النساء هن من سيحمين العالم في الجائحة المقبلة

There Will Be Another Pandemic. Women Can Stop It
2021-02-07

نشرت مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية تحليلًا مشتركًا للكاتبين لويس كوام، الرئيس والمدير التنفيذي لمنظمة باث فايندر إنترناشيونال، وراشيل فوجلشتاين، مديرة برنامج المرأة والسياسة الخارجية في مجلس العلاقات الخارجية، حول الدور الذي يمكن أن تلعبه المرأة في وقف جائحة أخرى مستقبلية، وخلُص الكاتبان إلى أن المرأة تضطلع بدور حاسم في النُّظم الصحية العالمية سواء مع أسرتها داخل المنزل أو على الصعيد الوطني، وضرورة أن تتبنى الحكومات استراتيجيات شاملة قبل وقوع أزمة أخرى.

وأشار الكاتبان في مطلع تحليلهما إلى أن جائحة فيروس كورونا كشفت عورة النهج القاصر الحالي الذي تتَّبعه الولايات المتحدة وأوروبا إزاء الصحة العالمية، فقد توقَّع الخبراء منذ مدة طويلة الانتشار السريع لفيروس الجهاز التنفسي المُعدي. ولكن في حين ارتفع الإنفاق العالمي على الصحة بمعدل سنوي بلغ 3.9% في المتوسط من عام 2000 إلى عام 2017، إلا أن البلدان في مختلف أنحاء العالم لم تكن مستعدة لمواجهة جائحة فيروس كورونا، وعمليات الإغلاق العالمية، والصدمات الاقتصادية التي تلَت ذلك.

تحديات فريدة

وأوضح كاتبا المقال أن المرأة تواجه تحديات فريدة خلال الأزمات الصحية العالمية، وقد فاقم مرض كوفيد–19 أوجه عدم المساواة بين الجنسين، بما في ذلك العنف المنزلي والحصول على الرعاية الصحية الحيوية. وكذلك نالت الجائحة من المشاركة الاقتصادية للمرأة. ووفقًا لمنظمة العمل الدولية وهيئة الأمم المتحدة للمرأة، تعمل 41% من النساء في القطاعات الأكثر تضررًا من الجائحة، مثل الضيافة والعقارات والأعمال التجارية والصناعات التحويلية وتجارة التجزئة. وقد توصلت دراسة أجرتها شركة ماكنزي مؤخرًا إلى أن جائحة فيروس كورونا أثَّرت سلبًا في النساء، وخاصة ذوات البشرة الملونة، وتنظر واحدة من كل أربع نساء في تغيير مسار مهنتِها أو ترك العمل بالكامل.

ورغم نظرة صانعي السياسات للنساء باعتبارهن مخلوقات ضعيفة، إلا إنهم نادرًا ما يعدُّونَهُن عوامل تغيير أساسية للاستعداد للأزمات والاستجابة لها. لقد كان أداء النساء القليلات اللاتي مُنِحْنَ أدوارًا قيادية أثناء الجائحة أفضل في المتوسط من أداء نظرائِهن من الرجال، وآية ذلك إعادة الانتخاب المدوية لـ جاسيندا أرديرن، رئيسة وزراء نيوزيلندا، في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي على خلفية استجابتها الناجحة لجائحة كوفيد–19. ومع ذلك، لا تزال المرأة ممثلة تمثيلًا ضئيلًا إلى حد كبير في مناصب السلطة في الحكومة وفي جميع أنحاء النُّظم الصحية العالمية.

الحاجة إلى استراتيجية جديدة

ولفت الكاتبان إلى أن الاستجابة الفعَّالة للجائحة الحالية والاستعداد لأي جائحة قادمة يتطلبان استراتيجية جديدة لدعم النُّظم الصحية، بما في ذلك الاستثمار في المرأة. ومن الضروري ضمان تمثيل المرأة في النظام الصحي العالمي والقيادة السياسية. ولكسب المعركة ضد فيروس كورونا وأي مرض ممكن في المستقبل، يتعين على مجتمع الصحة العالمي والحكومات الوطنية الاستفادة القصوى من كل المواهب والخبرات في العالم، وليس نصفه فقط (الرجال).

كثيرًا ما يتغاضى المسؤولون الحكوميون والنُّظم الصحية عن الدور الحاسم الذي تضطلع به المرأة بوصفها عاملة في مجال الرعاية الصحية وأول المستجيبين للأزمات الصحية في مجتمعاتها. وتشكِّل النساء غالبية العاملين في مجال الرعاية الصحية ويقِفْن في الخطوط الأمامية على مستوى العالم؛ إذ تمثل الإناث ما نسبته 70% من العاملين في مجال الصحة المجتمعية والعاملين الاجتماعيين.

ومن خلال العمل المدفوع الأجر أو غير المدفوع الأجر على حد سواء، تُسْهِم المرأة بأكثر من 3 تريليونات دولار سنويًّا في قطاع الصحة العالمي. وتُعد تلك الإسهامات ذات أهمية كبيرة، لأسباب ليس أقلها أن العاملات الصحيات نجحن على نحو مُلفت في تغيير الممارسات المنزلية، مثل زيادة استيعاب التنظيم الأسري والتطعيم وتحسين التدابير الصحية والتصدي لانتشار المرض.

ويدعو الكاتبان للتأمل على سبيل المثال في التأثيرات المترتبة على مبادرة جيش التنمية النسائي في إثيوبيا وبرنامج المتطوعات في مجال الصحة المجتمعية في نيبال. وقد أنشأت شبكة شعبية من المتطوعات كلتا المبادرتين بهدف سد الثغرات بين النظام الصحي الرسمي والمجتمع المحلي، ونشر المعلومات الحيوية، وتحسين عمليات الإحالة إلى الرعاية الصحية.

وفي المدة من 1991 حتى 2001، حدث انخفاض بنسبة 80% في معدل الوفيات النِفَاسية في نيبال بعد إدخال برنامج المتطوعات في مجال الصحة المجتمعية. وعلى نحو مماثل، حقَّقت النساء اللائي يقُدْن جيش التنمية النسائي في إثيوبيا نجاحًا ملحوظًا، فقد انخفض معدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة في إثيوبيا بنسبة 69% بحلول عام 2013، أي قبل عامين من الموعد النهائي الذي حددته الأهداف الإنمائية للألفية.

وعلى الرغم من الحضور الطاغي للمرأة في الخطوط الأمامية لفرق الاستجابة الصحية العالمية، فإن الحكومات الوطنية التي تعتمد على إسهاماتِهن في ضمان سير عمل نُظمها الصحية ما زالت تبخس المرأة حقَّها؛ فمن أصل 3 تريليونات دولار تُسْهِم بها العاملات في مجال الرعاية الصحية في الاقتصاد العالمي سنويًّا، هناك نسبة تُقدَّر بنحو 50% في شكل عمالة غير مدفوعة الأجر. ويتعيَّن على المسؤولين الحكوميين أن يفعلوا ما هو أكثر من الإشادة بالنساء في الخطوط الأمامية، كذلك ينبغي على الحكومات أن تكفل لهن ظروف عمل مُنْصِفة، بما في ذلك التعويض العادل.

دور النساء الحاسم

ويتابع كاتبا المقال قائلَيْن: تضطلع المرأة أيضًا بأدوار حاسمة في صحة أسرتها، التي هي نقطة الصفر في تحديد الأمراض والقضاء عليها. وأثناء أي جائحة، عادةً ما تبلَّغ ربة المنزل -الأم أو العمَّة أو الجدة– عن أول علامة للمرض وهي التي تقوم بدور صانع القرار الرئيس فيما يتعلق بالعلاج والعزلة والإبلاغ. وينبغي أن تقوم استراتيجيات الاستعداد للجائحة بتمويل أدوات رقمية وتطويرها وتوزيعها للحصول على هذه البيانات؛ فالنُّظم التي تستقي المعلومات من الأسر، بدلًا من انتظار إبلاغ الأفراد عن مرضهم أو عرض أنفسهم للعلاج، يمكن أن تساعد النُّظم الصحية العالمية في مراقبة انتقال المرض.

كذلك يمكن أن تُسْهِم التدريبات والأدوات الرقمية، التي توفرها النُّظم الصحية الوطنية المصممة لتلائم أدوار النساء بوصفهن عاملات في الخطوط الأمامية وربَّات بيوت، في استخدام المرافق الطبية على نحو أكثر استهدافًا، الأمر الذي يحول دون إثقال كاهل تلك المرافق. كما أن تلك الأدوات ستُحسِّن آلية الإبلاغ عن الأمراض في الوقت المناسب إلى سلطات الرعاية الصحية، وهو ما سيعزز بدوره من الكشف المبكر عن الأمراض ومكافحتها والوقاية منها.

ويرى الكاتبان أن النُّظم القائمة على الذكاء الاصطناعي التي تراعي الفوارق بين الجنسين يمكن أن تحسِّن النظم الصحية أيضًا. على سبيل المثال، يمكن أن تستند هذه النُّظم إلى المشورة الطبية في الاستجابات التي تعكس بوضوح دور المرأة بوصفها مقدمة للرعاية الصحية داخل أسرتها. وسوف تُفيد مثل هذه الإصلاحات النساء وأسرهن. وكذلك فإن تمكين المرأة من توفير الرعاية لأفراد الأسرة الأكبر استنادًا إلى أدلة طبية أفضل من شأنه أن يزيد من جودة الرعاية والنتائج الصحية، فضلًا عن انخفاض التكاليف، ويزود النساء بمهارات جديدة يسهل تسويقها.

وعلاوةً على ذلك، تمثل المرأة مجموعة ضخمة غير مستغلة من القادة في جميع أنحاء العالم. وبالإضافة إلى التمثيل الناقص في القيادة السياسية، يشكِّل التفاوت بين الجنسين مشكلة مستمرة في مختلف منظمات الصحة العالمية: في وزارات الصحة، والوفود إلى الهيئات العالمية، والمؤسسات المانحة. وتبين الأبحاث أن التنوع الجنساني يرتبط بالحكم الرشيد، وتقليل الفساد، وزيادة الدعم لإصلاحات الصحة العامة. كذلك ترتبط مشاركة المرأة في الحكم بزيادة احتمال إيجاد أرضية مشتركة عبر الانقسامات السياسية، وهي ميزة في عصر أصبح فيه حتى ارتداء اللثام (للرجال)/القناع (للنساء) مثيرًا للجدل.

نجاحات نسائية

وألمح الكاتبان إلى أنه في خضم ذروة الموجة الأولى من الجائحة، في مايو (أيار) 2020، سجَّلت معدلات الوفيات في البلدان التي تشْغَل النساء فيها مناصب قيادية نِسبًا أقل بستة أضعاف من البلدان التي يقودها الرجال. وكذلك فقد اتخذت البلدان التي تقودها نساء إجراءات إغلاق في وقت مبكر، وكانت معدلات اختبارات الإصابة بالفيروس أعلى لديها، وكانت حالات الإصابة بكوفيد- 19 أقل من الدول النظيرة التي يقودها الرجال.

ورجَّح كاتبا المقال أن تتصدى القيادات النسائية للشواغل المتصلة بالمساواة بين الجنسين، وهو منظور بالغ الأهمية للتعافي، بالنظر إلى التأثير غير المتناسب للجائحة في المرأة. ولكن هذا أمر نادر للغاية؛ فقد توصلت دراسة أجرتها مؤسسة كير مؤخرًا إلى أن غالبية الدول الثلاثين التي خضعت للفحص والدراسة لم يكن لديها استجابة شاملة للجنسين فيما يتعلق بكوفيد-19. وعدم تنفيذ الحكومة لردود الفعل المُنصِفة بين الجنسين يترك مسائل مثل العنف القائم على نوع الجنس وتقليل فرص الحصول على خدمات الصحة الجنسية والإنجابية دون معالجة إلى حد كبير، رغم آثارها على رفاهية المجتمعات.

ويختم الكاتبان مقالهما بالقول إن جائحة كوفيد-19 لن تكون الأخيرة التي تضرب العالم. وفي حين يسعى العالم سعيًا حثيثًا إلى التعافي من الأزمة الصحية الحالية ويحاول جاهدًا الاستعداد للأزمة القادمة، يتعين على المجتمع الصحي العالمي أن يستفيد من مواهب المرأة واستراتيجياتها، سواء من خلال دورها على مستوى الأسرة أو دورها على الصعيد الوطني، ذلك أن الاستثمار في المشاركة الكاملة للمرأة في جهود الاستجابة الصحية العالمية وقيادتها لها يُبشر بمستقبل أكثر إشراقًا وصحةًّ وأمانًا للجميع.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي