المغرب- رشيد لمهوي : يواصل مركز الأبحاث الفلسفية بالمغرب في إطار سلسلة أبحاث فلسفية التي يشرف عليها نشر حصيلة الاشتغال الفكري لأعضائه الذين يمثلون جيلا جديدا من المفكرين أطلق عليهم بالمغرب اسم الفلاسفة الجدد.
ويمثل هذا المركز الذي تأسس عام 2002 نواة فكرية تجمع فيها عدد من المفكرين الشباب الذين أعلنوا عن أنفسهم كحركة من الاسئلة والاشكاليات التي مثلت حساسية جديدة في نسيج الفلسفة المغربية المعاصرة.
وحفلت أعمالهم بمفاهيم جديدة ومثيرة كالانشطار الانثروبولوجي والمبدأ الايطيقي المحايث والحق في الجسد والكوجيطو الجديد والعلة التأسيسية والتحيين وتجربة الفكر والمجرى الأنطولوجي...
وخلافا لانشغالات الجيل السابق كالجابر والعروي التي انصبت على سؤال الثرات والتاريخانية، توجه اهتمام الفلاسفة الجدد بالمغرب الى سؤال الكونية والفرد والتقنية والجسد، التي مثلت لديهم مشتركا في البحث والنقاش...
منشورات هؤلاء المفكرين تصرفت في عدة عناوين منها: "الأسس الفلسفية لنظرية نهاية الأخلاق" سنة 2001 و"الزمان والفكر" 2002 و"أفول الحقيقة: الإنسان ينقض نفسه" 2004 و"أخلاق الغير" 2005 و"حكمة الحداثيين" 2003 و"المجرى الانطولوجي" 2006 و"الكائن والمتاهة" 2007 والقائمة طويلة..
الفلسفة المغربية: سؤال الكونية والمستقبل
هذا الكتاب صدر في إطار نفس السلسلة للمفكر عبد العزيز بومسهولي. الذي يعد أحد أبرز أسماء كوكبة الفلاسفة الجدد بالمغرب والمتميز بغزارة إنتاجاته.
وينطلق صاحب الكتاب في عمله هذا الذي يخصصه للفلسفة المغربية ما بعد الجابري والعروي، من إعادة تعريف الفلسفة باعتبارها تلك الإمكانية التي تجعل وجود الإنسان في العالم علة تأسيسية من حيث قابليتها لأن تتشكل كقوة حيوية قادرة على إحداث الهوة ما بين الطبيعة والثقافة من جهة.
وما بين الثقافة والتفكير من جهة ثانية، مؤكدا أن القدرة على إحداث هذه الهوة تتمثل في تخليص الإنسان من الثقافة التي أنتجتها التجربة الإنسانية فغدت بفعل العادة والتراكم ميتافيزيقا مهيمنة ما تفتأ تمارس الوصاية على الإنسان لتحوله إلى وجود مفصول عن قدرته في التفكير والمساءلة والانفلات.
ويمضي عزيز بومسهولي في عمله الفلسفي الجديد الذي يمثل الإصدار التاسع في مشواره الفلسفي، في تحليل الفرضية المؤسسة لتأمله انطلاقا من استعادة التساؤل الذي سبق للفيلسوف المغربي عبد السلام بنعبد العالي أن طرحه حول ما إذا كانت هناك حياة فكرية فلسفية عندنا.
وإذا ما كان هذا الفكر يحيا بالفعل، حيث يركز صاحب العمل على المنجز الفلسفي من خلال متون عبد السلام بنعبد العالي أولا وما لحقه من أعمال مستجليا ملامح قراءة الفكر المغربي للفكر الفلسفي الكوني وهي قراءات كان لها كما يقول المؤلف نفسه تأثير كبير في تشكيل وعي مغاير بالفلسفة وأهمية خاصة في خلق شروط حياة فكرية جديدة.
ويؤكد المفكر عبد العزيز بومسهولي أن رهان الفلسفة المغربية لايكمن في تتبع تطورات الفكر العالمي فحسب، ولكن في الإسهام في حركية هذا الفكر أيضا، ملاحظا أن الفلسفة المغربية ظلت حبيسة تصور لافلسفي للفلسفة وهو تصور بات يحكم مسار عدد من المنشغلين بها الذين لم يتجاوز مجهودهم تلخيص القضايا والإشكالات وترجمة النصوص أو الاهتمام بقضايا التراث، وهو انشغال يحول دون انبثاق حياة فلسفية حميمية.
ويمثل مفهوم تجربة الفكر الذي ابتكره الباحث عبد العزيز بومسهولي، النواة التأسيسية التي تنتظم حولها مجمل تأملات هذا العمل، معتبرا هذه التجربة الرحم الذي تتولد فيه اللاطمأنينة والدهشة التي تخلص من السبات الدغمائي ومن سلطة المعرفة الكليانية التي تحول دون الوثبة والانفصال.
يتكون الكتاب من ستة أقسام مخصصة للحظة التحول في الفلسفة المغربية ومجاوزة الميتافزيقا، ومسألة التقنية وسؤال المثقف وإشكالية الغاية وسؤال المستقبل والكونية ولحظات المغايرة في الفلسفة المغربية إضافة إلى ملحق حول نهاية الأخلاق وحلول المبدأ الإطيقي.
وتمتد تحليلات عبد العزيز بومسهولي في كتابه الجديد لعدة أعمال فلسفية يتقدمها الفيلسوف عبد السلام بنعبد العالي، محمد سبيلا، ادريس كثير، حسن أوزال، أحمد شراك، محمد طواع، إسماعيل المصدق، عبد الصمد الكباص.
الجنس و الوعي الأخلاقي: في نقد التحليل النفسي الفرويدي
هذا الكتاب الذي يعود للمفكر الشاب حسن أوزال وهو ترجمة لأحد أهم أعمال مشال هار. والكتاب الذي يقع في 100 صفحة من القطع المتوسط يترجم لأول مرة إلى اللغة العربية.
ويشكل مراجعة نقدية للمنظور الفرويدي ولأسس التحليل النفسي كما تبلور مع رائده، مع استدعاء جهازه المفاهيمي ومقدماته الضمنية بما يفيد في تشكيل رؤية مختلفة للانسان.
ويبرر الباحث حسن أوزال اختياره لهذا العمل وفتح أفق له داخل الثقافة العربية بكون سيغموند فرويد هو من استطاع أن يخلخل الفكر الاسطوري الخرافي كاشفا لنا عن قوة الدوافع اللاشعورية والنفسية والثقافية والاجتماعية وإن ينبهنا أيضا إلى أهمية ما يعتبر تافها في الحياة اليومية كالحلم والهفوات...
ينطلق الكتاب من سؤال: هل نحن اليوم في حاجة إلى مدخل للتحليل النفسي؟ مفككا أسس التمييز ما بين السوي والمريض، الخير والشرير، الحالم واليقظ.. لينتهي إلى أن الميكانيزم الذي يسمح بالمرور إلى المجال الأخلاقي يقوم على نوع من العصاب الناتج عن التطابق والتماهي ما بين الأنا المتشكل في الحياة الأولى للطفل وأنا والديه المستبطن عبر قواعد التربية...
ويشير المفكر عزيز بومسهولي في التقديم الذي خص به كتاب حسن أوزال إلى أن هذا العمل تكمن أهميته في كونه يقدم قراءة جديدة للتحليل النفسي تسمح بالاقتراب من فهم الانسان الذي يعيش التضارب ما بين انتمائه إلى الطبيعة والمجتمع منشطرا ما بين مبدأ اللذة ومبدأ الواقع.. حيث يمكننا هذا التجاذب الوجداني ما بين تحقق المتعة واستحالتها إلى فهم ما يسود عالم اليوم من إرادة للتدمير واستعمال للقوة ونزوع نحو استعجال النهاية.
يتضمن الكتاب سبعة فصول هي: الأطروحات الرئيسية في مؤلف مدخل للتحليل النفسي، لمحة تحليلية للكتاب، شذوذ الحياة اليومية، الأحلام وتفسيرها، الحياة الجنسية، معنى العصاب، العلاج التحليلي النفسي، إضافة إلى خاتمة تقدم أوجه الفكر الفرويدي.
الفرد، الكونية والله: الحق في الجسد
ودائما في إطار سلسلة أبحاث فلسفية التي يشرف عليها مركز الأبحاث الفلسفية بالمغرب، صدر كتاب "الفرد، الكونية والله: الحق في الجسد" للمفكر الشاب عبد الصمد الكباص. يمثل الكتاب، الذي يقع في 100 صفحة، محاولة لإرساء مقاربة فلسفية لسؤال الفرد والكونية والله ينطلق فيه من إعادة تعريف مهمة الفلسفة التي يؤكد أنها ليست فقط قراءة في النصوص أو تنقيبا بالكتب، بل هي تفكير في الوجود الذي يحين نفسه في الذات لتي تباشر عمل التفكير. ومن خلاله تعاد صياغة إمكانيات المعنى والقيمة.
فالتحيين كما يقول في مقدمة الكتاب: "يمثل أهم سؤال تثيره إشكاليتنا ككائنات قيد التكون، لأنه ما يمنح الوجود سؤال مضمون التجربة فيحوله من وجود غفل إلى وجودنا نحن بالذات، أي وجود على نحو خاص".
يتساءل عبد الصمد الكباص: كيف يمكننا أن نفكر في أفق حداثي من دون أي موقع للجسد فيه؟ فذلك لن يكون ـ حسب مقدمة العمل ـ سوى إتلاف للمجال الذي تنمو فيه الحداثة وتختبر كتجربة، أي إتلاف للحداثة نفسها وفصلها عن مضمونها وتحويلها إلى بناء لغوي..
فليس سؤال الجسد فقط واحدا من أسئلة الحداثة بل هو سؤال الحداثة نفسها منذ تبدأ وفيه تنمو و على أرضه تختبره لأنه يتعلق بتأويل الإنسان من جديد: وجوده وقيمته، "فأي تأويل إذن يمنحنا هذه الإمكانية التي تجعلنا حداثيين؟ ذلك ما اقترح الباحث الكباص التفكير فيه في هذا العمل.
يحدد صاحب الكتاب حقل تفكيره بتعريف الحداثة باعتبارها عصر الحاضر، أي العصر الذي يتشكل لبه الأخلاقي والقيمي والوجودي كحاضر. فالحداثة تقوم على إنصاف الحاضر في امتداده نحو المستقبل وتحرره من وصاية الماضي لتحدد غاية الوجود الإنساني في حاضره.
فالأمل والسعادة والحقيقة لم تعد موضوع إرجاء ولا تأجيل وإنما إمكانية قابلة للتحقق في هذا الحاضر الذي يعيشه الإنسان والذي هو آخذ في التلاشي.
يناقش الكباص مؤديات هذا التصور الذي يتحول فيه الحاضر إلى حق حيث يصبح ما يجب الاعتناء به والعمل على تجميله هو اللحظة المعاشة التي يمكن أن يكون فيها الإنسان سعيدا أو لا يكون.
حيث يقول "لقد ظهر الحاضر كحق أي أنه أصبح قيمة إيطيقية ينتظم حولها نظام أخلاقي بكامله يمكننا أن نسميه بأخلاق الحاضر الذي يجعل أن أثمن شيء يمكن أن يحوز عليه الإنسان في وجوده هو حاضره. هذا التثمين يجعل بدوره الانخراط في الحق و الواجب الأخلاقيين مبررا باسم الحاضر".
يعيد الكباص كذلك في ارتباط بالفرضية العامة لكتابه، تعريف الفرد الذي يحدده كحرية متعينة في الحاضر. فأن يصبح الإنسان فردا أي أن يتشكل عصر بكامله كاعتراف بالفردية باعتبارها استحقاقا للإنسان، معناه أن يضع في أساسه هذا التعين للحرية في الحاضر الذي يتحرك في التاريخ ليكشف التجربة العينية للوجود الإنساني كتجربة للحرية تصوغ نفسها في الآن والهنا.
معتبرا الفرد الإفراز النهائي لذروة صراع حايث التاريخ الإنساني هو صراع الحرية من أجل أن تحظى بصيغة أكثر تعينا في الوجود. و من خلال هذا التعين تحين "actualise" الحرية نفسها في الزمان كخبرة للحاضر.
ومن خلال مناقشته لمضامين الكونية يعيد تعريفها باعتبارها شمول مبدأ الحرية. ليخلص أن الحرية الفردية المؤسسة لخصوصية الفرد هي التقاطع الكوني الذي يجمع الفرد بباقي الأفراد المكونين للمجتمع الإنساني، ومن ثمة فالكونية تنجز نفسها من خلال الفرد وبشكل جدلي يصبح الفرد هو التحقق المجهري للكونية، ويترتب عن ذلك ـ كما يقول الكباص ـ أن النقض العملي للكونية هو تدمير الفردية و نسف الشروط الإيطيقية و الاجتماعية والسياسية لتولدها.
ويمضي الباحث عبد الصمد الكباص في إطار نفس المبدأ إلى إعادة تعريف مفهوم التسامح الذي يحدده كحق الذات في الآخرية محددا شروط إمكانه في انبثاق نظام كوني للمسؤولية.
ويتميز الكتاب الجديد لعبد الصمد الكباص بكثافته المفهومية حيث يقترح عدة مفاهيم لتسييج الأفق الفكري الذي في إطاره يسائل القضايا المطروحة: كالندرة، ونظام الأحقية، و النظام الكوني للمسؤولية، ونظام الرغبة ونظام الحاجة، واقتصاد الكائن والإنفاق والادخار.. يخلص من خلالها إلى هذه النتيجة التي تحملها آخر فقرة من العمل والتي تقول: "إن كل ما طرحناه من بداية هذا العمل إلى نهايته ليس إلا مقدمة بسيطة للفكرة الآتية: الحداثة هي عودة الجسد إلى الإنسان ليغدو فردا، وعودة الحاضر إلى الوجود ليكون حرية".
يتضمن الكتاب ثلاثة أقسام. الأول عنوانه في بيان أن الحداثة هي الحق في الحاضر وأن الفرد أساس الكونية يتضمن الفصول الآتية: ابتكار الذات، الحق في الحاضر، من الإنسان إلى الفرد، انتماء لا هوية، أخلاق التحرر، جمالية الوجود وفن الحياة، الحب حكمة الحداثيين والخلود أثر للعابر.
أما القسم الثاني فعنوانه في بيان أن التسامح حق الذات في الآخرية والكونية شمول مبدأ الحرية. يتضمن الفصول الآتية: التسامح حق الفرد في أن يكون آخرا في جماعته، اغتراب الإنسان عن غايته، الإنسانية غاية ايطيقية للفعل الإنساني، الورطة التاريخية للمقدس، الحرب تحاكم التوحيد، نظام الأحقية، عماء المطلق، الله مفكر فيه على نحو آخر، النظام الكوني للمسؤولية، الخير والسعادة في ضوء الكونية، لاحرية سوى حرية الفرد، العالم الأكثر إنسانية، كونية الفرد.
أما القسم الثالث فعنوانه في بيان أن الحاضر هو الجسد و الندرة أساس الجمالية يتضمن الفصول الآتية: الحق في الجسد، الجسد هو الحاضر، اقتصاد الكائن: الادخار والإنفاق، نظام الحاجة ونظام الرغبة، الندرة أساس جمالية الوجود..