها في الشرق الأوسط. مضيفًا أنه في حالة حدوث أزمة ما، ستواجه واشنطن المجموعة نفسها من «الشركاء الصعبين»، معيدًا إلى واجهة الاهتمام الأمريكي حتى أكثر البلدان التي ترغب الولايات المتحدة في تخفيف الانخراط فيها.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي