هل يُرغم كوفيد-19 اليابان على التخلص من آلة الفاكس أخيرًا؟

مصدر: Japan wants to shred its paper habit. Could it finally leave the fax behind?
2020-10-23

نشرت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية تقريرًا لـ سيمون دينير، مدير مكتب الصحيفة في العاصمة اليابانية طوكيو، والذي يغطي شؤون اليابان والكوريتين الشمالية والجنوبية، سلَّط فيه الضوء على سعي الحكومة اليابانية لرقمنة النظام الإداري الداخلي ومحاولة التخلص من البيروقراطية التي تعوق سير العمل الحكومي في البلاد، في ظل الفرصة التي تُتيحها جائحة كوفيد-19 لليابانيين.

استهل الكاتب تقريره بالقول: بينما تشهد اليابان ذروة تفشي فيروس كورونا المستجد، لم يستطع أحد الأطباء تحمل الأمر أكثر من ذلك، والذي لم يكن يتعلق بمرضى الفيروس، بل يتعلق ببيروقراطية اليابان. إذ اشتكى هذا الطبيب من أن كل إصابة جديدة بالمرض تتضمن كتابة الأطباء الأخصائيين تقارير مطولة بخط اليد وجمعها ثم إرسالها إلى مكتب الصحة العامة عبر أجهزة الفاكس. وكتب تغريدة، شاركها عديد من الأشخاص على نطاق واسع، يقول فيها: «دعونا نتوقف عن هذا الأمر بالفعل. حتى في ظل تفشي فيروس كورونا، ما زلنا نكتب بخط اليد ونُرسل تقاريرنا عبر الفاكس».

الفاكس من نوادر الزمان

وأوضح الكاتب أن حكومة اليابان، التي تبدو في بعض الأحيان وكأنها مدمنة على استخدام الأوراق والفاكس على نحو ميؤوس منه، بدأت تُدرك أن هذا النظام لم يعد يجدي نفعًا. وكان الأطباء منهمكين في الأعمال الكتابية والورقية، ومكاتب الصحة العامة غارقة في استقبال التقارير المرسلة عبر الفاكس، وهي التي كانت ذات يوم في حقبة ثمانينيات القرن المنصرم معجزة في تبادل البيانات، لكن الفاكس في عصرنا الحالي أضحى إحدى نوادر الزمن الغابر.

وأقر المسؤولون بأن الأمر كان يستغرق قرابة ثلاثة أيام ما بين اكتشاف حالة من حالات مرض كوفيد-19 والإبلاغ عنها للرأي العام. وكتبت لجنة من الخبراء المستقلين تقريرًا حديثًا بشأن استجابة اليابان لجائحة فيروس كورونا المستجد وخلُصت إلى أن النظام المتبع «أدَّى إلى صعوبة إدراك تفشي العدوى في الوقت الحقيقي على الصعيد الوطني، وتسبب في إرهاق موظفي المراكز الصحية. كما أن أزمة فيروس كورونا المستجد كانت بمثابة هزيمة رقمية لليابان».

وصوَّر الكاتب حال اليابان قائلًا: في كثير من الأحيان، تبدو اليابان وكأنها دولة سارعت منذ عقود لتبني مستقبل مثير ذي تقنية عالية، ثم توقفت بصورة مفاجئة حينما تحول الازدهار إلى إفلاس في تسعينيات القرن الفائت، تاركةً جزرًا معزولة من التقنيات البالية كالبقايا الأثرية العالقة. ومع ذلك، وفي روح من الحنين للأسلاف، لا يزال هناك رمز تعبيري للفاكس.

وجهان لدولة اليابان

ويرى الكاتب أن دولة اليابان لها وجهان، الأول: دولة اليابان التي تتميز بالقطارات السريعة والروبوتات التي تشبه البشر إلى حد كبير، أما الثاني: فدولة اليابان التي تستخدم الوثائق المطبوعة وأجهزة الفاكس التي تُحدث طنينًا في الأذن ولا يزال اقتصادها يعتمد إلى حد كبير على الأوراق النقدية. وتعيش بيروقراطية اليابان بإحدى قدميها، على الأقل، مغروسة في العصر السابق، مع رغبة مترسخة في الحفاظ على أدائها للأشياء وِفق المعتاد دائمًا.

لذلك، عندما حاولت الحكومة هذا العام استبدال نظام الإبلاغ الرقمي عن حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد ليصبح عن طريق استخدام الكمبيوتر، سرعان ما تراجعت الجهود، إذ كان عديد من المستشفيات والمراكز الصحية غير قادر أو غير راغب في التخلي عن استخدام أجهزة الفاكس لإرسال التقارير واستخدام الإنترنت بدلًا من ذلك.

مساع حكومية

وأشار الكاتب إلى أن رئيس الوزراء الياباني الجديد، يوشيهيدي سوجا، يريد تغيير كل هذه الأنظمة، حينما استهدف رقمنة البيروقراطية والمجتمع الياباني بأسره باعتبار ذلك أحد الأولويات الأساسية لإدارته الجديدة، ويهدف رئيس الحكومة إلى وضع الفكرة موضع التنفيذ عن طريق إنشاء هيئة رقمية جديدة.

وقد دشَّن تارو كونو، وزير الإصلاح الإداري في حكومة سوجا، حملة جديدة للتخلص من استخدام أجهزة الفاكس والتوقف عن استخدام المستندات الورقية، إلى جانب إلغاء ختم «الهانكو»، وهو الختم الشخصي المطلوب وضعه على المستندات الرسمية والحكومية بدلًا من التوقيع.

صحيحٌ أن أزمة فيروس كورونا المستجد ربما لم تكن الدافع الأساسي وراء الحملة الحكومية الجديدة، لكنها أكدت على الحاجة الملحة للسير في مسار الإصلاح، وساعدت بالفعل على تشجيع المضي قدمًا نحو تنفيذ بعض التغييرات التي طال انتظارها في ممارسات العمل الحكومي المتصلبة في اليابان.

كوفيد-19 يكشف الخلل

ولفت الكاتب إلى أن ثقافة العمل التناظرية في اليابان أثبتت أنها عائق أساسي أمام العمل من المنزل أثناء الجائحة، إذ اشتكى ما يزيد عن 60% من الموظفين في أحد استطلاعات الرأي من أنهم اضطُروا للحضور إلى المكتب من أجل التحقق من حصول المطبوعات أو المستندات على الختم الرسمي اللازم فحسب.

وتتمثل الخطوة الأولى، بالنسبة لكونو، في خطته للتخلص من ختم الهانكو الذي عفا عليه الزمن، وهو طابع صغير منقوش عليه اسم شخص ويُستخدم في مجموعة هائلة من المستندات، بدءًا من فتح حساب مصرفي وصولًا إلى توقيع عقد عمل. إذ أعرب كونو بعد وقت قصير من توليه منصبه الشهر الماضي في مؤتمر صحفي، قائلًا: «بصراحة، لا أعتقد أن هناك ثمة عديد من الإجراءات الإدارية التي تحتاج بالفعل إلى طباعة الأوراق واستخدام أجهزة الفاكس».

وأضاف: «لماذا نحتاج إلى طباعة الورق؟ لأن الأمر ببساطة، في كثير من الحالات، يلزم وضع ختم الهانكو الرسمي. لذا إذا استطعنا التوقف عن هذه الثقافة، فسيؤدي ذلك بطبيعة الحال إلى الخطوة التالية والتي لن نحتاج فيها إلى المطبوعات وأجهزة الفاكس».

ختم الرفض

وتابع الكاتب قائلًا إنه في أواخر أبريل (نيسان)، بدا هيرواكي ناكانيشي، رئيس اتحاد الأعمال الياباني، أو Keidanren صاحب النفوذ في البلاد، أكثر وضوحًا حينما دعا إلى استخدام التوقيعات الإلكترونية، إذ قال: «إن أختام الهانكو هراء، وينبغي الاحتفاظ بها باعتبارها أعمالًا فنية».

ومع ذلك، لا ينبغي التقليل من حجم المهمة -بحسب الكاتب- إذ وجد استطلاع للرأي أجراه معهد الأبحاث الياباني أنه من بين 55 ألف إجراء إداري يتضمن الحكومة المركزية، يمكن أن يُنجَز منها قرابة 4.000 أو حوالي 7.5% فقط عبر الإنترنت. وبالفعل، حدَّد مكتب الوزير كونو 15 ألف إجراء إداري يلزمه ختم الهانكو، ويهدف مكتب كونو إلى إلغاء أكثر من 99% منها.

ونوَّه الكاتب إلى أن كونو يُواجه بالفعل معارضة من صانعي ختم الهانكو، بالإضافة إلى نواب الحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم العطوفين، الذين قدَّموا التماسًا وصف تصرفات الحكومة اليابانية بــ«المتسرع والمبالغ»، وحظي بدعم الأمين العام للحزب توشيهيرو نيكاي.

وبعد عقده اجتماعًا واحدًا مع جمعية صناعة ختم الهانكو، بدا كونو وكأنه سيتراجع، إذ قال إنه أحب «ثقافة الهانكو»، وأراد المساعدة في الترويج لها، لكنه يسعى لإبعادها عن الإجراءات الإدارية فحسب.

وخلُص الكاتب إلى أنه لن يكون من السهل التخلص من أجهزة الفاكس في اليابان، فقد ازدهرت التكنولوجيا في اليابان في حقبة ثمانينيات القرن المنصرم، ويرجع هذا الأمر جزئيًّا إلى التقدير الثقافي للكتابة اليدوية ولأن لغتها المكتوبة معقدة، إذ تستخدم آلاف الأحرف التي تُكتب بثلاثة طرق أساسية مختلفة.

عدم اعتماد الكمبيوتر مطلقًا

وأبرز الكاتب أن الشركات الصغيرة في اليابان، وليس الشركات الكبيرة، لا تزال تهيمن على الاقتصاد الياباني، ولا يزال عديد من أوامر الطلبات تُرسل عبر أجهزة الفاكس.

وفي هذا الصدد، يقول جوناثان كوبرسميث، الأستاذ في جامعة تكساس «آي آند إم» الأمريكية ومؤلف كتاب عن تاريخ آلة الفاكس: «إن الوضع الأساسي للكتابة هي الكتابة باليد، وتقنية الفاكس تناسب ذلك تمامًا. ويكمن أحد أسباب استمرار وجود طريقة الكتابة هذه في أن هناك جيلًا أكبر سنًا لا يرغب مطلقًا في استخدام أجهزة الكمبيوتر، وأن هناك عديدًا من الشركات الصغيرة التي لم تستخدم أجهزة الكمبيوتر مطلقًا ولم تُضطر إلى ذلك».

وأشار الكاتب إلى أن مبيعات أجهزة الفاكس، التي انخفضت في الولايات المتحدة، نمت في العام الماضي في اليابان بنسبة 6% تقريبًا، بينما توصلت دراسة حكومية استقصائية إلى أن ثلث جميع الأسر اليابانية لا يزال يمتلك أجهزة الفاكس.

الجائحة حينما تصبح فرصة

واستشهد الكاتب في ختام تقريره بما قاله كوبرسميث إن الحكومة اليابانية قد تضطر إلى الانتظار حتى يتقاعد الجيل الأكبر سنًا أو يموت قبل أن تتمكن من تحقيق هدفها بالكامل. لكن يوشيميتسو كوباياشي، رئيس مجلس إدارة شركة ميتسوبيشي كيميكال هولدنجز والرئيس السابق للرابطة اليابانية لمديري الشركات، شدد على أن البلاد بحاجة إلى قوة خارجية كبيرة للتغيير في أغلب الأحيان، ويجب عليها ألا تضيع الفرصة التي وفرتها الجائحة للأسف.

وأضاف كوباياشي خلال مؤتمر صحفي قائلًا: «إن الضرر السلبي جدًّا الذي ألحقته الجائحة باليابان كان بدوره عاملًا محفزًا قويًّا. وإذا فوَّتنا هذه الفرصة، فلن نكون قادرين على القيام بهذا الأمر في المرة القادمة».







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي