فن القتل السياسي والفساد ونهاية العالم.. أفلام وثائقية لا تنسى

2020-12-10

يتناول وثائقي "فن القتل السياسي" جريمة اغتيال رجل دين هزت غواتيمالا (مواقع التواصل)

محمد صلاح

ما إن نسمع كلمة "فيلم وثائقي" حتى يقفز إلى أذهاننا هذا المزيج المعتاد المكون من الراوي، وأحاديث الخبراء والشهود التي تتخلل لقطات أرشيفية مصورة، ربما نكون قد شاهدناها من قبل في نشرات الأخبار.

لكن هذه الأفلام الثلاثة التي تُعد من أهم وأخطر وثائقيات عام 2020، تقدم وثيقة مؤلمة عن معاناة العالم من هوس الحرب والقتل والفساد، من خلال إعادة إحياء أحداث حقيقية مثيرة للجدل بتقنية جديدة وشكل قوي ومؤثر.

"نهاية العالم 45" (Apocalypse ’45)

ساعة و43 دقيقة من التجريب الجريء للمخرج الأميركي إريك نيلسون، في 14 أغسطس/آب الماضي، بمناسبة الذكرى 75 ليوم VJ، وهو يوم النصر على اليابان في الحرب العالمية الثانية عام 1945. بصوت إتسي ناكاجاوا، الذي كان في عمر 15 عاما عندما أسقطت القنبلة على هيروشيما.

ألقى فيه نظرة على الأشهر الأخيرة من الحرب، عبر سرد منسوج من شهادات 24 من قدامى المحاربين، وهم يحكون تلك الأحداث التي عاشوها، حيث "لا يوجد فرح، ولا سحر في قتل شخص ما". في لقطات ملونة للنهاية المروعة للحرب تم استعادتها من الأرشيف الوطني الأميركي، ولم يسبق للجمهور مشاهدتها من قبل، بعد معالجتها رقميا بتقنية 4K، لتصبح كأنها حدثت اليوم.

يبدأ الفيلم بمشاهد مرعبة لتدمير الأسطول الأميركي، تم تصويرها عقب هجوم بيرل هاربور. بدت وكأنها جاءت لجعل المشاهد يقبل بفكرة أنه لم يكن ثمة مفر من اللجوء للقنبلة الذرية.

لتتوالى المشاهد التي تم التقاطها من قبل المصورين الذين كانوا يرافقون القوات تلك الفترة. كمعركة مانيلا، وعمليات القصف الجوي، حيث أدى قصف طوكيو إلى حرق 100 ألف شخص في ليلة واحدة. وكذلك المذبحة التي كانت في انتظار القوات الأميركية في جزيرتي أيو جيما وأوكيناوا اليابانيتين، وطيارو الكاميكازي الذين قتلت مهامهم الانتحارية الآلاف. وصولا إلى مشاهد اختبارات القنبلة الذرية، وما تلاها من آثارها المدمرة، التي تم تصويرها في نفس الموقع بعد 7 أشهر.

يقدم الفيلم لقطات مهولة دون حذف، لجثث متفحمة ومشوهة، وامرأة يابانية تقفز من ارتفاع حتى الموت هربا من الأسر، ولصور الناجين من تفجيرات هيروشيما وناغازاكي كأنهم أشباح مشوهة.

"فن القتل السياسي"

فيلم "فن القتل السياسي" (The Art of Political Murder) تشويق سياسي واقعي، عُرض في 16 ديسمبر/كانون الأول الماضي، استوحاه المخرج البريطاني بول تايلور، من كتاب بنفس العنوان للصحفي الأميركي فرانسيسكو غولدمان، تناول فيه جريمة اغتيال رجل دين هزت بلده الأصلي غواتيمالا.

لنتابع، على مدار ساعة و29 دقيقة، تحقيقا معقدا ومعمقا في جريمة اغتيال الأسقف خوان غيراردي (75 عاما) في مدينة غواتيمالا في 26 أبريل/نيسان 1998. بعد يومين من نشره اتهامات مباشرة لمسؤولين ارتكبوا فظائع إبان الحرب الأهلية التي انتهت عام 1996، وأودت بحياة 200 ألف شخص في 4 عقود، وكان الجيش الغواتيمالي مسؤولا عن 93% منها، وفقا للأمم المتحدة.

وذلك بناء على شهادات مروعة عن حالات تعذيب ومجازر قام بها الجيش، ونجح فريق غيراردي المعاون من الحقوقيين والقانونيين في الحصول عليها، وفصّلها في تقرير صاعق من 4 مجلدات.

كما اهتم تايلور بتسليط الضوء على فريق المحققين الشباب الذين قرروا التصدي بشكل بطولي للتحقيق في الجريمة، متحدين كافة أشكال الترهيب التي مورست بحقهم، بدءا من التنصت عليهم وتعرض منازل بعضهم للهجوم بالقنابل اليدوية، ومرورا بوفاة شهود في ظروف غامضة، ثم قتل شقيق أحدهم بعد تعذيبه وتقطيع أطرافه.

جاء الفيلم مليئا بالتقلبات والمفاجآت المذهلة، من خلال نفاذه إلى عمق العالم الداخلي والخارجي للجناة والضحايا والناجين، عبر مقابلات مع كل من له صلة بالقضية، بمن فيهم مؤلف الكتاب، وشاهد العيان الذي غيرت شهادته المفاجئة في المحاكمة مسار الأحداث. ونهاية المطاف أدين 3 ضباط ورجل دين بقتل غيراردي لأنه "كان ينادي بالعدالة في بلد غابت فيه العدالة".

"جماعية" (Collective)

لن يترك لك هذا الفيلم الوثائقي المذهل أي لحظة يمكنك فيها أن تأخذ نفسا هادئا. فمع أن الأمر يبدو وكأنه مشهد من كابوس، فإن القصة وتوابعها حقيقية لدرجة يصعب تصديقها.

الفيلم الذي عُرض في 20 نوفمبر/تشرين الثاني الفائت، وهو نفس الشهر الذي اهتزت فيه رومانيا على وقع احتجاجات جماهيرية أشعلت النار في فساد الحكومة، وأدت إلى استقالة رئيس الوزراء.

سلط فيه المخرج ألكسندر ناناو الضوء على معركة الصحافة مع قوى الظلام التي واجهتها، أثناء كفاحها لفضح عمليات احتيال وفساد عميق وممنهج في مجال الرعاية الصحية، أدت إلى مقتل ضحايا أبرياء.

حيث يبدأ المخرج في التنقل عبر الأحداث الأساسية بسلاسة، حتى يوضح صورة متماسكة للمخاطر التي تحيط بأبطالها. وتتوالى أحداث الفيلم حول تبعات حريق مروع بملهى كوليكتيف الليلي في بوخارست عام 2015، وأسفر عن مقتل 64 شخصا. قضى 27 منهم على الفور، أما الباقون فلم يموتوا بسبب إصاباتهم، ولا بسبب تعطل مخارج الحريق، ولكنهم ماتوا من عدوى المستشفيات.

فقد أظهر تحقيق شديد الصعوبة قاده أحد الصحفيين، بعد أن صور سرا مقطع فيديو لديدان تتلوى في جرح مريض، أن المطهر الذي تم توفيره لمستشفيات الدولة كان عديم الفائدة بسبب تخفيفه سرا. ليكشف أن مجمع الأدوية الحكومي مجرد جزء من الفساد الخبيث وعمل العصابات الجماعية على نطاق واسع في رومانيا. وهو الفساد الذي تجسد في الاتصالات المرعبة التي تلقاها الصحفيون من أجهزة المخابرات، تطالبهم بتوخي الحذر من أجل عائلاتهم.

 







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي