
لا تعد الخلافات البحرية بين اليونان وتركيا شيئا جديدا، بل تعود نشأتها إلى فترات تأسيس الدولتين.
وتتركز هذه الخلافات في جوهرها على 3 قضايا: الخلاف حول عرض المياه الإقليمية اليونانية، إلى جانب ملكية بعض الجزر في بحر إيجه، ومسألة المناطق الاقتصادية الخالصة للبلدين في شرق البحر الأبيض المتوسط، وأزمة قبرص التي لم يتم حلها.
وبالإضافة إلى هذه الأمور، تتحدث تركيا أيضا عن عدد من القضايا الأخرى، مثل السيادة أو نزع السلاح عن بعض الجزر اليونانية، لا تزال أيضا بدون حل وتحتاج إلى معالجة.
ومن جانبها، ترفض اليونان هذه المطالب بشكل قاطع باعتبارها انتهاكا لسيادتها.
ونظرا لأن هذه النزاعات مرتبطة بالقضايا الأساسية لكلا البلدين، فإن التنازلات والتسويات صعبة بطبيعتها ومكلفة سياسيا، ما يجعل حلها صعبا للغاية.
بالإضافة إلى ذلك، لا يبدو أن الجانبين يتفقان على إطار عمل لمعالجة نزاعاتهما؛ حيث تفضل اليونان التحكيم الدولي، بينما تفضل تركيا المفاوضات الثنائية.
لكن حتى لو وافقت أنقرة على طريق التحكيم الدولي، فإن أول الخلافات فقط هو ما سيُرفع إلى المحكمة الدولية.
موضوع يهمك : شقراوات مسلّحات يقاومن رجالًا سود.. كيف تصوِّر هوليوود النسوية؟
وبالرغم من أهمية هذه التفاصيل، لا يوجد شيء جديد في قصة الخلافات البحرية اليونانية التركية، ولا في خلافاتهما حول أطر العمل على حل هذه الخلافات.
وبالرغم من تصاعد التوترات بشكل متقطع، اتخذت هذه النزاعات تقليديا شكل صراع مشتعل ولكنه مجمّد إلى حد كبير.
ولكن يبدو أن هناك فرصة لحل التوترات الحالية، التي تبدو أنها أطول أزمة في العلاقات بين أثينا وأنقرة منذ التدخل العسكري التركي في قبرص عام 1974.
وهنا، يمكن اعتبار تطورين جيوسياسيين رئيسيين، ومجموعتين من التغييرات المنهجية، الدوافع الرئيسية لهذا التوتر الأخير.
العوامل المسببة للأزمة
تتداخل الأسباب التقليدية للتوتر بين تركيا واليونان وقبرص الآن مع مجموعة أخرى من التوترات الجيوسياسية المتشابكة ونزاعات الطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط.
وتدور هذه الاشتباكات بين تركيا ومجموعة من الدول، بما في ذلك فرنسا ومصر والإمارات، فقد أدت اكتشافات الطاقة في شرق المتوسط والوضع الليبي إلى تفاقم التوترات طويلة الأمد.
وفي هذه المرحلة، لم يزد عدد الدول المشاركة في أزمة شرق المتوسط فحسب، بل اتسع نطاق الخلافات ليشمل قضايا جديدة، مثل التنقيب عن الغاز والأزمة الليبية.
وفي أعقاب اكتشافات الغاز في شرق المتوسط، من قبل إسرائيل في عامي 2009 و2010، وقبرص في عام 2011، ومصر في عام 2015، أصبحت مسألة كيفية بيع الغاز إلى أوروبا ملحة، واستند مشروع خط أنابيب شرق المتوسط إلى تعاون أوثق بين اليونان وقبرص وإسرائيل.
وفي يناير/كانون الثاني 2020، تم إضفاء الطابع الرسمي على هذا التعاون الثلاثي في القاهرة مع إنشاء منتدى غاز شرق المتوسط.
وبالإضافة إلى اليونان وقبرص وإسرائيل، يضم المنتدى أيضا مصر والأردن والسلطة الفلسطينية وإيطاليا، وأدى مشروع خط الأنابيب المتصور والمنتدى إلى إحساس تركيا بالتهميش، وردت تركيا بتحركات لعرقلة التكتل المناهض لها في شرق البحر المتوسط.
وبالمثل، أدى الصراع الليبي إلى تفاقم الوضع؛ أولا، أصبحت ليبيا ساحة مواجهة بين تركيا ومجموعة من الدول، من بينها مصر والإمارات وفرنسا.
وانحازت كل هذه الدول لليونان في نزاعها مع تركيا، وأصبحت فرنسا القوة الأوروبية الأعلى صوتا في دعم اليونان وقبرص، حتى إنها قامت بعمليات تنقيب عسكرية مع اليونان، وأرسلت حاملة طائرات "شارل ديجول" إلى شرق المتوسط تضامنا مع اليونان، وبالمثل، وقعت الإمارات اتفاقية دفاع مع اليونان.
موضوع يهمك : هل يستهدف الحراك الخليجي إنهاء أم تخفيف الحصار؟
وفي المقابل، وقعت تركيا مذكرتي تفاهم مع حكومة الوفاق الوطني الليبية، في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، لتعيين حدود مناطق الاختصاص البحري في البحر الأبيض المتوسط، فضلا عن اتفاقية تعاون أمني وعسكري.
ومن خلال الاتفاقية الأولى، استهدفت تركيا تعطيل نظام الطاقة والأمن الإقليمي الناشئ؛ حيث سيمر خط أنابيب الغاز المتوقع عبر المناطق البحرية التي تطالب بها تركيا.
وترسل الاتفاقية برسالة حول نية تركيا تعطيل أي مشاريع خطوط أنابيب غاز من شأنها الالتفاف عليها، وتعكس الاتفاقية أيضا وجهات نظر تركيا حول حدودها البحرية في شرق البحر المتوسط، لكنها تتجاهل الجزر اليونانية الكبيرة مثل كريت ورودس، ما يجعلها ضعيفة من منظور القانون الدولي.
وفي الاتفاقية الثانية، التزمت تركيا بحماية حكومة الوفاق الوطني في مواجهة هجوم الجنرال "خليفة حفتر"، بمعنى آخر، بالنسبة لحكومة الوفاق الوطني، كانت الاتفاقية البحرية هي الثمن الذي يجب دفعه من أجل الحصول على اتفاقية التعاون العسكري مع تركيا في المقابل.