«دبلوماسية اللقاح».. طريقة الصين لتعزيز مصالحها مع دول الخليج

مصدر: China looks to boost its GCC interests with 'vaccine diplomacy' Read more: https://www.al-monitor.com/pulse/originals/2020/11/china-covid19-vaccine-diplomacy-treatment-phase3-trials.html#ixzz6ezJqvtFv
2020-11-27

نشر موقع «المونيتور» مقالًا لـ سبينا صديقي، المحللة المعنية بمتابعة مبادرة الحزام والطريق والشرق الأوسط وجنوب آسيا، استعرضت فيه حيثيات إنتاج الصين لقاحات فيروس كورونا.

وخلُصت الكاتبة إلى أنه انطلاقًا من تلهُّفِ دول مجلس التعاون الخليجي إلى رفع الحظر والحد من تأثير جائحة فيروس كورونا على اقتصاداتها، فإن كثيرًا من هذه الدول يشارك في تجارب لقاح يجري إنتاجه في الصين، التي يبدو أنها تركِّز على البلدان التي تربطها مصالح استراتيجية مع بكين أو البلدان التي تمثِّل جزءًا من مبادرة الحزام والطريق الصينية.

لقاحات واعدة

تقول الكاتبة في بداية مقالها: مع تدفق الأخبار المُشجِّعة في الآونة الأخيرة فيما يتعلق بنجاح كثير من لقاحات فيروس كورونا، تشير أحدث التقارير إلى أن لقاح كوفيد-19 الذي يجري تطويره في الصين هو أحد اللقاحات التي ستؤتي ثمارها. وبالإضافة إلى الفائدة الصحية العامة الواضحة التي يقدمها اللقاح الناجح، تتطلع بكين إلى استخدام استراتيجية «دبلوماسية اللقاح» لتعزيز نفوذها الدولي، بما في ذلك نفوذها داخل بلدان الشرق الأوسط.

وبينما يجري تطوير عدد من اللقاحات في الصين، دخلت أربعة من هذه اللقاحات مرحلة الاختبار الأخيرة في التجارب السريرية. وتُمثِّل هذه اللقاحات ما يقارب ثلث لقاحات كوفيد-19 الرائدة التي وصلت إلى المرحلة الأخيرة من التطوير على الصعيد العالمي.

ونظرًا لانخفاض معدل حالات الإصابة الجديدة بالفيروس انخفاضًا حادًّا على الصعيد المحلي، يجري تنفيذ غالبية اختبارات الفعالية والسلامة الخاصة باللقاحات على نطاق واسع في 18 بلدًا آخر. ومن المثير للاهتمام أن معظم هذه البلدان تربطها مصالح استراتيجية مع بكين أو أنها جزء من مبادرة الحزام والطريق الصينية.

مشاركة دول مجلس التعاون الخليجي في تجارب اللقاحات

وتضيف الكاتبة: تشارك دول كثيرة من مجلس التعاون الخليجي، مثل السعودية والإمارات والبحرين، أيضًا في هذه التجارب. ونظرًا للوعود التي تلقَّتها بالحصول على جرعات مبكرة من اللقاح، تعقد معظم الحكومات التي تستضيف برامج الاختبار اتفاقاتٍ تتيح لها شراء اللقاح على نطاق واسع أو الحصول على حقوق تصنيعه لتوزيعه محليًّا توزيعًا واسع الانتشار.

وفي حديثه أثناء الاجتماع الوزاري بين الصين ومجلس التعاون الخليجي الذي عُقِد مؤخرًا في وقتٍ سابقٍ من هذا الشهر عبر تقنية الفيديو كونفرنس، ذكر وانج يي، عضو مجلس الدولة ووزير الخارجية الصيني، أن اللقاحات أصبحت الآن أبرز مجالات التعاون بين الصين ومجلس التعاون الخليجي فيما يتعلق بمكافحة كوفيد-19.

وبعد أن قال إن الصين ستدعم بناء «مجتمع صحي بشري» مع مجلس التعاون الخليجي، أعرب وانج عن تفاؤله باستئناف إعادة البناء الاقتصادي والتفاوض بشأن اتفاقية التجارة الحرة بين الصين ومجلس التعاون الخليجي والبناء المشترك لمشروعات مبادرة الحزام والطريق المهمة بعد انتهاء الجائحة. وترى الكاتبة أن الصين تُمثِّل في الوقت الحالي أكبر مستورد ومصدر بالنسبة لمجلس التعاون الخليجي.

شراكة إماراتية-صينية لتوزيع اللقاحات على بعض بلدان الشرق الأوسط

وتتولى شركة «جروب42»، وهي شركة حوسبة سحابية وذكاء اصطناعي تتخذ من أبوظبي مقرًا لها، بالشراكة مع مجموعة بيوتيك الوطنية الصينية، مسؤولية توفير أحد اللقاحَين اللذَين تطورهما شركة سينوفارم للأدوية، التي تتخذ من شنغهاي مقرًا لها، إلى سكان الإمارات والأردن ومصر والبحرين، كما أنها أوشكت على الوصول إلى نهاية المرحلة الأخيرة من الاختبار.

ونظرًا لوجود برامج اختبار قيد التنفيذ منذ مدة، حصل ما يقارب 44 ألف شخص على اللقاح الصيني في مرحلة اختباره الأخيرة في التجارب السريرية في البحرين والإمارات، وفقًا لأحدث التقارير.

وبحسب أشيش كوشي، المدير التنفيذي لشركة جي42 للرعاية الصحية، «تُظهِر النتائج الأولية أن اللقاح آمن، وهناك زيادة عامة في الأجسام المضادة لدى جميع المتطوعين. وفيما يتعلق بفعاليته، تسير الأمور في الطريق الذي نصبو إليه، ولكن الوقت هو الفيصل فيما يتعلق بالصورة الكاملة بشأن فعاليته وسلامته».

البحرين توافق على استخدام لقاح «سينوفارم»

وتشير الكاتبة إلى أنه من هذا المنطلق، جرت الموافقة على استخدام لقاح شركة سينوفارم في حالة الطوارئ بالنسبة للعاملين في مجال الصحة في الإمارات منذ سبتمبر (أيلول). وقد تلقى رئيس وزراء الإمارات محمد بن راشد آل مكتوم وغيره من كبار المسؤولين جرعات اللقاح.

وبعد مدة وجيزة، وافقت البحرين أيضًا على نحو طارئ على استخدام لقاح سينوفارم وبدأ العاملون في الخطوط الأمامية (في مجال الصحة) في تلقي جرعات اللقاح خلال هذا الشهر. وتجدر الإشارة إلى أن ولي عهد البحرين ووزراء بحرينيين وغيرهم من كبار المسؤولين تلقَّوا أيضًا جرعات من اللقاح.

وانطلاقًا من تأييد استخدامه، صرَّحت وزيرة الصحة في البحرين فائقة بنت سعيد الصالح بأن «نتائج المرحلة الأولى والثانية من التجارب السريرية أظهرت أن اللقاح آمن وفعَّال». ويبدو أنه لم تظهر أي آثار جانبية خلال مرحلة الاختبار الأخيرة وقد تلقى نحو 7.770 شخصًا جرعة أخرى الآن.

في الوقت ذاته، تعقد وزارة الصحة في السعودية اتفاقية مع مطور لقاح صيني آخر، شركة كانسينو، وقد بدأت هذه الشركة مراحل الاختبار الأخيرة أيضًا. ويتمثل آخر اللقاحات الأربعة في حُقْنة تطورها شركة سينوفاك، وهي شركة لقاحات تتخذ من بكين مقرًا لها، وتجري التجارب على هذه الحُقْنة في مناطق أخرى.

وتنوِّه الكاتبة إلى أنه لم يتضح بعد ما إذا كان اللقاح سيكون فعَّالًا بنسبة 100%، لكنه إذا ساعد دول مجلس التعاون الخليجي في الخروج من حالة الإغلاق العام التي تؤثر سلبًا على اقتصاداتها، فإن نفوذ الصين سيزداد في الأيام المقبلة بلا شك.

اللقاحات الصينية وأوجه قصور كثيرة

ومع ذلك، فإن هذا الترتيب لا يخلو من أوجه قصور كثيرة.

أولًا، وُقِّعت اتفاقات الحصول على اللقاح مع أكثر من 10 بلدان، ولكن اللقاحات الصينية لا تزال في حاجة إلى موافقة منظمة الصحة العالمية، ولا يوجد أيٌ من هذه اللقاحات في قائمة اللقاحات التي يدعمها تحالف ابتكارات التأهب الوبائي (مؤسسة تتلقى تبرعات من المنظمات العامة والخاصة لتمويل مشاريع بحثية مستقلة لتطوير لقاحات ضد الأمراض المعدية الناشئة) حتى الآن. 

وأعرب كثير من الخبراء عن مخاوف تتعلق بالسلامة لأن اللقاح يجري تطويره بوتيرة سريعة للغاية. وقالت الدكتورة إليانور ريلي، أستاذة علم المناعة والأمراض المعدية في جامعة إدنبرة: «إذا انتشرت اللقاحات قبل حصولها على موافقة وترخيص رسميين، فهناك حاجة ضرورية إلى تقدير واضح لنسبة المخاطر والفوائد».

وتؤكد الكاتبة أن الشركة ذاتها التي تتعاون مع دول مجلس التعاون الخليجي في تجربة اللقاحات، وهي شركة سينوفارم، كانت متورطة أيضًا في فضيحة إنتاج لقاح فاسد في عام 2018.

ثانيًا، ربما يكون هناك خيارات أفضل لإنتاج لقاحات في بلدان أخرى في الأيام المقبلة، حيث تُعد النتائج الحديثة لشركات فايزر وموديرنا وأسترازينيكا واعدة بصورة خاصة، ولكن البلدان التي تشارك في مرحلة الاختبار الأخيرة تعقد بالفعل اتفاقيات شراء مع بكين. ولعل هذا العامل يوضح لماذا تسابق الصين الزمن لتكون إحدى أوائل الدول التي تحصل على الموافقة.

وما أن يتحقق الهدف من الاختبار، يمكن طرح لقاح سنوفارم المُحتمَل في وقتٍ مبكرٍ من ديسمبر (كانون الأول). وبمجرد اكتمال بيانات التجربة، ستوافق وزارة الصحة الصينية على هذا اللقاح.

ثالثًا، يمكن لبكين الآن أن تنتقي البلدان التي تريد تزويدها باللقاح وأن تحدد مقدار الجرعات التي ستوفرها من هذا اللقاح، وفقًا لأهداف سياستها الخارجية.

وتشير الكاتبة إلى أن شركة سينوفاك بيوتيك قد أجرت حتى الآن تجارب اختبار أخيرة في السعودية وصربيا وتركيا وبنجلاديش. ولكنَّها تُخطط إلى بدء طرح اللقاح في إندونيسيا في نوفمبر (تشرين الثاني)، بل يمكن أن تحصل أفريقيا وتايلاند وفيتنام على شحنات مبكرة.

ومع ذلك، ألغت شركة كانسينو تجارب مرحلة الاختبار الأخيرة في كندا، وربما يرجع ذلك إلى توتُّر العلاقات الثنائية. وكانت الصين قد انضمت مؤخرًا إلى مبادرة كوفاكس، وهي مبادرة عالمية توَزِّع اللقاحات بالتساوي وتحظى بدعم منظمة الصحة العالمية. ولكنَّ قائمة الحكومات التي تعهدت بإنتاج لقاحات مبكِّرة آخذة في الازدياد.

وترى الكاتبة أن إتمام صفقات مع بلدان معينة ربما لا يكون أفضل طريق لتقديم توزيع متكافئ للقاح.

أخيرًا، على الرغم من تعَهُّد الرئيس الصيني شي جين بينج في جمعية الصحة العالمية بأن لقاح فيروس كورونا الذي تنتجه الصين سيفيد «الصالح العام العالمي» وسيتوفر للجميع، يمكن أن تفرض بكين قيودًا على الإنتاج.

جرعات محدودة

ومن جانبه، أوضح كلاوس ستور، الذي تولى قيادة قسم الاستجابة للأوبئة في منظمة الصحة العالمية لمدة 15 عامًا: «عدد الجرعات المتوفرة في الصين سيكون أقل بكثير من العدد اللازم للحصول على تصريح بالتصدير ما لم يُتَّخذ قرار سياسي بتصدير اللقاحات إلى الخارج، على الرغم من أنه لا يزال هناك حاجة إلى اللقاح في الصين».

وعلى الرغم من أن شركتي سينوفارم وسينوفاك لديهما القدرة على إنتاج نحو 300 مليون جرعة سنويًّا، ربما تستغرق شركة كانسينو وقتًا أطول للحاق بهما، ذلك أن مصنعها الجديد سينطلق في وقتٍ ما في العام المقبل.

ومع ذلك، أكَّد تشنج تشونجوي، مدير مجموعة العمل المعنية بمكافحة كوفيد-19 التابعة للحكومة الصينية، أنه سيجري إنتاج 600 مليون جرعة بحلول نهاية عام 2020. ولكن يظل من غير الواضح كم عدد الجرعات التي يمكن تصديرها، ذلك أن الصين وحدها يبلغ تعدادها 1.4 مليار نسمة، ولم يحصل معظم مواطنيها على اللقاح.

وتختتم الكاتبة مقالها بالقول: في الأيام المقبلة، يمكن أن يكون لـ«استراتيجية اللقاح» تأثير أكبر حتى من تأثير دبلوماسية كوفيد-19 في الصين. ووفقًا لآدم ني، مدير مركز سياسة الصين في العاصمة الأسترالية كانبرا: «من المرجح للغاية أن تستخدم بكين اللقاح لأغراض استراتيجية، بما في ذلك تحسين سمعتها التي تأثرت على الصعيد العالمي جرَّاء الجائحة».







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي