"المعجم التاريخي".. حلم عربي يتحقق بعد قرن من الزمان

2020-11-11

حدث تاريخي غير مسبوق في خدمة لغة الضاد

أطلقت الشارقة أخيرا بالتزامن مع معرضها الدولي للكتاب، المستمر إلى غاية 14 نوفمبر الجاري، المجلدات الأولى من “المعجم التاريخي للغة العربية”، الذي يؤرّخ تاريخ مفردات لغة الضاد وتحولات استخدامها منذ عصر ما قبل الإسلام إلى العصر الحاضر.

وجاء ذلك خلال حفل أقيم في مدينة خورفكان بالشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة بحضور عدد من رؤساء مجامع اللغة العربية وعلماء اللغة العربية والفقهاء في العالم العربي.

ويحقق إطلاق هذا المنجز، مهمة تاريخية تعود جذورها إلى قرابة مئة عام، وقُدّمت في سبيل إتمامها جهود ومحاولات تعرضت للتأجيل والإلغاء وجانب بعضها الصواب، وكان من أبرزها تجربة مجمع القاهرة سنة 1936 التي انطلقت تحت إشراف المستعرب الألماني فيشر عضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة آنذاك، وتوقفت بعد أن أُعدت البطاقات الأولى من حرف الهمزة.

واحتفاء بالمعجم ألقى الدكتور حسن عبداللطيف الشافعي، رئيس اتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية، كلمة متلفزة، استعرض فيها الجهود والمحاولات السابقة لإنجاز معجم  تاريخي للغة العربية، وبخاصة بعد تعثّر المشروع الذي أشرف عليه المستشرق فيشر (1936)، موضحا أن الاهتمام تجدّد بقضية المعجم التاريخي خلال العقد الأول من القرن الحالي، وأن مؤلفات عدة للغويين العرب تناولت طبيعة الموضوع ومتطلباته وتجاربه ومشكلاته، إلى أن تكفل مجمع الشارقة للغة العربية بالمتطلبات العلمية والمادية التي وقفت سابقا دون إنجاز المعجم.

واستعرض الدكتور محمد صافي المستغانمي، الأمين العام لمجمع اللغة العربية بالشارقة، مسيرة المعجم ومراحل إنجاز الأجزاء الثمانية الأولى منه، متطرقا إلى منهج العمل المتبع وطرق التجهيز التقني والفني لإتمام أعمال تحرير المجلدات وفرق العمل واللجان العاملة ضمن مجامع اللغة المنتشرة في العالم العربي.

بدوره، أوضح الدكتور مأمون وجيه، المدير العلمي لمشروع المعجم، أن فترة الإعداد للمعجم استغرقت أكثر من سنتين، وخضع المشروع لتخطيط علمي، وفق المعايير العلمية لصناعة المعاجم اللغوية التاريخية.

وأضاف “لمّا استقرت صيغة المعجم وتحددت ملامحه، تقررت هيكلة مشروعه وحوكمته، لينتظم العمل، وكذلك حُدِّدت تخومه وخارطته الزمنية عبر خمسة أعصر ليس غير، ورُسمت سياسته العلمية ومنهجية تحريره، وأُنجزت مدونته الرقمية، وشُكلت لجانه العلمية، في المجامع العربية على السواء. ودُرب المحررون والخبراء على المدونة والصنعة المعجمية”.

وتُؤرّخ الأجزاء الثمانية الأولى التي تمّ الكشف عنها لتاريخ المفردات التي تبدأ بحرفي الهمزة والباء، وجاءت في ثمانية مجلدات تعرض تطوّر وتحوّل معاني المفردات ودلالات استخدامها عبر العصور، بدءا من عصر ما قبل الإسلام، والعصر الإسلامي (1 – 132 هـ)، مرورا بالعصر العباسي (133 – 656هـ)، والدول والإمارات (657 – 1213هـ)، وصولا إلى العصر الحديث (1214هـ  ـ  حتى اليوم).

 

أول ثمانية أجزاء في طريق الإنجاز التاريخي

 

ويشارك في إنجاز المعجم، الذي يشرف عليه اتّحاد المجامع اللغوية والعلمية في القاهرة، عشرة مجامع عربية، ويتولى مجمع اللغة العربية في الشارقة إدارة لجنته التنفيذية، ويستند المعجم في إنجازه إلى قاعدة بيانات تم جمعها ووضع منهجيات وأنظمة الرجوع إليها خلال الأعوام الثلاثة الماضية لتضم اليوم قرابة 20 ألف كتاب ومصدر ووثيقة تاريخية باللغة العربية منها نقوش وآثار يعود تاريخها إلى القرن الثالث قبل الإسلام.

ويشكل المعجم، إلى جانب أنه يبحث ويوثّق لمفردات اللغة العربية، مكتبة إلكترونية ضخمة مكوّنة من أمّهات كتب اللغة والأدب والشعر والفلسفة والمعارف العلمية المتنوعة تمكّن الباحثين والقرّاء بعد الانتهاء من مراحل إعداده كاملة، من الوصول إلى الآلاف من الكتب والمصادر والوثائق التي يُعرض بعضها إلكترونيا للمرة الأولى في تاريخ المحتوى المعرفي العربي.

ويختص المعجم بتوضيح عدد من المعلومات الرئيسة حول تاريخ الألفاظ العربية، حيث يبحث عن تاريخ الكلمة من حيث جذرها، ويبحث عن جميع الألفاظ المشتقّة منها وتقلّباتها الصوتيّة، ويقوم بتتبّع تاريخ الكلمة الواحدة ورصد المستعمل الأوّل لها منذ الجاهليّة إلى العصر الحديث، مركّزا على الاستعمال الحي للغة، أي أنّه يختلف عن سائر المعاجم السابقة، وأنّه يستشهد بالنصوص الحيّة قرآنا وحديثا وشعرا وخطبا ورسائل وغيرها.

ويكشف المعجم تطور المصطلحات عبر العصور، ويرصد تاريخ دخول الكلمات الجديدة المستحدثة في اللغة المستعملة، والكلمات التي اندثرت وزالت من قاموس الاستعمال مع ذكر الأسباب المؤثّرة في ذلك، حيث يبحث عن تطور الكلمة عبر الزمان وعلى ألسن العرب وغيرهم من المتكلّمين باللسان العربي منذ ما قبل الإسلام إلى اليوم.

إلى جانب ذلك، يعرض المعجم تاريخ نشأة العلوم والفنون، إذ يبحث في علوم اللسان العربي عن جميع العلوم التي نشأت تحت ظل البحوث اللغوية قديما وحديثا من نحو وصرف وفقه لغة ولسانيات وصوتيات وعلوم البلاغة والعروض وغيرها، ويتوقف عند المصطلحات التي ولدت ونشأت في رحاب هذه العلوم.

ويقدّم المعجم مقارنات بين الألفاظ في اللغة العربية وبين ما انحدر منها في اللغة العبرية والأكّادية والسّريانية والحبشية وغيرها، وفي هذا المجال كُلفت لجنة متخصّصة برصد أوجه الشّبه والاختلاف بين الألفاظ العربية وما يقابلها في تلك اللغات، وذكر الشواهد الحية التي تدلّ على ذلك مع توثيق للمصادر والكتب التي أُخِذت منها.

تجدر الإشارة إلى أنّ المنصة الرقمية التي أعدت لإنجاز المعجم تتميّز بسهولة البحث، وسرعة الحصول على المعلومة واسترجاع النصوص وإظهار النتائج في سياقاتها التاريخية، إضافة إلى أنها تشتمل على قارئ آلي للنصوص المصورة، معتمدة على قاعدة بيانات تساعد الباحثين على التعرّف على مداخل كل جذر، والوصول إلى مبتغاهم في السياقات التاريخية المتنوعة.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي