
حسين قايد
منذ توقيع الإمارات والبحرين لاتفاقية إبراهيم للسلام مع إسرائيل، في 15 سبتمبر، بوساطة أميركية، أخذت العلاقات الإسرائيلية السعودية شكلا متذبذا، حيث تنتشر الأنباء عن زيارات سرية وتقارب في العلاقات ووجهات النظر في أسبوع، ثم يظهر على السطح خلاف وتباعد في أسبوع آخر..
وقالت صحيفة جيروزالم بوست الإسرائيلية إنه منذ أن تم الإعلان عن معاهدات السلام في منتصف أغسطس، تحرك السعوديون ذهابًا وإيابا، أكثر من مرة فتارة يقتربون من إسرائيل وتارة يبتعدون.
وقد أثار الأمير تركي الفيصل، المدير السابق للمخابرات السعودية، الجدل أمس بعد أن قال في مؤتمر "حوار المنامة" الذي يعقده المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، إن أي اتفاقات تطبيع يجب أن تساعد الفلسطينيين في الحصول على دولتهم المستقلة.
ووصف تركي إسرائيل بأنها قوة "استعمارية غربية"، وقال إن إسرائيل "سجنت (الفلسطينيين) في معسكرات اعتقال"، وانتهكت حقوقهم في المطالبة بالعدالة، وهو ما دفع وزير الخارجية الإسرائيلي غابي أشكنازي، الحاضر في المؤتمر، للرد قائلا: "أود أن أعبر عن أسفي لتصريحات المندوب السعودي"، مضيفا: "لا أعتقد أنها تعكس الروح والتغييرات التي تحدث في الشرق الأوسط".
وتثير هذه التصريحات قلق الإسرائيليين والكثير من المراقبين بشأن مستقبل العلاقات بين البلدين وإمكانية تطبيع العلاقات بينهما في المستقبل القريب، باعتبار أن الأمير تركي، الذي كان سفيرا للرياض في أميركا ، يمثل صوت الملك سلمان، على الرغم من عدم شغله أي منصب رسمي حالي.
لا تعبر عن المملكة
من جانبه، قال المحلل السياسي السعودي، سالم اليامي، إن تصريحات الفيصل تعبر عن نفسه، ولا تنسحب على رأي المملكة، فهو ليس موظفا في المملكة، بل يشارك في المؤتمرات كمحلل سياسي.
وأضاف اليامي في تصريحات نقلها موقع "الحرة" أنه المعلن بوضوح من الدولتين أنه لا توجد أي علاقات بينهم، وأن الحديث عن التقارب هو مجرد تكهنات.
وأضاف أنه بالرغم ما يجري في المنطقة من اتفاقيات سلام وتطبيع للعلاقات إلا أن ما قاله الفيصل هي وجهة نظر الكثيرون في المنطقة العربية.
بينما قال روني شالوم، الباحث في الشؤون الدولية، إن تصريحات الفيصل "ليس لها علاقة بالواقع" وإنها ليست دفاع عن القضية الفلسطينية، بل الدافع لها هو "صراعات داخلية في الصفوف السياسية والدينية".
وتغذي التقارير الإسرائيلية التكهنات بشأن احتمال إقدام السعودية على تطبيع علاقاتها مع إسرائيل على خطى الإمارات والبحرين والسودان، فيما تبقي السعودية على موقفها المعلن المتفق مع الخط الرسمي لجامعة الدول العربية، والذي يشترط حل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني لعقد سلام معها.
ومع اقتراب مغادرة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، البيت الأبيض في 20 يناير المقبل، يتوقع خبراء إسرائيليون أن تضغط واشنطن وبقوة من أجل اتفاق سلام مع السعودية قبل تنصيب الرئيس المنتخب، جو بايدن وفق وكالة فرانس برس.
وخلال الأسابيع الماضية، تحدث مراقبون عن قرب تطبيع العلاقات بين البلدين، خاصة بعد الزيارة السرية التي أعلنت عنها وسائل إعلام إسرائيلية وأكدها مسؤولون إسرائيليون، والتي ذهب فيها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، إلى مدينة نيوم السعودية، والتقى بولي العهد الأمير محمد بن سلمان، في حين سمحت السعودية بعبور الطائرات الإسرائيلي من وإلى البحرين والإمارات.
وفي منتدى المنامة، قال وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، إن السعودية منفتحة على التطبيع الكامل مع إسرائيل، شريطة تسوية الدولتين والاعتراف بدولة فلسطينية.
صراع أجنحة
لكن جاءت تصريحات الفيصل وكأنها تنسف هذه التكهنات، ويرى مراقبون أن التضارب في تصريحات المسؤولين يعبر عن الخلاف الدائر داخل الأسرة المالكة بشأن قضية التطبيع، ووجود صراع أجنحة بشأن هذه القضية داخل القصر.
وكانت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، كشفت في سبتمبر الماضي، عن جدال محتدم بين أفراد العائلة السعودية الحاكمة، حول إبرام اتفاق سلام مع إسرائيل، بعد إقدام دول خليجية مثل الإمارات والبحرين على هذه الخطوة.
وقال التقرير أن هناك خلافا بين الملك سلمان بن عبد العزيز، وابنه ولي العهد محمد بن سلمان، حول التقارب مع إسرائيل. إذ يعتبر الملك من أنصار المقاطعة العربية لإسرائيل، فضلا عن مطالبته بدولة مستقلة للفلسطينيين، في حين لا يتمسك ولي العهد بالموقف نفسه.
وقالت الصحيفة "الأمير محمد قد خشي من أن يعيق والده اتفاقا لا يساعد كثيرا في حل الدولة الفلسطينية" وفقا للمصادر، مضيفة أن الأمير "لم يخبر والده بخصوص الاتفاق المخطط له (الإمارات مع إسرائيل)، والذي لم تُذكر فيه دولة فلسطينية".
من جانبه، قال اليامي إن الذين يتحدثون عن وجود خلاف بين الملك وولي العهد بسبب التطبيع مع إسرائيل ليس لديهم معلومات عن طبيعة الأسرة الحاكمة في السعودية، مشيرا إلى أن السعودية لم تبارك ولم تعلن تأييدها لاتفاقيات السلام، وأنها ترى أن التطبيع مسألة داخلية تخص كل دولة.
في حين أرجع شالوم تأخر التطبيع بين الطرفين إلى أن الكثيرين من السياسيين السعوديين يرفضون التطبيع العلني، وقال شالوم أن تركي الفيصل نفسه من أوائل المطبعين للعلاقات سريا مع إسرائيل، خاصة فيما يتعلق بالملف الأمني والتنسيق ضد التدخلات الإيرانية، على حد قوله.
وأشار اليامي إلى أن المملكة أول من وافق على التطبيع عندما قدمت المبادرة العربية 2002، وتابع "السعودية لا تطبع إلا على أسس واضحة. ولا تطبع من أجل التطبيع فقط، أو من أجل قضية أو تحالف".
وهو ما تتفق معه صحيفة جروزاليم بوست في تقريرها، قائلة إن هذه التناقضات الدورية تشير كلها إن السعودية ليست مستعدة بعد للتطبيع مع إسرائيل، حتى لو كان ذلك في نيتها بالمستقبل.