قبل الانسحاب الكامل من أفغانستان.. هذا ما يجب على بايدن فعله

To Leave Afghanistan, Biden Must Solve His Ghani Problem
2021-02-05

بالنظر إلى الأزمات التي يُواجهها الرئيس الأمريكي الجديد، جو بايدن، في داخل الولايات المتحدة وخارجها، يبدو أن أفغانستان ليست على رأس قائمة أولوياته. لكن الموعد النهائي لانسحاب جميع القوات الأمريكية الذي يلوح في الأفق، وهو جزء من اتفاق أُبرِم في العام الماضي بين حركة طالبان وإدارة ترامب، سيُشكِّل دافعًا لاتخاذ القرار الذي قد يُوضِّح نهج رئاسة بايدن للولايات المتحدة، والطريقة التي سيلجأ إليها للتخلص من إرث 20 عامًا من الحرب الأمريكية في أفغانستان.

بايدن والانسحاب الكامل من أفغانستان

حول هذا الموضوع، نشرت مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية تقريرًا للكاتبة إليز لابوت، وهي صحفية تُغطي شؤون السياسة الخارجية للولايات المتحدة، تقول في مقدمته إنه في ظل ما تعهَّد به بايدن، خلال حملته الانتخابية، بإنهاء «الحروب الأبدية»، فإن السؤال الذي يُباغتنا، بعد توليه رئاسة أمريكا، لن يكون بشأن تنفيذ بايدن الانسحاب الكامل للقوات الأمريكية من أفغانستان.

لكن السؤال يتعلق بالكيفية التي تُمكِّن بايدن من تنفيذ الانسحاب بطريقة تُحافظ على بعض المكتسبات التي أُحرِزت في أفغانستان، وتضمن في الوقت نفسه ألا تذهب عقود من التضحيات الأمريكية هباءً منثورًا.

وتُوضح الكاتبة أن المشكلة التي تُواجه الإدارة الأمريكية الجديدة تتمثل في أن واشنطن عالقة بين جِهتين لا تحظيان بشعبية على أرض الواقع. إذ أصبحت طالبان، التي عاشت في العام الماضي حالة من الغليان والهياج، موضع احتقار وكُرْه على الصعيد الوطني، في ظل تدني قبولها على المستوى الشعبي حتى وصلت نسبة شعبيتها إلى أقل من 10%.

وفي المقابل، لا تحظى حكومة الرئيس الأفغاني أشرف غني بأي شعبية على الإطلاق. ويتفق معظم المسؤولين الأفغانيين والأمريكيين على أن قدرة طالبان على مواصلة التمرد تعود إلى حد كبير إلى سوء إدارة غني للبلاد، والذي لا يُولِي أي اهتمام لأي اتفاق قد يُفضي إلى رحيله عن السلطة.

وقد تتمثل أكبر عقبة تُواجه فريق بايدن في المدى القريب في تحمُّلِهِ لإرث اتفاق الدوحة، وهو اتفاق السلام الذي أُبرم في عام 2020 بضغط من الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وتفاوض عليه -آنذاك وما زال- زلماي خليل زاد، المبعوث الأمريكي إلى أفغانستان.

وصحيحٌ أن هذه الجهود، التي بُذلت لإنهاء وجود أمريكا على مدى عقدين من الزمان في أفغانستان، كانت حسنة النية لكنها كانت معيبة إلى أقصى حد، إذ لم يتمكن خليل زاد، بسبب ضغوط ترامب لسحب القوات الأمريكية من أفغانستان سريعًا، من توفير أي ضمانة للحفاظ على حقوق الإنسان وتعزيز الديمقراطية وحماية حقوق المرأة.

اتفاق السلام.. نبرة مُشكِّكة من إدارة بايدن

وتُشير الكاتبة إلى أن الاتفاق، الذي أُبرم في الدوحة، لا يتضمن أي بند لوقف إطلاق النار أو حتى تعهُّد واضح من حركة طالبان بإنهاء العنف. إذ ترى حركة طالبان أنها ما زالت تعيش في حالة حرب في أفغانستان، لذا لم تتعهد سوى بالتفاوض على وقف إطلاق النار وإنهاء العنف على اعتبار أنهما جزء من اتفاق السلام بين الأفغانيين في الداخل.

وبينما ينظر الشعب الأفغاني إلى هذا الاتفاق غير المتوازن على أنه نوع من أنواع الخداع والتضليل، أقنع الاتفاق حركة طالبان فعلًا بأن الولايات المتحدة تندفع نحو الخروج من المستنقع الأفغاني. كما منح هذا الانتصار المُتصوَّر على الاحتلال الأمريكي حركة طالبان الثقة للوقوف بحزم وثبات في مفاوضاتهم مع الجماعات الأفغانية الأخرى.

وتابعت الكاتبة قائلة: عندما يتحدث فريق الأمن القومي التابع لإدارة بايدن بوضوح عن اتفاق السلام مع طالبان بنبرة مُتشكِّكة، فلن نجد أحدًا تغمره السعادة أكثر من الرئيس الأفغاني أشرف غني. وقد أخبر جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأمريكي الجديد، نظيره الأفغاني في إحدى مكالماته الهاتفية الأولى بعد توليه منصبه، أن الإدارة الأمريكية «ستُلقي نظرة فاحصة» بشأن ما إذا كانت طالبان تفي بالتزاماتها المنصوص عليها في الاتفاقية.

وكانت طالبان قد توقفت عن مهاجمة القوات الأمريكية (إلى حد كبير). لكن المفتش العام لوزارة الدفاع لشؤون أفغانستان أشار هذا الأسبوع إلى استمرار نوع من أنواع العنف الذي يُنفِّذه المتمردون والمتطرفون، من بينها تنفيذ سلسلة من الاغتيالات ضد مسؤولين أفغان بارزين، بالإضافة إلى أن طالبان لم تقطع علاقاتها – كما وعدت – مع تنظيم القاعدة بعد.

رسالة مقتضبة واضحة

وترى الكاتبة أنه من أجل دفع طالبان نحو الالتزام بتنفيذ التزاماتها المنصوص عليها في اتفاق السلام، يجب على خليل زاد أن يبعث إلى الحركة الأفغانية رسالة واضحة – سواء على طاولة المفاوضات أو في ميدان المعركة – مفادها أن القوات الأمريكية لن ترحل حتى ينفذ المتمردون مضمون هذه الرسالة ويلتزِموا بما فيها. ويُمكن أن يكون مضمون الرسالة بسيط: إن أسرع طريقة لإخراج القوات الأمريكية نهائيًّا من أفغانستان هي الالتزام ببنود اتفاق السلام.

بيد أنه لا ينبغي توجيه هذه الرسالة إلى حركة طالبان وحدها. بل يجب على واشنطن كذلك تحذير الرئيس الأفغاني غني، الذي يخشى أن يُؤدي أي اتفاق بين الأفغانيين إلى إنهاء رئاسته للبلاد، من أن الولايات المتحدة لن تتسامح مع أي شكل من أشكال تعطيل اتفاق السلام. ومع ذلك، تتجاوز خطايا غني بالفعل جهوده لوضع عوائق في طريق اتفاق السلام.

وفي الملف الشخصي للرئيس الأفغاني لعام 2016، وصف جورج باكر، وهو مؤرخ لشؤون أفغانستان، غني بأنه «رجل تكنوقراطي صاحب رؤية» وهو الذي شارك بالفعل في تأليف كتاب «إصلاح الدول الفاشلة» ولكن نخبويته وافتقاره إلى المهارات والبصيرة السياسية حالا فيما مضى دون إحكامِه السيطرة على مقاليد الحكم على النحو الصحيح.

وتستطرد الكاتبة قائلة: لقد أحاط أشرف غني نفسه، بعدما أبعد كل مؤيديه وجمهوره – البرلمان وأمراء الحرب والمؤسسة السياسية من غير قبائل البشتون في البلاد -، بحفنة قليلة من المستشارين المقربين، ومنهم مستشار الأمن القومي حمد الله محب ونائب الأول لرئيس البلاد عمر الله صالح. وعمل هذان الشخصان على عزل غني عن أي أعمال عنف تنتشر في البلاد لكي يتجنبوا انفعالاته ومزاجه سيئ السمعة.

ويبدو أن اعتماد غني على قادة المجتمع المختارين بعناية، والذين يقدمون صورة وردية للسياسات القروية – بحسب الكاتبة – يضمن أن يظل الرئيس الأفغاني غير مُدرِك لأي شيء يجري في أفغانستان خارج بوابات قصره. وما زال الفساد داخل السلطة التنفيذية يتصاعد كما كان في السابق، في ظل استفادة القصر الرئاسي من عقود الصفقات العسكرية واسعة المدى.

وبالإضافة إلى أن تدخل غني وحاشيته الداخلية باستمرار في تعيينات أفراد الأمن – مثل استبدال القيادات الموالية غير الجديرين والذين لا يمتلكون سوى القليل من الخبرة العسكرية بالقيادات الشابة الذكية المدربة في الولايات المتحدة – قوَّض الثقة بين الشعب الأفغاني وقوات الأمن.

إذًا ما الذي يمكن أن تفعله الولايات المتحدة؟

ولفتت الكاتبة إلى أن الجيش الأفغاني، وهو مؤسسة تحظى باحترام الشعب الأفغاني وخاصة القوات الخاصة التي درَّبتها الولايات المتحدة، فعال في دحر طالبان ومعظم الجماعات الإرهابية الأخرى. لذا ينبغي على واشنطن، بالإضافة إلى إعادة تأكيدها على الالتزام بتوفير التمويل اللازم وتقديم الدعم اللوجستي، أن تسعى وراء حماية أفراد قوات الأمن الأفغانية من الفساد واستغلال السلطة السياسية.

وبهذا، ربما تستفيد الولايات المتحدة من نفوذٍ داخل البلاد أكبر بقليل ذلك النفوذ الذي تستفيد منه بدفعها 4 مليارات دولار سنويًّا في صورة مساعدة أمنية سنوية.

ويعتقد القادة العسكريون الأمريكيون المتقاعدون، مثل جوزيف دانفورد، الرئيس السابق لهيئة الأركان الأمريكية المشتركة، أن الولايات المتحدة يجب أن تبقى في أفغانستان، على أقل تقدير من خلال إبقاء بعض القوات حتى يتوصل الأفغانيون إلى تسوية سياسية.

أو كما يرى آخرون أن تظل القوة الأمريكية لمدة أطول، وبذلك يتفق معظم الخبراء العسكريين على الحاجة إلى عدد قليل من قوات مكافحة الإرهاب الأمريكية لمواصلة الضغط الأقصى على طالبان وغيرها من الجماعات المسلحة في أفغانستان ومن أجل التحقق من الدول المجاورة مثل باكستان وإيران، نظرًا لما تمثله أفغانستان للولايات المتحدة من مركزية استراتيجية طويلة المدى.

وتبدو فكرة دانفورد منطقية من الناحية النظرية، لكنها على الأرجح ستُثنِي الطرفين عن إبرام أي اتفاق. إذ ما زالت طالبان، مدعومة بما حققته من انتصارات في الدوحة وما اكتسبته من زخم في ميدان القتال، واثقة من أنها بمقدورها انتظار انسحاب واشنطن وليس لديها الكثير الذي يدفعها إلى تقديم تنازلات. وسيواصل الرئيس الأفغاني أشرف غني،

الذي يرى أن اتفاق السلام يمثل تهديدًا وجوديًّا لحكمه، في وضع المعوِّقات، وهذا هو أحد أسباب تصاعد المطالبات التي تدعو إلى التخلي عن السلطة لحكومة مؤقتة أو حكومة تتقاسم السلطة يمكنها التفاوض على اتفاق سلام حتى تضع البلاد دستورًا جديدًا.

أفغانستان في المستقبل شيء آخر

ونوَّهت الكاتبة إلى أنه حتى في ظل محاولة فريق بايدن طمأنة أشرف غني بأن الولايات المتحدة ستعود من جديد باعتبارها شريكًا موثوقًا به، ينبغي على هذا الفريق إقناعه بتوسيع ائتلافه الحاكم. ولا ينبغي أن تكون واشنطن مضطرة للبقاء في أفغانستان لدعم حكومته الضعيفة.

وإذا وقف أشرف غني حجر عثرة في سبيل تحقيق ذلك، يمكن للولايات المتحدة أن تدرس حلًا آخر من نوع مؤتمر بون الدولي حول أفغانستان (حضر المؤتمر في مدينة بون الألمانية ممثلون من 85 دولة و16 منظمة دولية وترأسه الرئيس الأفغاني حامد كرازاي، وتعهد المؤتمر بالاستمرار في تقديم الدعم لأفغانستان) حيث تتفق المؤسسة السياسية الأفغانية وطالبان على تشكيل هيكل لإدارة مستقبل البلاد والتوافق على قيادة جديدة مقبولة من جميع الأطراف.

واختتمت الكاتبة تقريرها بالقول إن حاجة أفغانستان المستمرة لمليارات الدولارات من المعونة الأمريكية والتدريب العسكري وغيرها من المساعدات ستمنح إدارة بايدن نفوذًا مستمرًا، ومن الممكن الاستفادة من ذلك، على الأقل، لمحاولة الحفاظ على عدد محدود من القوات الأمريكية وضمان حماية المعايير الأساسية لحقوق الإنسان في دستور البلاد مستقبلًا.

ومع تولي طالبان مزيدًا من المهام والمسؤوليات في الحكومة، فمن الواضح أن يكون للحركة رأي في الطريقة التي ستُدار بها البلاد، بما في ذلك دور الدين، وهم يتطلعون فعلًا إلى العودة إلى التفسير المتشدد للدين الإسلامي الذي فرضوه على البلاد قبل ربع قرن. لكن ينبغي على إدارة بايدن، في ظل أي حكومة أفغانية ستعمل معها، أن تضمن قبول طالبان ألا تعود أفغانستان في المستقبل إلى الوضع الذي كانت عليه في تسعينيات القرن الماضي ولا يمكن أن تعود إليه.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي