أكاديميون ومثقفون: الجائحة غيرت أساليب التفاعل الإنساني

2020-10-02

الإجراءات الاحترازية خلقت حالة من القلق والتوتر بين الأسر على مستوى العالم

محمد عبدالسميع - الشارقة

ينبّه أكاديميّون ومثقفون إلى ما يتعرّض له الإنسان العربي في ظلّ جائحة كورونا، من القلق النفسي والانشغال الفكري حول الفيروس وتحدياته وسبل تجاوز الأزمة أو معايشتها، فالجائحة ما زالت تشغل حيزاً كبيراً من الاهتمام العام في مختلف المجتمعات، وضمن ذلك، الاهتمام بالآثار النفسية الناشئة عن تعطّل الحياة في وجوهها الاقتصادية والاجتماعيّة والشعور بالعزلة والوحدة.

وما يتبع ذلك من تغيّرات سيكولوجيّة، ترصدها لـ«الاتحاد» نخبة من أهل الفكر والثقافة والاختصاص، في محاولة لتفسير التعامل المجتمعي العربي حيال هذه الأزمة.

خلل التفاعل الإنساني

ويرى أ. د. ثروت الديب، أستاذ علم الاجتماع بجامعة المنصورة، أنّ الأمراض الوبائية التي مرت على البشرية، وخاصةً في المجتمعات الفقيرة، كان لها أثرها الكبير على الجانب الاجتماعي والاقتصادي وأيضاً السيكولوجي على مستوى الأسر والمجتمعات والدول.

ومن التيفوئيد والكوليرا والملاريا، وصولاً إلى كورونا، شكلت الأوبئة صراعاً بين الإنسان والطبيعة من أجل البقاء. والعالم الآن يسعى من أجل البقاء والبحث عن الحلول المناسبة لمواجهة التحديات الصعبة وأثرها الاجتماعي والسيكولوجي، ومن ذلك مثلاً ظاهرة التنمر، التي تكشف عن خلل في التفاعل والعلاقات الإنسانية بين الناس، كما حدث مع بعض المصابين الذين تجرعوا العزلة والإهمال وسوء المعاملة.

الغربة عن الذات

وينطلق د. محمود عبدالله أستاذ مساعد علم اجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية بمصر، من أنّ الفرد يجد نفسه في وجود الآخر، فالآخر بالنسبة لك ولي هو علة الوجود ومصدر كل المشاعر المتشابكة التي تنتابنا. ومن خلال الآخر، نستشعر وجودنا وهويتنا، والفرد يدرك عبر الآخر قيمة الزمن، كتعبير عن تحوله وتطوره، وبقائه حياً ومستقراً، مسكوناً بالخوف أو ممتلئاً بالأمان.

 ولكن د. عبدالله يرى أنّ خطراً كحالة كورونا، قد يُفقد الفرد في محيطه الاجتماعي أهم ما يجعله حياً وواثقاً من البقاء والوجود، موضحاً أنّ الفيروس يخترق الخيط الواصل بين الإنسان وأخيه الإنسان، فيهدم أواصر التقارب، ويشير بيد خفية إلى تلك الفوارق غير المدركة بين كلٍّ منا وغيره، حتى أننا بتنا غير قادرين على التقارب الجسدي الفيزيائي الذي يكسبنا القدرة على التعرف على ذواتنا، وعلى هويتنا، وعلى زمننا.

ولذلك فإن السمة الأبرز في لحظتنا الراهنة هي افتقادنا القدرة على التذكر، وعدم قدرتنا على الوصول إلى أمل واحد يحيي فينا اليقين، ويكسر مشاعر الخوف من المجهول، فإننا ننسى، ونفقد الإحساس بالزمن.

أدب ما بعد كورونا

ويقول د. خالد عبدالغني، استشاري نفسي وإكلينيكي، إنّ علم النفس ينظر لكورونا من اتجاهات ثلاثة: أولها مجال علم النفس الإكلينيكي، إذ يرى في كورونا مثيراً مزعجاً أخرج ما في نفوس بعض البشر من مكنونات سيئة، كالقلق والاكتئاب والفزع والخوف المَرَضِي وغيرها. كما أظهر الجشع المادي لدى بعض التجار وراغبي الثراء السريع.

وثانيها هو علم النفس الإيجابي الذي يعظّم مفاهيم القوى الإيجابية لمواجهة كورونا، مستعيناً بمفاهيم الصحة النفسية والأمل والتفاؤل وحسن الظن بالله والتوكل عليه. والتمسك بحب الحياة وعدم متابعة الأحداث المزعجة، والتحلي بالصبر والصمود لتخطي الأزمة.

والثالث، علم النفس الإبداعي الذي يفسر لنا حالة الوحدة والعزلة، التي من الممكن أن يصاب بها المبدع نفسه، مما يجعل المبدعين منشغلين بإنتاج أدب ما بعد كورونا، مثلما حدث مع أدب الحروب والكوارث والأوبئة الكبرى، وبالتالي فستصبح لديهم، موضوعات إبداعية جديدة يختلط فيها ما هو ذاتي، مع ما هو موضوعي مرتبط بالمجتمع وقضاياه وأزماته.

الانخراط الثقافي

ويرى الدكتور عبدالعزيز المسلم، رئيس معهد الشارقة للتراث، أن الكتاب والمبدعين والفنانين باتوا منخرطين أشدّ الانخراط في فهم هذه الظاهرة والتعامل معها إبداعياً، لتصبح فيما بعد جزءاً أصيلاً من أعمالهم وكتاباتهم، متوقّعاً أنّ هذا الأثر سيكون له مردوده النفسي في أعمال تتفنن في الكتابة عنه، وهو ما يجعل المثقف أمام حالة جديدة يصبح فيها أكثر اندماجاً في جسم المجتمع وانسجاماً مع معاناته، وتخففاً من تنظيراته الفلسفيّة.

ومن هنا يؤكد د. المسلّم حجم الحصيلة النفسية لدى المبدعين والمثقفين، والتي ستكون مادّة خصبة وتعبيرية جداً في الفنون الإبداعية المختلفة. وما بين الفرح بإحصائيّات منخفضة والقلق أمام ارتفاع وتيرة الإصابات، لا يكون أمام المجتمعات إلا التحوّط والحذر واليقين بالله والثقة بإجراءات الدولة.

التوتر الأسري

وترى د. هند فؤاد السيد، مدرس علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية، أنّ الإجراءات الاحترازية التي فرضها الوباء مثل التباعد الجسدي والحظر المنزلي، والشائعات حول الفيروس وأعداد الوفيات وعدم القدرة على التنبؤ بانحساره القريب أو وجود علاج فعّال له حتى الآن، كلها عوامل خلقت حالة من القلق والتوتر بين الأسر على مستوى العالم، وحدث تغير اجتماعي في العديد من المجتمعات.

 وتشير العديد من الدراسات والتقارير إلى أنّ لجائحة كورونا آثاراً اجتماعية أثّرت بشدة في الروابط والتفاعلات الأسرية، حيث زادت معدلات القلق على مستقبل الأولاد وتعليمهم، كما زادت معدلات المشاجرات والعنف أحياناً بين الزوجين، ولذا فإن علينا جميعاً توخّي الحذر عند التعامل مع الأوبئة والفيروسات، بالحفاظ على روابط الأسرة وعاداتها وتقاليدها، والتكيّف بصور مرنة، واستخدام وسائل بديلة لاستمرار الحياة.

 







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي