نيويورك تايمز: رحل ترامب وخلف بلدا منهكا.. أعداء يتنفسون الصعداء وأنصار تعبوا من الدفاع عنه

2021-01-20

إبراهيم درويش


لن نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا للصحافيين كامبل روبرستون وإليزابيث دياس وميريام جوردان قالوا فيه: “لمدة 4 سنوات، لم يتمكن ديفيد بيتراس من الهروب من دونالد جيه ترامب. زار الرئيس يونغستاون في أوهايو، مركز المقاطعة التي يعيش فيها بيتراس. وكذلك أبناء الرئيس. والأشخاص الذين عرفهم بيتراس لسنوات أصبحوا مستعبدين لترامب. لم يكن هناك مهرب منه على فيسبوك أو إنستغرام أو في الحانة المحلية”.

وقال بيتراس، الرئيس السابق للحزب الديمقراطي في مقاطعة ماهونينغ: “هل كان هناك يوم في السنوات الأربع الماضية لم يكن فيه ترامب في مكان ما في فلكك؟ .. كل يوم، لم أستطع إخراجه. كان في كل مكان..”.

وبالنسبة لبيتراس وكثيرين غيره، كانت هذه هي الحياة في عهد ترامب: 4 سنوات من الاستيقاظ كل صباح لاكتشاف جديد، أو تغريدة متهورة، أو احتجاج جماهيري، أو نجم جديد غريب من هامش السياسية، أو مساءلة للرئيس أو اثنتين، شيء آخر يتجادل في الناس ويفقد الصديق صديقه.

وتضيف الصحيفة أنه لا يوجد ما يشير إلى موعد انتهاء حقبة ترامب، ولكن كمسألة تقنية بحتة، لن يكون ترامب رئيسا بعد ظهر الأربعاء. سوف يترك رحيله دولة منقسمة ومتحمسة وخائفة ومتطرفة – ومرهقة.

وعلق بيتراس عن دورات الأخبار المستمرة في السنوات الأربع الماضية: “كان الأمر أشبه ببوق سيارة منبعث.. أنت تتناول العشاء.. في البداية، لا يزعجك بوق السيارة. لكن بعد حوالي ساعة، تنظر حولك وتتساءل: ‘ألا يوقف أحدهم بوق السيارة؟'”.

وتقول الصحيفة إن الصراعات السياسية التي كانت تغلي على نار هادئة في يوم من الأيام ظلت في حالة غليان دائم.

وشاركت نسبة أكبر من الناخبين في الاقتراع في عام 2020 من أي انتخابات لأكثر من قرن، بعد صيف شهد ما قد يكون أكبر حركة احتجاجية في تاريخ البلاد حيث تجمع المتظاهرون المناهضون للعنصرية في ساحات المدن التي شهدت قبل ذلك بأسابيع احتجاجات ضد عمليات الإغلاق المتعلقة بفيروس كورونا.

وتعلم الجمهور مصطلحات غامضة مثل “المكافآت” ورسموها على لافتات الاحتجاج. قاتل القوميون البيض ناشطي أنتيفا (المناهضين للفاشية) في شوارع المدن الأمريكية. أصبحت المدارس الثانوية بؤرا للانقسام السياسي والعداء الداخلي، وانفصلت العائلات بسبب نظريات المؤامرة الغريبة، وانقسمت تجمعات الكنائس الصغيرة، وأعلن مشاهير غير سياسيين علنا ولاءاتهم. ثم في كانون الثاني/ يناير، اقتحم مثيرو الشغب المؤيدون لترامب مبنى الكابيتول الأمريكي.

وحتى بالنسبة للعديد من مؤيدي ترامب، كان الأمر مرهقا. يقول البعض، الذين لا يزالون مخلصين تماما، إنهم يشعرون بالهزيمة بشكل أساسي بعد سنوات من المعركة السياسية.

وقالت غويندولين ميلنر، 68 عاما، من فايتفيل بولاية جورجيا: “كانت 4 سنوات غير سارة نوعا ما، لأننا شعرنا أنه يتعين علينا الدفاع عنه ولكن لم يتوقف أحد عن الاستماع”. وقالت إنه من المهم أن تظل متفاعلة، رغم أنها تشعر بالفعل بالسخرية والهزيمة.

وقال آخرون إنهم مرهقون من محاولة الدفاع عن سياسات ترامب أمام الأصدقاء والعائلات فقط ليفشلوا، حتما، من خلال بعض التغريدات الرئاسية حول شراء محتمل لغرينلاند أو تهجم لاذع على توربينات الرياح.

وقال راي أببلانالب، 61 عاما، من غرب بنسلفانيا، الذي فشل في إقناع شقيقه بمزايا الرئيس: “لا يمكنك أبدا تجاوز ذلك لأنه – ترامب – استمر في فعل ذلك”.

وبالنسبة للآخرين، حتى بعض الذين كانوا أنصار الرئيس لفترة طويلة، فإن التآمر المحموم منذ انتخابات تشرين الثاني/ نوفمبر قد أصبح أخيرا أكثر مما يمكن احتماله.
وقال كارلوس أورتيز، راعي كنيسة إنجيلية في ميامي، و صوت للرئيس مرتين: “لا أطيق الانتظار حتى ينتهي هذا الأمر غدا، لأكون صادقا معك تماما”. وقال إنه لم يندم على تصويته، مرحبا بكل ما فعله الرئيس من أجل أنصاره الإنجيليين. لكن بعد الشهرين الماضيين، وخاصة بعد الهجوم على مبنى الكابيتول، انتهى الأمر. قال أورتيز: “كل يوم كان شيئا جديدا تماما: لقد سرقوا الانتخابات، كذا وكذا.. وتتراكم الأمور الواحد فوق الآخر. لم نعد قادرين على التعامل مع هذا”.

أما بالنسبة لأولئك الذين كانوا يحتجون في الشوارع، لم يكن الصراع الدؤوب على مدى السنوات الأربع الماضية سلبيا على الإطلاق، بل كان بمثابة عودة ملحة طال انتظارها. يقولون إن هناك أملا في الموجة الجديدة من النشاط، من مظاهرات حركة حياة السود مهمة الضخمة إلى سلسلة من الإضرابات عن العمل التي شارك فيها عدد أكبر من الناس أكثر من أي وقت مضى منذ عقود. لقد كشف عهد ترامب عن مشاكل عميقة في تاريخ البلاد، كما قال البعض، ولم يكن هناك عودة إلى الراحة الزائفة والوضع الراهن.

وقال أيو أكينمولادون، 29 عاما، الذي قاد الاحتجاجات المناهضة للعنصرية في ممفيس خلال الصيف: “إنه أمر مرهق، وربما يكون مؤلما جدا، أقول إن الشعور الذي شعرت به أو تشعر به هو ما شعر به الرجال السود واضطروا أن يعيشوه كل يوم .. كان هذا واقعنا”.

لقد اختلف واقع السنوات الـ4 الماضية بشكل كبير حتى بالنسبة لأولئك الذين يقفون، سياسيا، في نفس الجانب. إن الإرهاق الذي يشعر به البعض الآن من الغضب الذي تغذيه الأخبار أو القلق العام يختلف اختلافا كبيرا عن سأم أولئك الذين تأثروا بشكل مباشر بسياسات الإدارة.

وعندما تم تنصيب ترامب، كانت سارفين حقيقي، 41 عاما، إيرانية تزوجت من رجل أمريكي وانتقلت إلى شيكاغو في عام 2013، تزور والديها في أستراليا. بعد توليه منصبه مباشرة، أصدر ترامب أمرا يمنع الإيرانيين وغيرهم من دخول أمريكا، وهو حظر في شكله الأول ينطبق حتى على المقيمين الدائمين مثل حقيقي. استطاعت العودة إلى زوجها في أمريكا بعد وقت ليس بطويل، لكنها لا تزال تبكي عندما تتحدث عن التجربة. لم يتمكن والديها من زيارتها على الإطلاق.

وقالت حقيقي، التي أصبحت مواطنة في عام 2018: “أشعر بالحزن الشديد لمدى الانقسام في هذا البلد الآن، وكيف أصبحت العنصرية جزءا من واقع هذا البلد. حتى مع مغادرة ترامب هذا المنصب، لن تختفي”.

وتعلق الصحيفة أن الكثيرين يرفضون فكرة أن المشاكل الرئيسية للبلاد تبدأ وتنتهي مع ترامب ويعتقدون أنها جوفاء. ويقولون إن الاضطرابات التي حدثت في السنوات الأربع الماضية ليس فقط بسبب ترامب، ولكن كجزء من مجموعة من القوى التي أطلقها عهد ترامب.

ويوافق كريستوفر كيرشو، 41 عاما ، مدير في شركة توزيع أغذية في نيوجيرسي، في مكان ما في الوسط السياسي، على بعض الأشياء التي قام بها الرئيس ويرفض أخرى بشدة. لكنه قال إن على الجميع أن يختار جانبا، ويبدو أن أي القضايا ذاتها أصبحت أقل أهمية من تأييد الرئيس لها من عدمه.

وقال كيرشو إن ترامب يتحمل الكثير من اللوم على ذلك نظرا لخطابه الاستفزازي غير الضروري، لكنه شوه كل نقاش سياسي، حتى حول القضايا الثانوية. وقال إن إدارة بايدن-هاريس يمكنها أن توحد البلاد الآن بشكل أفضل من خلال الفشل في إنجاز الكثير.

وأضاف كيرشو: “إذا كان بإمكان مجلسي النواب والشيوخ العودة إلى عدم القيام بأي شيء كما يفعلون عادة، فربما يكون لدينا بضع دقائق لإعادة استجماع أنفسنا.. امنحوا الجميع فرصة للعودة إلى زواياهم وأخذ نفس”.

لكن من غير الواضح كيف يمكن أن يبدو ذلك بعد الآن. فالمجموعات متداخلة ويسود انعدام الثقة المتبادل.
وبالنسبة للعديد من الناس، غيرت سنوات ترامب حياتهم بشكل دائم من خلال جرهم إلى السياسة بشكل أعمق.

ومع اقتراب انتخابات عام 2016، كانت ديبورا بوغمان تعيش في ريف جنوب ولاية بنسلفانيا، راضية عن حياتها بعد التقاعد من حياتها المهنية كمدرسة للصف الثامن. تركتها الانتخابات في حالة من الذهول، وهو حدث تتذكره على أنه ليلة من الليالي عندما “حدث شيء رهيب للغاية”. فاز ترامب بمقاطعتها بأكثر من 67%. وهو ما لم تره قادما.

فكرت في الأمر وتعاطفت وذهبت إلى مسيرة نسائية وبدأت في حضور مجموعة تم تشكيلها حديثا من الديمقراطيين في مقاطعتها، واكتشفت أن هناك ناخبين متشابهين في التفكير أكثر مما تخيلت. في غضون عام، كانت ترشح نفسها للهيئة التشريعية للولاية، واسمها بأحرف ضخمة على اللوحات الإعلانية في جميع أنحاء المقاطعة. جمعت عشرات الآلاف الدولارات وكما توقعت خسرت خسارة منكرة.

لكنها قررت بعد ذلك الترشح للمقعد الديمقراطي في مفوضية المقاطعة – بموجب القانون، يتم حجز مقعد واحد لـ “حزب الأقلية”. بعد فوزها في هذا السباق، لديها الآن وظيفة جديدة بدوام كامل. كل هذا بسبب ترامب.

وقالت بوغمان: “في المكان الذي أعيش فيه -لا تزال- الترامبية على قيد الحياة، بشكل أفضل وأقوى من أي وقت مضى”. لا تزال أعلام ترامب معلقة من الشرفات الأمامية وهي تعلم أن حافلتين من المقاطعة سافرتا إلى المسيرة الشهيرة الآن في واشنطن في 6 كانون ثاني/ يناير. لكنها لا تشعر بالتعب من كل هذا. العكس تماما و”لولا دونالد ترامب، لما كنت في هذه المهنة الجديدة. والشعور بالسعادة هو لكوني جزءا من هذا العمل”.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي