لماذا عاد التحقيق الرسمي في انفجار بيروت إلى نقطة الصفر؟

Six months after massive Beirut explosion, official investigation has been upended
2021-02-25

نشرت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية تقريرًا لـ سارة دعدوش، مراسلة الصحيفة في العاصمة اللبنانية بيروت، تناولت فيه التحقيق الرسمي في الانفجار المروِّع الذي ضرب مرفأ بيروت في شهر أغسطس (آب) من العام الماضي، موضحةً أن هذا التحقيق عاد إلى نقطة الصفر بعد استبعاد قاضي التحقيق.

استهلت الكاتبة تقريرها بالإشارة إلى أن رئيس حكومة تصريف الأعمال وثلاثة وزراء سابقين كانوا في مرمى نيران القاضي اللبناني فادي صوان، الذي قاد التحقيق في انفجار أغسطس الدامي؛ إذ اتهمهم بالإهمال لتجاهلهم المواد الشديدة الاشتعال المخزَّنة لنحو سِتْ سنوات في المرفأ الساحلي.

لكن محكمة التمييز الجزائية في لبنان نحَّت صوان الأسبوع الماضي عن التحقيق في القضية بعد أن قدَّم اثنان من الوزراء السابقين شكوى زعَمَا فيها أن صوان أثبت عدم حياديته بتوجيه اتهامات إلى شخصيات بارزة سعيًا منه لاسترضاء الجماهير. كما شكَّكت المحكمة اللبنانية التي استبعدت صوان في حياديته لأن منزله الخاص، مثل منازل مئات آلاف آخرين من سكان بيروت، قد تضرر بفعل الانفجار.

تحقيق وسط الصعاب

ولفت التقرير إلى أن التحقيق الرسمي يسعى جاهدًا لاختراق ثقافة الفساد والنفوذ السياسي في لبنان بهدف محاسبة أي شخص متورط بعد أكثر من ستة أشهر من الانفجار، الذي أودَى بحياة أكثر من 200 شخص، وأصاب أكثر من 7.500 آخرين، ودمَّر أجزاءً كبيرة من العاصمة.

ووجه صوان بالفعل اتهامات ضد 33 شخصًا، ووضع 25 منهم رهن الاحتجاز، لكن معظمهم كانوا من ضباط الجمارك والموانئ والأمن. وعندما استُدعِي رئيس حكومة تصريف الأعمال حسن دياب ووزيرين سابقين لاستجوابهم بوصفهم متَّهمين، رفضوا جميعًا المثول للتحقيق، مدَّعين حصانتهم من الملاحقة القضائية بوصفهم مسؤولين حكوميين.

وأوضح التقرير أن صوان ركَّز طيلة تحقيقاته على سؤال استحوذ على تفكير قطاع كبير من اللبنانيين منذ أغسطس: مَنْ المسؤول عن السماح بتخزين 2750 طنًّا من نترات الأمونيوم عشوائيًّا في مستودع، جنبًا إلى جنب مع مواد قابلة للاشتعال مثل الألعاب النارية ومخففات الطلاء على حافة مدينة مزدحمة؟

وفي مقابلة عُقِدت في وقت سابق من هذا الشهر في السراي الكبير، مركز رئاسة مجلس وزراء لبنان، قال دياب: «أعتقد أنه كان هناك إهمال متعمد». وكانت معظم نوافذ المكاتب لا تزال مغطاة بالقماش المشمع، ولم يُستبدل الزجاج بعد أن تحطَّم في الانفجار. وأضاف: «لقد غُضَّ الطرف عن تلك المواد الخطيرة لسبع سنوات». وقد تقدَّم دياب باستقالته من رئاسة الحكومة بعد الانفجار لكنه يتولى منصب رئيس الوزراء المؤقت حتى تشكيل حكومة جديدة.

ونوَّه التقرير إلى أنه على الرغم من رفْض دياب المثول أمام قاضي التحقيق بوصفه متهمًا، نجح صوان في استجوابه باعتباره شاهدًا في وقت سابق، وكان تركيز القاضي مُنصبًا على توقيت عِلْمه لأول مرة بتخزين نترات الأمونيوم في بيروت. وخلال المقابلة مع واشنطن بوست، حدَّد دياب الجدول الزمني الذي قدَّمه أثناء التحقيق، وقال إنه سمع في البداية عن المواد في 3 يونيو (حزيران) من العام الماضي وعرض المسألة على الوزراء المختصين. وقال دياب إنه لم يدرك مدى خطورة المواد المخزَّنة.

وتُبين الوثائق الحكومية التي استعرضتها صحيفة واشنطن بوست أن المسؤولين كانوا على علم تام بالأخطار التي يُشكِّلها المخزون الكيميائي الضخم قبل مدة طويلة من العام الماضي. وتكشف الوثائق كذلك أن المسؤولية عن نترات الأمونيوم قد مرت على مدى سنوات بين مختلف الهيئات العامة والخاصة، بما في ذلك وزارة الأشغال العامة والنقل والقضاء والجيش، بل وحتى شركة متفجرات خاصة.

ومنذ عام 2015 على الأقل، أطلع خبير كيميائي المسؤولين على مخاطر تخزين المواد الكيميائية في المرفأ، ونُصح المسؤولون بنقل المواد خارج المرفأ.

واستشهد تقرير صادر عن جهاز الأمن الوطني اللبناني، أُرسِل إلى دياب قبل أسبوعين من الانفجار بعد أن طلب إجراء تقييم للشحنة، برأي الخبير في الجامعة اللبنانية الذي فحص المواد وقال محذِّرًا: «في حال اشتعلت تلك المواد، فسوف تُسبب انفجارًا هائلًا ستؤدي إحدى نتائجه إلى تدمير شبه كامل لمرفأ بيروت».

وقال دياب ومحامون تحدثوا إلى منظمة «هيومن رايتس ووتش» إن تحقيق صوان قد تجاهل إلى حد كبير الأسئلة المتعلقة بكيفية وصول نترات الأمونيوم إلى المرفأ وما تسبب في انفجار المواد. ولا تزال ملكية نترات الأمونيوم غير واضحة، وكذلك كيف انتهى بها المطاف على متن سفينة في مرفأ بيروت في عام 2013. وكانت وسائل الإعلام المحلية تحقق في سلسلة من الشركات الوهمية التي تفيد بعض المزاعم أنها متورطة في الشحنة.

التذرُّع بالحصانة القانونية

وبحسب التقرير، في حين طالب المسؤولون من مختلف الأحزاب السياسية والطائفية بالمساءلة، احتشد عديد منهم ضد صوان بمجرد توجيه الاتهام إلى كبار المسؤولين الأربعة في ديسمبر (كانون الأول). وبعد أسبوع، قدَّم اثنان من الوزراء السابقين الذين اتهمهم صوان، وهما علي حسن خليل وغازي زعيتر، طلبًا إلى محكمة التمييز باستبدال صوان، ومن ثم توقف تحقيقه. ولم يفنِّد خليل وزعيتر الأسس الموضوعية للتُّهم الموجَّهة إليهما، بدعوى أنهما محصنان من الملاحقة القضائية.

وجاء في قرار تنحية صوان، المكون من 26 صفحة، يوم الخميس أن هناك «شبهة مشروعة» فيما يتعلق بحيادِيته ونزاهته، ويرجع ذلك جزئيًّا إلى أن القاضي قال إنه لن يعترف بالحصانة القانونية التي يتذرَّع بها الوزراء. وتُعد مسألة أن الحصانة القانونية تمتد لتشمل المسؤولين العموميين موضع خلاف حاد في لبنان.

وأضاف التقرير أن القرار زعم أيضًا أن صوان تستر على إخفاقات القضاة الآخرين، بمن فيهم قاضٍ واحد على الأقل يقال إنه كان على علم بالأخطار التي تُشكِّلها نترات الأمونيوم ولكنه لم يحرِّك ساكنًا، وأن صوان لم يتمكن من الحفاظ على الحياد بسبب تضرر منزله في الانفجار.

ولم يصدر صوان أي تصريحات عامة منذ استبعاده ولم يرد على طلبات متعددة للتعليق على هذا التقرير. وقد عيَّن وزير العدل، الجمعة الماضية، قاضيًا جديدًا هو طارق بيطار خلفًا لـ صوان، وسيتعين على بيطار الآن إعادة التحقيق ليبدأ من نقطة الصفر.

نكسة كبيرة

نقلت الصحيفة عن غيدا فرنجية، رئيسة التقاضي في مجموعة «المفكرة القانونية»، قولها إن هذه المستجدات «تُشكِّل نكسة كبيرة في بلد يتعامل مع عقود من الإفلات القانوني من العقاب وبعد أشهر من الضغط من أجل التحقيق مع سياسيين رفيعي المستوى».

ومن جانبها قالت آية مجذوب، باحثة لبنان في منظمة هيومن رايتس ووتش، إن تحقيق صوان لم يخْلُ من مشاكل؛ فعلى سبيل المثال، لجأ صوان إلى الاحتجاز السابق للمحاكمة وحجَزَ عشرات من المشتبه فيهم دون تقديم تهم أو أدلة محددة ضدهم، وهذا يُشكِّل انتهاكًا لحقوقهم في الإجراءات القانونية الواجبة.

لكن، وبحسب ما استدركت آية، تُعد تنحية صوان عن مواصلة التحقيق مؤشرًا على «الخط الأحمر» الذي رسمته المحاكم حول السياسيين. وأوضحت أن «سياسة الحصانة تلك جعلت الطبقة السياسية بمنأى عن المساءلة تمامًا، الأمر الذي يديم ثقافة الإفلات من العقاب».

وفور انفجار 4 أغسطس، احتشد الآلاف من المتظاهرين الغاضبين في الشوارع وسط أنقاض البيوت المدمرة والزجاج المتناثر، مطالبين بالمساءلة. ودفعت تلك الاحتجاجات دياب للاستقالة في 10 أغسطس. وبعد ثلاثة أيام، عُيِّن صوان محققًا عدليًّا في الانفجار. ولم تكد تمر ساعات على إعلان استبعاد صوان، الخميس، حتى تجمعت أسر الضحايا أمام وزارة العدل.

وقالت منى جاويش، التي فقدت ابنتها روان عندما دمَّر الانفجار الحانة الشعبية حيث كانت تعمل نادلة، إن «الدولة اللبنانية لم تفعل شيئًا»، مضيفة: «إنهم لا يكترثون لأمرنا، ولا يهتمون بالشهداء. نحن هنا نبكي فيما لا يبالي السياسيون إلا بأنفسهم».

كان المحتجون يحملون صورًا لأفراد من ذويهم الذين قضَوَا في الانفجار، وصورًا لعديد من الأشخاص الذين تجمَّعوا حول إطار محترق. ورفع عديد منهم، والشرر يتطاير من عيونهم، لافتات تقول: «نريد نتائج التحقيق بشفافية قبل أن ينفد صبرنا»، حسبما يختم التقرير.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي