كيف قد تكون البيانات والمعلومات سببًا في زوال البشرية؟

Information itself may be what ends the human race
2021-02-27

نشر موقع «بيج ثينك» تقريرًا أعدَّه فيليب بيري تناول فيه ما تُمثّله البيانات الرقمية والمعلومات من تهديد على كوكب الأرض، وأن تدفق المعلومات قد يُؤدي إلى استنفاد إمدادات الطاقة على الأرض وإنهاء الجنس البشري، مسلطًا الضوء على ورقة بحثية تهدف إلى تقدير حجم البيانات الرقمية في العالم، من حيث البتات والطاقة اللازمة لتخزينها، في المستقبل.

تُقدِّر شركة «المؤسسة الدولية للحاسبات الآلية (آي بي إم)»، وهي شركة استشارية وتقنية أمريكية متعددة الجنسيات، أن البشر يُنتجون يوميًّا 2.5 كوينتيليون بايت من البيانات الرقمية.

في يوم من الأيام، سنصل إلى مرحلة ستتجاوز فيها عدد البتات الرقمية (البت أو الثنائية أصغر وحدة حاملة أو ناقلة لمعلومة) المخزَّنة عدد جميع الذرات التي يتكون منها كوكب الأرض.

في أسوأ السيناريوهات، سيستغرق الأمر 130 عامًا فحسب حتى تمتص البيانات والمعلومات الرقمية المُنتَجة والمُخزَّنة كل الطاقة المستحدثة على كوكب الأرض.

الأوبئة لم تقضِ على البشرية.. لكن التغير المناخي قد يفعل

استهل الكاتب تقريره بالقول على الرغم من أن عديدًا من دول العالم منشغلة في الوقت الراهن بالتصدي لجائحة كوفيد-19، يعتقد معظم خبراء الأمراض المُعدِية أنه من غير المحتمل أن تقضي أي جائحة على الجنس البشري. ومع أن وباء الطاعون الأسود أو الموت الأسود، الذي شهده العالم في القرن الرابع عشر، ربما يكون أسوأ وباء في التاريخ.

إذ قضى على ثلث سكان أوروبا، والمفارقة أن هذا الأمر أدَّى إلى زيادة الأجور بسبب نقص الأيدي العاملة، وانعدام الثقة في السلطات التي لا تستطيع حماية شعوبها من الأمراض، بالإضافة إلى أنه كان سببًا في العودة للاستثمار في الجنس البشري، وقادنا هذا كله إلى عصر النهضة.

يقول الكاتب إنه مع افتراض أن هناك شيئًا ما سيؤدي إلى زوال الجنس البشري، فسيكون التغيُّر المناخي. وقد أُعلِن، في يناير (كانون الثاني) عن تقديم عقارب ساعة القيامة الشهيرة (ساعة رمزية ابتكرها مجلس إدارة دورية علماء الذرة التابعة لجامعة شيكاغو في عام 1947 لتحذير العالم من اقتراب البشر من تدمير العالم، عبر التكنولوجيا الخطيرة، بما في ذلك الأسلحة النووية وتغيُّر المناخ) للأمام بمقدار 20 ثانية، ليفصلها عن منتصف الليل 100 ثانية فقط.

وخلال السنوات الأربع الماضية، كانت عقارب ساعة القيامة تُقدَّم للأمام كل عام. وبالإضافة إلى ذلك، يُعد هذا الفاصل الزمني أقل زمن يفصل عقارب الساعة عن منتصف الليل منذ ابتكارها في عام 1947.

ولم يتبقَ لنا سوى عقد من الزمان لتغيير مجريات الأمور من حولنا للأفضل قبل أن يصبح الضرر لا رجعة فيه وغير قابل للإصلاح. ويبدو أن الموقف محبط جدًّا للدرجة التي جعلت مجموعة من العلماء يتكهنون بأن السبب وراء عدم مشاهدة العالم حافلًا بالحضارات الغريبة يتمثل في أنه يصعب على عديد من الأنواع البيولوجية البقاء على قيد الحياة في ظل هذا التغير المناخي الذي يُسببه حتمًا التقدم في مجال التكنولوجيا.

هل تقضي البيانات الرقمية على الجنس البشري؟

ويستطرد الكاتب قائلًا: إذا حالفنا الحظ بما يكفي للبقاء على قيد الحياة وتمكنَّا من تجنُّب وقوع أي سيناريو مرعب آخر محتمل، مثل اندلاع حرب نووية حرارية، أو انفجار بركان هائل أو اصطدام كويكب هائل بكوكب الأرض، فإن البشرية سيتبقى أمامها حوالي خمسة مليارات سنة حتى ينفد وقود الشمس من الهيدروجين.

لكن من الآن وحتى تموت الشمس، هناك ثمة مشكلة أخرى لم يكن العلماء على دراية بها حتى الآن. إذ قد تؤدي المعلومات والبيانات الرقمية نفسها إلى زوال الجنس البشري. إن تخزين البيانات الرقمية هو الذي سيفعل ذلك وليست البيانات في حد ذاتها.

ونظرًا لزيادة اعتماد الإنسان في المجتمعات على المعلومات والبيانات الرقمية واستمرار حاجته إلى المزيد والمزيد منها، فإننا سنصل، في يوم من الأيام، إلى المرحلة التي سيتجاوز فيها عدد البتات المُخزَّنة عدد جميع الذرات التي يتكون منها كوكبنا. وهذا وفقًا لنظرية ملفين فوبسون، عالم الفيزياء النظرية وكبير محاضري جامعة بورتسموث في المملكة المتحدة. وقد نشرت مجلة «AIP Advances» مؤخرًا ورقة بحثية منقَّحة تحت عنوان «كارثة المعلومات» تتناول نظرية فوبسون.

المعلومات.. أزمة غير مرئية

وفي مطلع بحثه، يقول فوبسون «في الوقت الراهن، نحن ننتج سنويًّا حوالي ∼1021 بتًا رقميًّا من المعلومات والبيانات على كوكب الأرض». وهذا بالاستناد إلى تقديرات شركة المؤسسة الدولية للحاسبات الآلية (آي بي إم) التي قدَّرت ما ينتجه البشر يوميًّا من البيانات الرقمية بحوالي 2.5 كوينتيليون بايت.

ومع افتراض أن معدل زيادة محتوى البيانات الرقمية الذي ننتجه يصل إلى نسبة 20 في المئة، فإنه في غضون 350 عامًا، ستتجاوز عدد البتات الرقمية التي ننتجها عدد جميع الذرات الموجودة على كوكب الأرض بأكمله. وفي مؤتمر صحفي، قال فوبسون: «حرفيًّا، نحن نتسبب في تغير كوكب الأرض شيئًا فشيئًا، وهذه أزمة غير مرئية».

ويُشير الكاتب إلى أن هناك كثيرًا من المتغيرات التي ينبغي مراعاتها. فعلى سبيل المثال، يجب مراعاة عدد البتات التي تُنتج سنويًّا، وسعة تخزين البيانات، والطاقة المُنتَجة وحجم البت مقارنة بالذرة. كما ينبغي أيضًا مراعاة عوامل أخرى محورها الإنسان، مثل النمو السكاني ومعدل الوصول إلى تكنولوجيا المعلومات في البلدان النامية.

وتشير الورقة البحثية إلى أنه «إذا افترضنا تحقيق معدلات زيادة بنسبة 5% و20% و50%، فإن العدد الإجمالي للبتات الرقمية المنتجة سيُعادل عدد إجمالي الذرات على الأرض بعد 1.200 سنة أو 340 سنة و150 سنة بنفس ترتيب معدلات الزيادة».

أسوأ من المتوقع

وأوضح الكاتب أنه في السيناريو الأكثر خطورة، والذي ربما يحدث بعد 150 عامًا، سنجد أن الأمر سيستغرق قرابة 130 عامًا حتى تتمكن البيانات الرقمية المُنتَجة والمُخزَّنة من امتصاص كل الطاقة المستحدثة على كوكب الأرض. وفي هذا السيناريو، وبحلول عام 2245، تُعادل كتلة المعلومات الرقمية حوالي نصف محتوى كتلة الأرض.

تذكر شركة (آي بي إم) أن 90 في المئة من البيانات الرقمية التي نمتلكها في الوقت الراهن أُنتِجت خلال السنوات العشر الماضية فحسب. ويتوقع فوبسون قائلًا: «يبدو حقًا أنه لا يُمكن إيقاف نمو البيانات الرقمية».

بالإضافة إلى ذلك، يعتقد فوبسون أن معدلاته متحفظة -بحسب الكاتب- وقد أخبرني عبر البريد الإلكتروني قائلًا: «إذا نظرنا إلى كثافة تخزين البيانات المغناطيسية فحسب، يتبين أنها تتضاعف كل عام منذ أكثر من 50 عامًا». ولا يقتصر الأمر على زيادة إنتاج البيانات الرقمية بمعدلات أسرع، بل على التقييمات المُستخدَمة لمعدل الطاقة الديناميكية الحرارية لإنشاء البتات.

وهذا هو الوضع المثالي، لأقصى قدر ممكن من الكفاءة، والذي يفصلنا عنه أميال، مما يعني أن الأزمة قد تطرق أبوابنا في وقت أقرب بكثير من المنتظر.

الحل الوحيد غير كاف

واختتم الكاتب تقريره بما قدَّمه العالم الفيزيائي فوبسون، من حل لمواجهة هذه المشكلة، والذي يتمثل في استخدام «الوسائط غير المادية» لتخزين البيانات الرقمية والمعلومات. لكنه مع ذلك يضع كل آماله على هذا الأمر. يقول فوبسون: «أنا أكثر تفاؤلًا بشأن مظاهر الطاقة في ظل إتقان البشرية، على الأرجح، وسائل أفضل لاستخلاص الطاقة من الانصهار النووي والألواح الشمسية الكهروضوئية بكفاءة تقترب من 100%».

ولن تكون الحوسبة الكمية هي الحل للمشكلة، لأن البتات الكمية (بتات على شكل تركيبات كمية) لا تُخزِّن البيانات. وبدلًا من ذلك، تُخزِّن البيانات باستخدام البتات الرقمية والحوسبة القياسية.

إلى جانب هذه النظرية، وصف كاتبُ التقرير العالمَ الفيزيائي ملفين فوبسون بأنه مؤسس مبدأ تكافؤ المعلومات بين الكتلة والطاقة، والذي ينص على أن المعلومات عبارة عن لبنة أساسية لمكونات كوكب الأرض وأن للمعلومات كتلة. وفي هذه النظرية، سنجد أن الكتلة والطاقة والمعلومات مرتبطة ببعضها البعض، ولا وجود للمادة المظلمة. لكن، بدلًا من ذلك، فإن الأمر غير المفهوم حتى الآن في عالمنا هو كتلة البيانات والمعلومات نفسها.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي