ألدوس هكسلي..سخرية من نوع جديد

2021-01-12

القاهرة - توفي الكاتب الإنجليزي «ألدوس هكسلي» في 22 نوفمبر 1963 بعد أن فقد النقاد اهتمامهم به، وبعد أن بدأت طبعات كتبه تنفد من الأسواق، دون إعادة طباعتها ثانية، لكن في السنوات الأخيرة اهتمت الدوائر الأكاديمية به، وعاد يثير الجدل الذي كان قد أثاره من قبل، ليكون أحد أهم الكتاب البريطانيين الساخرين في القرن العشرين.

كان هكسلي يتميز بالروح الساخرة في كتاباته، لكنه فيما بعد فقد هذه الروح شيئاً فشيئاً، حيث استكمل مشواره في الحياة بحثاً عن طريقة مثلى للعيش، تنتشل الإنسان من حيوانيته، وترفعه إلى الروحانية، وكان قد انتقل للإقامة بولاية كاليفورنيا عام 1938 وكتب روايته «بعد عدة أصياف» في العام التالي مباشرة، حيث انتقل بسخريته من المجتمع الأوروبي بشكل عام والإنجليزي بشكل خاص، إلى السخرية من المجتمع الأمريكي، بكل ما يحمل من معاني المادية، وغياب الروحانية، ما أثار حفيظة الأمريكيين الذين كانوا قد استقبلوه بحفاوة كبيرة، فكتب نقاد كثيرون يهاجمون ما أسموه إحساس هكسلي بالتفوق.

اتجه هكسلي إلى التجربة البوذية في عام 1943. واعتبر الكتاب والنقاد أن هذا الاتجاه انتحار أدبي، إذ أثر ذلك الاتجاه بشكل سلبي في كتاباته الساخرة، فطغت الروح الفلسفية اللاهوتية على كتاباته المتأخرة، ما أدى إلى انصراف القارئ عنه، لكنه في عام 1959 يحصل على جائزة الإبداع من الأكاديمية الأمريكية للفنون والآداب، التي تمنح للكتاب المتميزين كل خمس سنوات.

ولد هكسلي في إحدى مدن إنجلترا، وكان جده لأبيه هو توماس هنري هكسلي الكاتب وعالم الطبيعة الشهير، وكتب أولى رواياته وهي «الكرم الأصفر» عام 1921 ونالت نجاحاً ساحقاً، إذ كانت رواية ساخرة، تتحدث عن الشباب الأوروبي الضائع، الذي كان يشعر بالغضب وفقدان الهوية، وعدم جدوى الحياة بعد الحرب العالمية الأولى، وتوالت رواياته، التي سارت على نفس المنوال، وبذلك الأسلوب الساخر، الذي ميز كتاباته فيما بعد، حتى قرر أخيراً الهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

اتخذ هكسلي قرار الهجرة بناء على نصيحة الأطباء، بالذهاب إلى مكان مشمس، فاختار ولاية كاليفورنيا ليبدأ بها حياته، من جديد، وكانت هناك عوامل أخرى، جعلته يتخذ هذا القرار، وهو الكاتب الشهير في أوروبا، منها على سبيل المثال: القلق الذي بدأ ينتاب الأوروبيين، جراء صعود هتلر إلى السلطة، وطغيان أحلامه التوسعية، وبدء الصراعات الأوروبية في القارة العجوز، ودخول فرانكو إلى برشلونة بعد الحرب الأهلية هناك.

قبل سفره إلى أمريكا كتب هكسلي رواياته الأشهر «عالم شجاع طريف» عام 1932 ويتناول فيها استخدام العلم لبرمجة البشرية، كان يسخر من العلم في هذه الرواية، وقد أثارت غضب ج. ويلز الذي اعتبرها «خيانة للعلم» لكن هكسلي كان يؤمن بأن سوء استخدام العلم، لن يصل إلى نتيجة إيجابية في اتجاه تحرير الإنسان، بل قد يؤثر سلباً فيه.

لا يلتزم هكسلي بتقليد الكتابة الساخرة، في كونه لا يمتنع عن بعض الموضوعات التي لا ينبغي على الكاتب الساخر الخوض فيها، فرواياته دائماً إما بها جريمة قتل أو انتحار أو معاناة كبرى، ويوظفها لإثبات أن الحياة، كما يحياها البشر اليوم، هي في الواقع بلا معنى، وأنه لابد من إيجاد بدائل أخرى، خاصة أن الموت هو النتيجة الحتمية في حياة كل إنسان، وتشكل هذه الموضوعات صعوبة كبيرة في التعامل معها بشكل ساخر.

يعتمد هكسلي في سخريته على ما يسمى التكوين الكلي الساخر، ولذلك فإن بعض النقاد يعتبرون رواياته عبارة عن قصص مجازية، وكما في التقليد الساخر فرواياته لا توجد بها حبكة، ولا يوجد بها أي نوع من الحركة، لقد اتهمه النقاد بناء على ذلك بأنه يكتب مقالات مطولة، وأن كتاباته بشكل عام تتأرجح ما بين المقال والرواية، لذلك كتب إلى أحد أصدقائه: «إنني أدرك بحزن أنني لم أولد لأكون كاتباً روائياً، بل أكتب نوعاً آخر من الكتابة، يشبه الرواية، بشكل قد يكون مقنعاً».







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي