هل يكون الخيال العلمي مستقبل المسرح التونسي

2021-02-25

مسرح يعتمد الخيالتونس – احتضنت مدينة الثقافة الشاذلي القليبي مؤخرا بفضاء مسرح الجهات العرض قبل الأول لمسرحية “الوحش” التي جاءت بإنتاج مشترك بين مسرح الأوبرا ومركز الفنون الدرامية والركحية ببن عروس.

“الوحش” هي عمل مسرحي مقتبس من كتاب “الوحش” للكاتبة المجريّة آغوتا كريستوف، دراماتورجيا وسينوغرافيا معز العاشوري، إخراج يحي الفايدي. أما الكوريغرافيا فهي لراقصة قطب الباليه والفنون الكوريغرافية أميمة المناعي، وأداء كلّ من نزار كشو ورامي الشارني وريحانة عباس وأحمد مدوري ومريم بن يطو، وعبدالمجيب ولاتي وشيماء عوني.

انطلقت المسرحية التي قدّمت باللغة العربية الفصحى على مسرح تلحّف الظلام لتظهر الشخصيات الرئيسية مرتدية ملابس واقية من الفايروسات تقف أمام خلفيّة فيديو “مابينغ” وتصاحبها المؤثّرات الصوتية، لتبدأ الأحداث بالتواتر حتى ظهور الوحش الذي أدّى دوره الممثّل رامي الشارني.

تروي المسرحية قصة كائن فضائي يرتطم بالأرض في حركة كونية غريبة أمام أعين شاب يدعى بوب، حيث يقوم العلماء بنقله إلى المخابر العلمية وإخضاعه لتجارب عديدة ليكتشفوا قدرته على التأقلم مع البشر.

وفي بيان للمنتجين أشاروا إلى أن هذا العمل قد دام التحضير له في المختبر أكثر من تسعة شهور في ظروف استثنائية، تعرضوا خلالها لمصاعب ومشاكل شتى صحية ومادية واجتماعية، إلا أنهم أصروا على مواصلة العمل إلى آخر نفس، بغية البحث عن جماليات قادرَة على الإقناع وإيمانا منهم بأن الفن المسرحي يتطور عند الأزمات.

هكذا ينتمي العمل إلى كتابات الخيال العلمي، وهو توجّهٌ بات حاضرا في المسرح التونسي في السنوات الأخيرة فقط، حيث حضر في أعمال مثل “سابينس” لعصام العياري ووليد العيادي، و”الهربة” لعزيز الجبالي، و”بيك نعيش” لـحسن الغربي ونوفل عزارة.

حضور الخيال العلمي في المسرح التونسي يعيدنا إلى التساؤل عما إذا كانت هذه الظاهرة مرتبطة بالواقع التكنولوجي المحتدم أم هي هروب من المسرح السياسي والاجتماعي الذي انتهجته جل الأعمال المسرحية الأخرى في تونس أم هي مغامرة تجريب؟

يعرّف الناقد المصري الراحل يوسف الشاروني الخيال العلمي قائلا إن “الخيال العلمي نوع من المصالحة بين الأدب والعلم اللذين يعتقد الكثيرون أن ثمة تعارضاً بينهما. فأحدهما يقوم على الخيال، بينما الآخر لا يقوم إلا على أساس التجربة واستقراء الواقع والانتهاء من ذلك كله إلى قوانين محددة، بل إلى صيغ رياضية كلما أمكن ذلك”.

المزج بين الخيال والجانب العلمي تبلور في شكل فني مع الأدب، ووصل إلى المسرح الذي يجمع مختلف الفنون وله علاقة وثيقة بالأدب.

ويعرف الدكتور إبراهيم حمادة المسرحية الفانتازية “الخيالية” بقوله “يقوم موضوع المسرحية الفانتازية على سرحة الخيال إلى عوالم وهمية لا تشكل الواقع، ولربما تجاوز السرحان فيها نفسه إلى آفاق الغيبات البعيدة وما فوق الظواهر الطبيعية”. ويؤرخ لانطلاقة مسرح الخيال العلمي بمسرحية “الطائر الأزرق” (1908) لميترلنك. وقد تستخدم المسرحية الفانتازية نظريات في العلوم الطبيعية لم تكتشف بعد، كما يحدث- عادة- في المسرحيات العلمية، كما يمكن تحميلها مدلولات ترمز إلى واقع سياسي أو أخلاقي أو ديني.

إن الخيال العلمي بذلك يمثل الشكل الطبيعى لميثولوجيا عصرنا أو كما قال وليم بوروغس إنه يرى فيه “ميثولوجيا عصر الفضاء”، أي أن الرأي السابق يقارب بينه وبين الميثولوجيا الإغريقية أو الرومانية أو الفرعونية.

وفي الحالة التونسية ربما يكون الاتجاه إلى الخيال العلمي من قبل بعض الأعمال نوعا من التمرد على النمطية في المسرح التونسي، ذلك أن أغلب الأعمال اجتماعية وسياسية، خاصة ما بعد الثورة التونسية وانتعاش جو الحرية، حيث تخلى الكثير من المسرحيين عن الخيال لصالح هول الواقع وحكاياته وأحداثه التي تفاجئنا كل يوم.

وجاءت أزمة فايروس كورونا الأخيرة والرحلات الفضائية التي نجحت فيها البشرية في صف مسرح الخيال العلمي الذي يعتمد على العلم مازجا إياه بالخيال، حيث انفتحت آفاق جديدة للتفكير خارج الصندوق، وطرح إشكاليات تتجاوز الوعي الكلاسيكي والخطي، انفتاحا على وجود أكثر رحابة.

هناك من يرى أيضا أن هذا المسرح ما هو إلا هروب من الواقع المأزوم الذي تتعقد مشاكله يوما بعد يوم، ومحاولة لتجاوز الواقع الذي شابه التشنج السياسي والاصطفاف الأيديولوجي والتنميط الجمالي والفكري.

جماليات جديدة يقترحها مسرح الخيال العلمي شأنه شأن المسرح الفانتازي والعجائبي، وكلها أنماط مسرحية يبدو أنها ستتطور في المدة القادمة بشكل كبير.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي