"ريا" فيلم خيال علمي يفضح هشاشة المجتمعات الاستهلاكية

2021-02-02

طاهر علوان*


يستعرض فيلم الخيال العلمي “ريا” للمخرج ريتشارد كولتون عبر يوميات بسيطة تجمع امرأة روبوتا مع بشريّ وتُعرض على الهواء مباشرة ضمن برامج تلفزيون الواقع، هشاشة الأنظمة السياسة وسطحية المجتمعات الاستهلاكية التي تستمتع بالتلصّص على الحياة الشخصية للأفراد بحماسة مفرطة لا شيء يبرّرها سوى التلذّذ بأوجاع الآخرين.

تشكّل مشاهد البداية في الأفلام عموما ركنا أساسيا ومهما للمضي في الدراما الفيلمية بفصولها المتعدّدة والتعريف ببعض الشخصيات وربما الزمان والمكان أيضا، وعندما يشعر المشاهد بالالتباس عندما يتم القطع معها للانتقال إلى مشاهد لاحقة لا علاقة عضوية لها بالمشهد أو المشاهد الاستهلالية يقع بعض الارتباك والتشويش، ما يدفع بالمُتابع إلى المضي في تفكيك ما سيلي من أحداث لربطها مع ذلك الاستهلال المنقطع.

وجدت هذه المقدمة ضرورية من أجل القراءة النقدية والجمالية لفيلم “ريا” الذي أسرف في تقديم مشاهد البداية المشوّشة، والتي هي في الحقيقة ترتبط بشكل وثيق مع نهاية الفيلم.

من المستغرب أن يقودنا كاتب السيناريو ومخرج العمل ريتشارد كولتون وهو يقدّم لنا فيلمه الروائي الرابع بعد مسيرة طويلة وحافلة في مجال المونتاج، حيث عمل في العديد من الأفلام والمسلسلات التلفزيونية، إلى هذا الإرباك في مشاهد الاستهلال بعد هذه الخبرة المونتاجية الطويلة.

وها نحن في زمن مستقبلي، ربما في العام 2040، الذي سيحمل إلينا بكل تأكيد قوة عنيدة وحضورا فاعلا للذكاء الاصطناعي في جميع مناحي الحياة، كما سوف يقدّم من الجهة الأخرى نمطا اجتماعيا هزيلا وسطحيا كرّسه هذا الفيلم من خلال اهتمامات الرأي العام.

الفيلم يمزج السياسة بأطماع الشركات التي تستثمر في يوميات الناس عبر التلصّص على حياتهم
الفيلم يمزج السياسة بأطماع الشركات التي تستثمر في يوميات الناس عبر التلصّص على حياتهم
فعلى فرضية أن البشر قد سئموا العلاقات الاجتماعية الطبيعية فإنهم يذهبون إلى معايشة الكائنات المصنّعة، والتي يقودها الذكاء الاصطناعي ومنه النموذج المبتكر وشديد الذكاء “ريا” أو ما يرمز إليها بـ”R.I.A” (الممثلة جيس إمبيازي)، والتي تعيش يومياتها مع رجل منذ الصباح حتى المساء، وتقدّم له جميع الخدمات فهي تعاشره كزوجة كما تعمل تحت يديه كخادمة، وخلال ذلك يشاهد الجمهور العريض من خلال العديد من الكاميرات وبالبث المباشر تلك اليوميات.

حياة بسيطة تتحوّل إلى كارثة

هذه العملية تضطلع بها شركة متخصّصة في التأثير على الرأي العام وتجني من وراء ذلك أمولا طائلة، ولكي تلهب حماس ذلك الجمهور يتم تغيير الشخص الذي يعيش مع ريا في كل مرة وتظهر الطباع المختلفة لتلك الشخصيات، لكن ما لم يكن في الحسبان هو أن يدخل ابن نائب الرئيس الأميركي في تلك الدائرة ويعيش تلك اليوميات من أجل كسب المال، ولكن تحت اسم مستعار.

لا شك هنا في امتزاج أهواء الرأي العام بالسياسة بالذكاء الاصطناعي وبأطماع الشركات التي تستثمر في يوميات الناس والتلصّص على حياتهم الشخصية، كل ذلك في خليط فوضوي يظهر مرة أخرى هشاشة النظام السياسي في وجه طغيان السطحية المفرطة من قبل الجمهور المتحمّس.

هذه الحماسة سوف تأخذنا إلى ما هو غير متوقع، فالشركة تكشف عن شخصية ابن المسؤول الأميركي ما يضعه في مأزق يمسّ منصبه، والأهم أن الذكاء الاصطناعي الذي يحرّك ريا سوف ينقلب ويتجه باتجاه آخر خارج السيطرة.

وكما ذكرنا في بداية المقال عن التشويش والبعثرة في مشاهد الاستهلال، كان هناك أيضا مشهد اصطدام ينتهي بموت سائق سيارة في وسط الظلام مع أنه يستنجد بشخص لا نعرفه، لكننا سوف نكتشف أنه ابن نائب الرئيس شخصيا الذي ما لبث أن هرب وسط استغاثات المصاب وهو يلفظ أنفاسه.

تفترض تلك المرأة الروبوتية ريا أن القتيل ليس إلّا ابنها، ولهذا تقرّر الانتقام من ابن الرئيس بتكتيفه أولا ثم ترويعه وصولا إلى طعنه طعنات قاتلة بسكين.

وخلال ذلك بالطبع، هناك جمهور عريض يراقب ما آلت إليه أمور ريا مع عشيرها الجديد من جهة، ومن جهة أخرى هناك نائب الرئيس الذي يريد إنقاذ ابنه بأي ثمن من ذلك المصير الكارثي.

الجمهور العريض يمضي في التصويت وهو منقسم بين فريقين، أحدهما يطالب ريا بقتل الشاب والثاني يطالبها بعدم القيام بذلك.

ومن هذه الخطوط الدرامية أراد المخرج التغلغل في بنية اجتماعية مختلفة هي جزء من العالم الرقمي الافتراضي، وكذلك المضي في يوميات التهافت السطحي المفبرك، لتبدو مهارته جلية بعد حوالي منتصف زمن الفيلم، من خلال قدرته على إنقاذ الأحداث ودفع المشاهد فعليا إلى عمق تلك الدوامة التي أغرق فيها البشر وهم يحاولون رسم خطوط ما بين ما هو ذكاء اصطناعي وما هو بشري.

فمشهد العجز البشري الصادم أماما إرادة الروبوت وعدم استجابة ريا لمبرمجيها قدّم لنا صراعا لم يكن متوقعا بين القوتين، لاسيما وأن الفيلم أُشبع بشخصية جاك الذي سوف يعاشر ريا في نسخ متعدّدة ابتداءً من جاك الذي حمل الرقم واحد إلى جاك 26، وحتى هذه الإحالة إلى الاسم تقدّم إحساسا عبثيا، فالكائنات البشرية متكرّرة وكأنها مستنسخة ولا تحمل سوى أرقام تميّز بعضها عن البعض الآخر.

ليس هناك الكثير ممّا يقال حول البناء المكاني والتصوير، فالفيلم قليل التكلفة الإنتاجية، وبالتالي محدود الأماكن، مع ملاحظة تلك الألوان الجريئة الفاقعة التي عمد إليها المخرج كاللون الوردي للبيوت التي تجري فيها تلك المباريات حتى بدت أقرب إلى بيوت كارتونية مصطنعة، والحاصل أننا أمام واقع شديد السطحية سواء على صعيد الشخصيات أو على صعيد المكان.


*كاتب عراقي مقيم في لندن







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي