تراجع قدرة النباتات على امتصاص الماء يزيد من شدة الفيضانات

2020-10-07

قدرة النباتات على امتصاص الماء انخفضت مع الزمن بسبب ارتفاع نسبة الكربون في الغلاف الجوي (نيدبيكس)

ربط علماء من الولايات المتحدة -في دراسة علمية جديدة- ارتفاع مستوى الكربون في الغلاف الجوي للأرض، بزيادة وتيرة الفيضانات في البلاد.

لكن عامل التأثير الجديد الذي كشف عنه الباحثون غير متوقع، إذ أظهرت نتائج الدراسة التي أجروها أن النباتات أصبحت تمتص كمية أقل من الماء في الظروف الجديدة، مما زاد في كمية المياه التي تصل إلى الأنهار والبحيرات.

فيضانات في ازدياد

ويشهد العديد من مناطق العالم عددا متزايدا من الفيضانات الناتجة عن ارتفاع مستويات الأنهار، كان آخرها تلك التي وقعت مؤخرا في السودان وأدت إلى عشرات الوفيات وتشريد مئات الآلاف، بسبب فيضان النيل الأبيض الذي ارتفع مستواه إلى مستوى قياسي غير مسبوق في التاريخ الحديث.

وعادة ما تنسب زيادة تواتر الفيضانات إلى الاضطرابات التي تحدثها ظاهرة الاحترار العالمي على العوامل الرئيسية للمناخ كالحرارة والرطوبة، لكنه لم يسبق أن تناولت دراسة عامل تراجع قدرة النباتات على امتصاص الماء في ارتفاع مستوى الأنهار في العالم.

وفي الدراسة الجديدة المنشورة في عدد أكتوبر/تشرين الثاني الجاري من مجلة الجمعية الجيولوجية الأميركية (GSA Today)، قارن علماء جامعة أوريغون (University of Oregon) البيانات التاريخية لتركيز ثاني أكسيد الكربون في الجو مع تلك المتعلقة بعينات من أوراق الأشجار، لتحديد العلاقة بين ارتفاع مستويات الكربون والفيضانات الكارثية المتزايدة في الغرب الأوسط الأميركي.

انخفاض قدرة النباتات على امتصاص الماء ساهمت في زيادة وتيرة فيضان نهر مسيسيبي (فليكرز)

نباتات أقل امتصاصا للمياه

وباستخدام بيانات تغطي أكثر من قرنين من الزمان، أظهر الباحثون أنه مع ارتفاع مستويات الكربون في الغلاف الجوي بسبب احتراق الوقود الأحفوري، انخفضت قدرة النباتات على امتصاص الماء من الهواء.

وهذا يعني أن المزيد من الأمطار تشق طريقها إلى الأنهار والجداول، مما يزيد من قدرتها على إحداث أضرار في الفيضانات.

وقام الفريق لهذا الغرض بفحص مسام أوراق شجرة الجنكة (Ginkgo biloba)، وهي ثقوب صغيرة تستخدمها الأشجار ذات الأوراق المتساقطة (أو النفضية) لامتصاص ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي.

وكان العلماء قد لاحظوا في السابق أن كثافة المسام في أوراق هذه النباتات تزيد في البيئات المنخفضة الكربون، حتى تتمكن من امتصاص ما يكفي من ثاني أكسيد الكربون لاستخدامه في عملية التمثيل الضوئي، ولكن في البيئات الغنية بالكربون تتطلب هذه العملية عددا أقل من الثغور.

تلعب هذه الثغور دورا مهما في تنظيم عملية امتصاص النباتات للماء وإطلاق بخار الماء (أو النتح)، فكلما قلّ عدد المسام انخفضت إمكانية النتح. ووجد الباحثون أن كثافة الثغور في عينات الأوراق التي قاموا بفحصها انخفضت بشكل إجمالي بحوالي 29% خلال الفترة من 1829 إلى 2015.

كما لاحظ الباحثون أن هذا الانخفاض أثّر بشكل مباشر على الفيضانات المدمرة التي تحدث بشكل متزايد في الولايات المتحدة، وأكدوا أن الرطوبة الناتجة عن انخفاض الامتصاص لدى النباتات تؤثر على مستوى الأنهار بسبب زيادة كميات المياه فيها، مما يعني أن القطيرات التي لم تعد تمتصها النباتات قد تتحول إلى فيضانات!

الأمطار الغزيرة في وقت قياسي تسببت في فيضانات السودان الأخيرة (فليكرز)

ماذا عن فيضانات السودان الأخيرة؟

ولئن أثبتت هذه الدراسة العلاقة بين زيادة تركيز الكربون في الجو بالتغيرات التي حصلت في زيادة فيضانات نهر المسيسيبي وتراجع قدرة النباتات التي تنمو حوله على امتصاص الماء، فإن لسائل أن يسأل هل كان لهذه العلاقة دور فيما حدث مؤخرا في السودان من فيضانات وارتفاع قياسي في مستوى نهر النيل؟

يقول خبير المياه في مركز الشرق الأوسط لأبحاث تحلية المياه الدكتور جواد الخراز -في حديث للجزيرة نت- إن "من المعلوم أن ارتفاع نسبة غاز أكسيد الكربون تؤدي إلى زيادة في حرارة الجو، تزيد بدورها في وتيرة فترات الجفاف والفيضانات نتيجة اختلال الدورة المائية الطبيعية".

وأضاف الخراز أنه "لا يعتقد أن انخفاض قدرة النباتات على امتصاص الماء هي عامل حاسم في زيادة وتيرة الفيضانات، رغم أن لها تأثيرا نسبيا كما تشير الدراسة".

وفي خصوص فيضانات السودان ودور العامل الذي أشارت إليه الدراسة الجديدة، أكد الباحث المغربي أن "الأمطار الشديدة الغزارة التي هطلت في وقت وجيز، مع هشاشة البنية التحتية، هما السببان الرئيسيان لما حدث. ويتعين القيام بدراسة ميدانية لتأكيد أو نفي دور أي عامل إضافي فيما حدث".

هذا، ويأمل مؤلفو الدراسة الجديدة أن تساهم النتائج التي توصلوا إليها في إظهار الخطر الذي يشكله تغير المناخ والفيضانات المرتبطة به على المجتمعات الزراعية وحمايتها منه.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي