أعمال "حنه آرنت" في سياق القرن الحادي والعشرين

2020-12-16

التفكير الذي تراه آرنت يختلف عن مجرد الإدراك المعرفي

أصدر المركز القومي للترجمة كتاب «سايمون سويفت» حنه آرنت، بترجمة علي الغفاري، حيث تجعلنا أعمال حنه آرنت مشتبكين مع الأزمات الثقافية والفلسفية التي اجتاحت أوروبا في منتصف القرن العشرين، وتظل آرنت حتى يومنا هذا تثير الجدل بسبب فكرتها عن تفاهة الشر التي اشتهرت حين نشرت تقريرها عن محاكمة مجرم الحرب النازي أدولف إيخمان، عام 1963، وتصبح كتاباتها عن سياسات الحرية وحقوق الإنسان، ضمن دولة ديمقراطية، ذات أهمية خاصة في مواجهة تداعيات أحداث الحادي عشر من سبتمبر، والحرب على الإرهاب، حيث يجد الفكر المعاصر منبعاً خصباً في دعوتها إلى خلق مجال عام ثري بالفكر، والحوار بأسلوب نقدي حر.

حين صدر فيلم في 2012 يتناول حياتها وأعيد الحديث عن محاكمة النازي مرة أخرى، صدر عدد من الكتب التي تهاجمها وتنال منها، وتلقت من الهجوم أكثر مما تلقت من التأييد، وحتى هذا التأييد يتوارى في استحياء، ويحاول أن يبدو موضوعياً، فيشارك في الهجوم من جانب خفي. وتسير آرنت على خطى كانط الذي كتب مقاله «الرد على سؤال: ما التنوير؟» يحث فيه الجميع على الخروج من قصورهم وعدم قدرتهم على استخدام الفهم دون قيادة الغير، أو قد لا يرجع القصور إلى غياب الفهم؛ بل إلى غياب الجرأة على التفكير؛ أي الجرأة على استخدام الفهم الخاص والجرأة على المعرفة.

في محاكمة إيخمان كتبت آرنت أن سبب كوارث النازي، يرجع إلى تحويل البشر إلى آلات فاقدة للقدرة على التفكير في نفسها، فاقدة لملكة الحكم على الأشياء، فاقدة للخيال الذي يجعل الشخص يرى من منظور شخص آخر، فينمي ملكة التعاطف الإنساني، فاقدة تفرد الشخصية الإنسانية، ومن ثم تحولت إلى تروس عادية تافهة في آلة بيروقراطية، تنفذ الأوامر بدم بارد، ولا تكاد تشعر بأنها تقتل إنساناً مثلها.

وهكذا وصفت آرنت الشر بأنه عادي مبتذل تافه، وهي تصف بذلك الأشخاص الذين يرتكبونه.

حوار داخلي

التفكير الذي تراه آرنت يختلف عن مجرد الإدراك المعرفي، فهو ينطوي على الاتجاه إلى حوار داخلي، يناقش ما لا نراه من مفاهيم وأفكار، كما ينطوي على الرؤية من منظور الآخر، وهو ينتج وعياً ويستخدم ملكة الحكم على الأشياء، الشر إذن ينبع داخلنا جميعاً، حين نرفض أن نفكر، ونجد أنفسنا منصاعين، نتقبل أيديولوجية شمولية بأعين مغمضة، فترتكب أبشع الفظائع، دون أن يطرف لنا جفن.

انطلق الغوغاء يتهمون آرنت بأنها تدافع عن إيخمان وتلتمس له العذر، وكان أكثر هؤلاء من المثقفين الذين فقدوا القدرة على التفكير لأنفسهم، وقد يرجع ذلك إلى التأثير المروع للآلة الإعلامية الغربية، فنجد أكاديمية أمريكية تتهمها بأنها فاقدة الإحساس، لأنها لم تبك وتصرخ لموت كل هؤلاء، وكأنها كانت تدافع عن إيخمان، وهي آخر من يفعل ذلك، إنها تصرخ بألم شديد لما حدث؛ لذلك لا تريده أن يتكرر؛ بل تريد علاجاً يمنع ما حدث مستقبلاً، فعندما أعربت عن رأيها بأن الآلة التي قتلت من قتلت في المحرقة، نشأت في سنوات سابقة في أوروبا في رعاية الفكر الاستعماري، وأنها نشأت مع بذور فكر الشمولية، أرادت أن تواجه هذا الأمر برمته، حتى تدافع عن كل البشر، لا مجرد أن تنحاز إلى بعض الضحايا، وتترك آخرين.

إن المجرم هنا ليس فرداً نقتله ونستريح؛ إذ إن المجرم فكر ومبدأ سياسي يحول البشر العاديين التافهين إلى سفاحين، يقتلون بدم بارد.

هذا الكتاب يغطي أفكار آرنت الرئيسية التي عرضتها في كتابيها «أصول الشمولية» و«الوضع البشري»، علاوة على بعض كتاباتها الأخرى الأقل شهرة، ويتناول بالتفصيل، فكرتها عن حكاية القصص، وهكذا يضع الكتاب أعمال حنه آرنت في سياق القرن الحادي والعشرين، ويساعد الدارسين على فهم هذا الارتباط الضروري لكتاباتها بعالمنا المعاصر.

 

 

 







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي