الفتور بين بايدن ونتنياهو.. هل ينعكس على دعم أمريكا المطلق لإسرائيل؟

متابعات الامة برس:
2021-02-25

بايدن ونتنياهو 

واشنطن-وكالات: أثار تأخير الرئيس الأمريكي جو بايدن اتصاله الأول برئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو تساؤلات بشأن موقف الإدارة الأمريكية من تل أبيب، لكن يجب التفريق بين الموقف من نتنياهو كشخص والموقف من إسرائيل كدولة.

فقد جرت العادة أن يضع الرئيس الأمريكي على رأس قائمة مكالماته الهاتفية الخارجية رئيس وزراء إسرائيل، لكن جو بايدن أخر اتصاله ببنيامين نتنياهو شهراً تقريباً، وتركه "يتعرق" حتى 17 فبراير/شباط الجاري، ما فتح الباب أمام التكهنات بشأن موقف الإدارة الجديدة من الحليفة الأولى لواشنطن في الشرق الأوسط.

بايدن عامل نتنياهو بالمثل

صحيح أن جو بايدن تسلم مهامه في ظروف غير طبيعية ربما لم يتعرض لها رئيس أمريكي آخر على الإطلاق؛ فداخلياً أقيم تنصيب بايدن في أجواء غير مسبوقة وإجراءات أمنية مشددة حولت واشنطن إلى ثكنة عسكرية بعد أحداث اقتحام سلفه دونالد ترامب مبنى الكونغرس في محاولة لقلب نتيجة الانتخابات، إضافة إلى تداعيات جائحة كورونا في الولايات المتحدة الدولة الأسوأ على الإطلاق في مواجهة الوباء القاتل بسبب سوء إدارة حكومة ترامب للكارثة الصحية.

بايدن ونتنياهو 

وخارجياً تضررت علاقات الولايات المتحدة مع الحلفاء الأوروبيين بشدة على مدار 4 سنوات من حكم ترامب، وهو ما يعني أن بايدن لديه جدول أعمال مزدحم للغاية لمواجهة تداعيات تلك الكوارث التي ورثها عن سلفه الجمهوري.

ومع ذلك، أجرى بايدن مكالمة هاتفية مدتها ساعة مع زعيم إسرائيل الدولة التي لا تزال حليفة وثيقة للولايات المتحدة وأولوية سياسية لكلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي، ويصعب تخيُّل أنَّ بايدن لن يستطيع إيجاد وقت متاح في حال كان يريد حقاً إجراء هذه المكالمة في وقتٍ مبكر. إذن، ماذا كان وراء هذا الأمر؟

موقع Responsible Statecraft الأمريكي تناول الإجابة عن السؤال من خلال دراسة الظروف المحيطة بتلك المكالمة المتأخرة وإجراءات إدارة بايدن في الأسابيع القليلة الأولى من تولّيه المنصب.

أولاً، ينبغي ألا نتجاهل استراتيجية المعاملة بالمثل في هذا الصدد، إذ تباطأ نتنياهو في الاعتراف بفوز بايدن في نوفمبر/تشرين الثاني ولم يتصل لتهنئته لمدة أسبوعين، بالإضافة إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي لم يخفِ دعمه لدونالد ترامب خلال الانتخابات. كان هناك تناقض صارخ حقاً بين ثنائه المفرط على ترامب وهجماته المتكررة ضد الرئيس السابق لبايدن، باراك أوباما.

وليس هناك شك كبير في أن بايدن شخصياً لم يرغب في إعطاء الأولوية لمحادثته مع نتنياهو. على الرغم من أنَّ كلا الرجلين كانا يعرفان بعضهما البعض منذ عقود وكانت تجمعهما دائماً علاقة عمل جيدة، يُحتمل أن تكون معاملة نتنياهو لأوباما ومؤازرته العلنية لترامب والحزب الجمهوري قد غيّرت وجهة نظر بايدن تجاه نظيره الإسرائيلي.

الخلاف حول إيران وضم الضفة الغربية

ثمة أيضاً عامل سياسي، لاسيما فيما يتعلق بإيران، حيث أعرب بايدن عن رغبته في العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015 (الاتفاق النووي) في حين يواصل نتنياهو معارضته الشديدة لهذه الخطوة.

وكان بايدن قد صرّح في عام 2014 بأنه "لا يوجد أي تعارض على الإطلاق بيننا وبين الإسرائيليين فيما يتعلق بمسألة أمن إسرائيل. لكن بصفتنا أصدقاء، علينا التزام بالتحدث بصدق مع بعضنا البعض وعدم تجنّب الحديث عن خلافاتنا التكتيكية".

لكن اليوم، يبدو أنَّ هذه الخلافات قد أحدثت شرخاً بين حكومة نتنياهو والحزب الديمقراطي، بدايةً  من صفقة إيران. تعاون نتنياهو مع رئيس مجلس النواب آنذاك، الجمهوري جون بوينر، لكي يوجّه له الدعوة لإلقاء كلمة أمام الكونغرس بهدف مهاجمة أولويات السياسة الخارجية للرئيس.

مفاعل بوشهر النووي

ومع ذلك، لا تقتصر مجالات الخلاف على إيران. أخبر بايدن مجموعة من القادة اليهود الأمريكيين خلال حملته الانتخابية بأنه لا يؤيد خطة ضم الضفة الغربية وينبغي لإسرائيل وقف تهديدات الضم ووقف النشاط الاستيطاني لأنَّ ذلك سيبدد أي أمل للسلام. بدا واضحاً أنَّ هذه التصريحات كانت رسالة تحذير لنتنياهو تبيّن أنَّ بايدن سيطالب بالتراجع تماماً عن مثل هذه الإجراءات في حال فوزه في الانتخابات.

ومع ذلك، أوضح فريق بايدن، في الأيام الأولى من توليه المنصب، أنَّه سيركز مُجدَّداً على دعم حل الدولتين، الذي تخلّى عنه نتنياهو وترامب. لكن بينما أعلن بايدن عن جهود أمريكية لإعادة التواصل مع الفلسطينيين، لم يقدم تفاصيل عن خططه للوصول إلى حل ملائم. هذا يشير على ما يبدو إلى أنَّ القضية الفلسطينية – الإسرائيلية لا تمثل أولوية عاجلة بالنسبة لبايدن، لاسيما أنَّ إسرائيل والفلسطينيين لديهم انتخابات جديدة في المستقبل القريب.

الابتعاد عن دعم نتنياهو في الانتخابات

وتتجه إسرائيل الشهر المقبل نحو انتخاباتها الرابعة خلال العامين الماضيين ويخوض نتنياهو هذه المرة معركة أصعب من أي وقت مضى، حيث تظهر استطلاعات الرأي أنَّ نتنياهو بعيد عن الفوز بعدد المقاعد التي سيحتاجها هو وحلفاؤه للحصول على الأغلبية في الكنيست.

يريد بايدن بالتأكيد تجنّب التأثير على الانتخابات الإسرائيلية، وهو تناقض صارخ آخر مع سلفه ترامب الذي كان فخوراً بدعمه العلني لنتنياهو، إذ سيتعيّن على بايدن العمل عن كثب مع المنتصر أياً كان. وعلى الرغم من أنَّ بدائل نتنياهو على الأرجح لن يبتعدوا تماماً عن سياساته المتعلقة بالفلسطينيين، قد يكونون أكثر مرونة في العمل مع بايدن فيما يتعلق بإيران، حتى وإن كانوا قلقين من الصفقة النووية.

 

ويُرجح أن تكون الانتخابات الفلسطينية أكثر تعقيداً بالنسبة لبايدن. يأمل فريق بايدن بالتأكيد في أنَّ تؤدي نتيجة التصويت إلى تغيير كبير في السياسة الفلسطينية بطريقة يمكن الاستفادة منها لإحياء عملية السلام. لا يريد بايدن في الوقت الحالي سوى إعادة بناء علاقة عمل جديدة مع القيادة الفلسطينية، نظراً لأنَّ بناء بعض النوايا الحسنة، إذا استطاع فعل ذلك، سيكون مفيداً بغض النظر عما سيحدث في الانتخابات الفلسطينية.

ومع ذلك، لا ينبغي تفسير موقف بايدن الفاتر تجاه نتنياهو بما يتجاوز كونه مجرد انزعاج من رئيس الوزراء نفسه، ويتضح جلياً أنَّ هذا الانزعاج لم يُغيّر توجّه بايدن الداعم لإسرائيل.

موقف بايدن من السعودية

وفي الوقت نفسه، ثمة تباين صارخ بين تصرفات بايدن تجاه إسرائيل ومواقفه تجاه المملكة العربية السعودية. قرَّر بايدن وقف دعمه للحرب السعودية في اليمن ويبدو واضحاً عدم ارتياحه لولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان. في السياق ذاته، قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، جين بساكي، هذا الأسبوع: "لقد أوضحنا منذ البداية أننا سنعيد معايرة علاقتنا مع السعودية".

 

الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز

يُمثّل التحول في دعم الولايات المتحدة لحرب اليمن تغييراً جوهرياً في سياسة واشنطن تجاه الرياض على الرغم من أنَّ كلام جين بساكي موجَّه في المقام الأول إلى محمد بن سلمان شخصياً والضرر الذي ألحقه بالعلاقات الأمريكية – السعودية بسبب حربه في اليمن وقتله للصحفي جمال خاشقجي. يحمل موقف إدارة بايدن تجاه السعودية توبيخاً أعنف بكثير ممَّا تمثله مكالمة هاتفية متأخرة مع نتنياهو.

ومع ذلك، أوضح بايدن أنَّ المخاوف الأمنية السعودية لا تزال تحظى بأولوية وأنَّه سيلتقي مباشرةً مع الملك سلمان في المستقبل. يدفع محمد بن سلمان، مثل نتنياهو، ثمن علاقته الودية الوطيدة مع ترامب. ورغم ذلك، يتضح أنَّ الضرر الذي لحق بعلاقة الولايات المتحدة مع السعودية أكبر بكثير من الضرر الذي لحق بعلاقاتها مع إسرائيل.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي