

منذ الإعلان عن فوز "جو بايدن" في انتخابات الرئاسة الأمريكية، سادت حالة من القلق وعدم الارتياح في مصر، حيث سيفقد الرئيس "عبدالفتاح السيسي" الآن صديقا موثوقا به في واشنطن، وهو نظيره الأمريكي "دونالد ترامب"، الذي سبق أن وصف "السيسي" بأنه "ديكتاتوره المفضل".
ولا ينبع قلق مصر من فقدان "السيسي" حليفا مهما في البيت الأبيض فحسب، بل أيضا من انتقادات الإدارة القادمة لوضع الديمقراطية وحقوق الإنسان في مصر.
والسؤال الرئيسي الآن هو ما إذا كانت العلاقة المصرية الأمريكية ستخضع لتغييرات كبيرة في ظل إدارة "بايدن" أم ستبقى كما كانت خلال العقود الأربعة الماضية؟
علاقة استراتيجية وتوترات متفرقة
ومنذ أواخر السبعينات، كانت مصر واحدة من أهم الشركاء الاستراتيجيين للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وباعتبارها الدولة العربية صاحبة أكبر عدد من السكان، والدولة التي تتمتع بنفوذ سياسي وثقافي كبير في جميع أنحاء المنطقة، تظل مصر لاعبا رئيسيا تحرص أي إدارة أمريكية على الحفاظ على علاقة قوية معها.
وتسيطر مصر أيضا على قناة السويس، وهي طريق الشحن العالمي المهم الذي يربط البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأحمر.
علاوة على ذلك، تعززت العلاقة بين القاهرة وواشنطن بعد أن وقعت مصر معاهدة السلام مع إسرائيل عام 1979، وفي الواقع، جاء الجزء الأكبر من 84 مليار دولار من المساعدات التي قدمتها الولايات المتحدة لمصر بعد عام 1979، ومعظم ذلك في شكل مساعدات عسكرية.
وفي عام 2021، من المقرر أن تتلقى مصر 1.4 مليار دولار من المساعدات الأمريكية، وساهمت هذه المساعدات في إبقاء نظام الرئيس "حسني مبارك" في السلطة حتى الإطاحة به بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، وهي ضرورية الآن أيضا للحفاظ على نظام "السيسي".
ويشمل التعاون الاستراتيجي بين مصر والولايات المتحدة مجالات متعددة، ولكنه بارز بشكل خاص في مجالات الأمن والدفاع والاستخبارات ومكافحة الإرهاب.
وربما يكون موقع مصر كشريك رئيسي للولايات المتحدة في هذه المجالات ذات الأهمية الاستراتيجية هو ما يفسر أهميتها بالنسبة لواشنطن كحليف إقليمي، وهذا ما يفسر القلق الأمريكي المستمر على استقرار مصر.
كما تلعب العلاقة بين مصر وإسرائيل دورا مهما في تعزيز التحالف مع واشنطن، وبما أن البلدين لم يشهدا أي حروب منذ توقيع اتفاق السلام عام 1979، فإن واشنطن تعتبر العلاقة بين مصر وإسرائيل إنجازا مهما لا يمكن التضحية به.
موضوع يهمك : آخر التقييمات تُظهر ترتيب أفضل 10 لاعبي كرة قدم في التاريخ
وتلعب مصر أيضا دورا حاسما في ضمان أمن إسرائيل، لا سيما على حدودها الغربية مع غزة، التي تسيطر عليها "حماس" منذ عام 2007.
وفي مناسبات عديدة، لعبت مصر دور الوسيط بين إسرائيل و"حماس"، ما ساعد في الحفاظ على وقف إطلاق النار ومنع اندلاع التوترات العسكرية بين الطرفين، وفي غضون ذلك، طورت القاهرة وتل أبيب أيضا علاقات أمنية واقتصادية قوية خلال العقود الأخيرة، خاصة في مجال النفط والغاز الطبيعي، ما يعزز مكانة مصر كشريك إقليمي مهم للولايات المتحدة.
وبالرغم من هذه العلاقة الفريدة، شهدت العلاقة الأمريكية المصرية توترات في الآونة الأخيرة، خاصة فيما يتعلق بقضايا الديمقراطية والحريات المدنية وحقوق الإنسان.
وتحت إدارة الرئيس "جورج دبليو بوش"، ضغطت الولايات المتحدة على "مبارك" لاحترام حقوق الإنسان وإجراء إصلاحات سياسية.
كما حثت إدارة الرئيس "باراك أوباما" الحكومة المصرية على إطلاق سراح الناشطين السياسيين وتعليق القيود المفروضة على منظمات المجتمع المدني.
وردا على الاحتجاجات التي اندلعت في يناير/كانون الثاني 2011، دعت الولايات المتحدة "مبارك" إلى الاستجابة لمطالب المحتجين والسماح بنقل السلطة، وعندما رفض الرئيس المصري ذلك تخلى عنه "أوباما"، مما ساهم في سقوط "مبارك".
وبالرغم من أن إدارة "أوباما" فشلت في إدانة انقلاب يوليو/تموز 2013 الذي أوصل "السيسي" إلى السلطة، لكنها علقت جزئيا تزويد الجيش المصري بالمعدات العسكرية في أكتوبر/تشرين الأول من ذلك العام.
وجاء هذا القرار ردا على قمع النظام الوحشي للاحتجاجات السلمية، وكان هدف "أوباما" دفع مصر نحو إقامة حكومة مدنية منتخبة ديمقراطيا عبر انتخابات مفتوحة ونزيهة، لا سيما بعد "مجزرة رابعة العدوية".
وفي مارس/آذار 2015، تم رفع هذه القيود على شراء مصر للمعدات العسكرية بحجة احتياجات مكافحة الإرهاب في البلاد.
موضوع يهمك : هل تنجح الوساطة الأمريكية في حل الأزمة بين قطر والسعودية؟
وفي عهد "ترامب"، وصلت العلاقات بين القاهرة وواشنطن إلى درجة غير مسبوقة من الانسجام والتعاون، وكان "عبدالفتاح السيسي" أول رئيس يهنئ "ترامب" بفوزه في انتخابات 2016.
وعُرف عن الزعيمين تمتعهما بعلاقة شخصية قوية، تعززت أكثر من خلال الدور الحاسم لـ"السيسي" في تسهيل ما يسمى بـ"خطة ترامب للسلام" بين الإسرائيليين والفلسطينيين، بالرغم أن أهداف الخطة تضمنت تطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية على حساب الحقوق الفلسطينية.
وشجعت هذه العوامل على تجاهل إدارة "ترامب" لانتهاكات حقوق الإنسان المروعة التي يرتكبها نظام "السيسي" ضد المعارضة السياسية في مصر.
وكذلك لم يواجه "السيسي" أي انتقادات بسبب سياساته الديكتاتورية تجاه الناشطين السياسيين والصحفيين ومنظمات المجتمع المدني، وخلال فترة "ترامب"، قدمت الولايات المتحدة الدعم المباشر سياسيا وعسكريا واقتصاديا لنظام "السيسي".