كيف بدأ وانتشر الإسلام في جنوب أفريقيا مع العبيد والمعتقلين؟

2020-09-07

عبد العزيز أبو بكر

بأقصى القارة الأفريقية، جنوب دولة جنوب أفريقيا تقع كيب تاون الساحلية، تمتد مساحتها المتنوعة على خليط من مجموعة من الجبال الشاهقة التي تحيط بالمدينة إلى جانب محيطين شاسعين يحميانها من عدة جهات، تطل عليها قبور أوائل المسلمين الذين حضروا للمدينة، كشاهد على أول وصولٍ مسجّلٍ لهم في تاريخ البلاد، والذي كان بعد استقرار الهولنديّين بالمنطقة في القرن 17.

وكان وصول للمسلمين تحت إشراف وقيادة شركة الهند الشرقية الهولندية، والتي اتخذت لنفسها في كيب تاون محطة الاستراحة والمرور لسفنها التي كانت تتاجر بين هولندا والهند، واحتاجت الشركة إلى العمالة والعبيد لدعم انتشارها، وساعد احتلال هولندا لإندونيسيا حصول الشركة على مجموعات من السجناء السياسيين والمقاومين والعبيد الذين سجنوا بتهم إثارة الشغب ضد الحكومة الهولندية، فحكمت عليهم المحكمة العليا في باتافيا (جزيرة جاوا الإندونيسية حاليا) بالنفي والجلاء، بحسب ما أشار إليه الصحفي والمؤرخ شفيق مورتن.

المجتمع الإسلامي الأكثر تنوعا

لا يمكن لزائر كيب تاون أن تخطئ عينه جمال وسحر الألوان الزاهية لبيوت حي "بوكاب" (فوق الرأس) الذي يعرف بأنه "حي المسلمين" منذ القرن 18، والذي يقع على سفح جبل "الطاولة" الشهير بالمدينة.

وصل أوائل سكان الحي من إندونيسيا وماليزيا، بالإضافة إلى آسيويين آخرين كانوا عبيدًا. وكان بين الواصلين سياسيون منفيون ومدانون بجرائم، وبينهم أيضا حرفيون مهرة وزعماء دينيون وعلماء نقلوا معارفهم إلى الأجيال الجديدة بجنوب أفريقيا.

ويقول مورتن، إن أول مسلم مسجل في تاريخ جنوب أفريقيا كان إبراهيم باتافيا والذي وصل أسيرا وسجينا سياسيا، ثم تتابع دخول المسلمين، وكان أغلبهم أسرى ومعتقلين سياسيين وكانوا ممنوعين من إظهار دينهم أو دعوة الآخرين إليه.

وأكد أيضا أن المسلمين الذين وصلوا جنوب أفريقيا عبيدا لم يأتوا فقط من إندونيسيا لكن من غرب شمال أفريقيا، ومدغشقر، وسيريلانكا، إضافة إلى الهند، مضيفا أنه في فترة متأخرة من الاحتلال البريطاني كان أكثر من 50% من السكان المسلمين من الأفارقة.

وقال مورتن إن شيوع التبرك و"الكرامات" في مدينه كيب تاون دليل على وجود العلماء وأثرهم الإيجابي على المجتمع المسلم وغير المسلم، وقبورهم ما تزال موجودة ومعتنى بها للتذكير بتاريخهم ومحطات حياتهم.

التنوع بمواجهة الاحتلالات

يقول إبراهيم رسول، محافظ مدينة كيب تاون سابقا والسفير السابق لجنوب أفريقيا لدى الولايات المتحدة، إن أفواج المسلمين الذين أبعدوا من إندونيسيا لكيب تاون تتالت بعدها وصولا للشيخ سيد محمود، ومَن معه من أفراد عائلته وأصحابه.

وكان محمود صاحب الطريقة الصوفية من أسرةٍ ذات حَسَب ونسب في إندونيسيا، ولهذا لم يُسجن، لكنه نفي بعيدا عن المدينة، إذ كان يكفي في نظر الهولنديّين نفيه من وطنه حيث كان يهدّد حكمهم فيه، ومع ذلك ظلّ تحت مراقبتهم. ومن هنا بدأت النشأة الأولى لمجتمعٍ إسلاميٍّ في جنوب أفريقيا.

وعاد رسول ليقول إن الإمام عبد الله بن قادر بن عبد السلام الصوفي، الذي كانت له مساهمة في النضال ضد الاحتلال الإنجليزي، سجن في نفس جزيرة روبن التي نفي إليها الرئيس الراحل نيلسون مانديلا، وكتب القرآن بخط يده فيها أيضا.

وبعد عقود طويلة كان رسول نفسه واحداً من المناضلين ضد نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، وشارك في الكفاح ضد "الأبارتهايد" وهو ما قاده إلى السجن والإقامة الجبرية قبل انهيار النظام العنصري عام 1993، حيث أصبح مستشاراً خاصة لمانديلا فيما بعد.

ويذكر أن أول انتخابات ديمقراطية حقيقية في جنوب أفريقيا، والتي فاز بها مانديلا، انعكست إيجابا على المجتمع المسلم بحيث بدأ المسلمون يأخذون حقوقهم السياسية والاجتماعية، وصار نفوذهم وتأثيرهم يمتد أكثر في نسيج المجتمع، تقديرا لمشاركتهم وتضحيتهم في النضال ضد الاحتلالات حقبة ستينيات وسبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، ومؤخرا ضد النظام العنصري.

وهو الأمر الذي انعكس على الثقل النسبي للمكون الإسلامي، ولا سيما من الهنود، في أول تشكيل حكومي في أعقاب التحول الديمقراطي بجنوب أفريقيا عام 1994، حيث أوضح رسول أن الوزارة ضمت أكثر من 4 وزراء من المسلمين، وكان هناك نحو 10 سفراء من المسلمين يمثلون بلادهم في الخارج.

وأضاف محافظ كيب تاون سابقا أنه تم إقرار بعض تشريعات الأحوال الشخصية الخاصة بالمسلمين، والمستمدة من الشريعة الإسلامية.

رحلة ازدهار في الكيب

وبحسب مؤرخين فقد ساهم المسلمون الأوائل بشكل كبير في تشكل نسيج المجتمع المسلم وغير المسلم الجنوب أفريقي منذ بداية دخول الإسلام ومن ثم انتشاره، وحتى مرحلة مناهضة الاحتلالات وأنظمة الفصل العنصرية التي مرت على البلد.

وكان من أبرز رموز مرحلة النضال، مع أهالي البلاد، الإمام عبد الله هارون الذي وُلد عام 1924 بالأحياء الجنوبية لكيب تاون، وسافر إلى مكة المكرمة لتلقّي العلوم الإسلامية. ويُعدّ أحد رموز النضال الإسلامي ضدّ نظام التفرقة العنصرية، بحسب ما أشار إليه قاسم خان مدير مؤسسة الإمام هارون.

وأوضح خان، أن مشاركة المسلمين بجنوب أفريقيا، في حركة النضال ضدّ الفصل العنصري، قد تجاوزت حجمها، من حيث كونها أقلّية بالدولة، لكن أثرها كان عظيما بحيث أنك لا تجد عنفا ضد المسلمين وتفرقة لهم، في الوقت الحاضر، احتراما وتقديرا لعملهم، ولأن الصورة التي قدموها للمسلمين كانت غاية في النبل، بحسب ما أشار إليه.

هذا ويحظى المسلمون بوجود سياسي مؤثر على صعيد القضايا الإقليمية والدولية، إضافة إلى مشاركتهم الفاعلة، ومن ذلك دور الجالية المسلمة الواضح في قمة الأرض، وتفاعلها للتصدي لمشاركة إسرائيل فيها، الأمر الذي دفع الولايات المتحدة للانسحاب تضامنًا مع تل أبيب، حيث استطاع المسلمون، بالتعاون مع الجمعيات المناوئة للتمييز العنصري، تنظيم المظاهرات المناهضة لإسرائيل وأميركا، والمؤيدة للقضية الفلسطينية، أثناء القمة.

وتكرر الأمر في الموقف الذي اتخذته الجالية الإسلامية من قانون مكافحة الإرهاب، حيث أكَّدت العديد من المنظمات الإسلامية رفضها للقانون، واعتبرت مثل هذه التشريعات ليست فقط غير ضرورية، بل إنها تهدد الحريات الأساسية التي ناضل من أجلها مناهضو نظام الفصل العنصري طويلًا، وأنها انصياع بشكل كامل للضغوط الأميركية.

وقد شارك المسلمون بالحكومة الاتحادية الحالية بوزراء ونواب وعدد من السُفراء، وكان الدستور قد عدل في وقت سابق لتصبح بموجبه البلاد مُتعددة الأديان، وليست مسيحية كما كان الحال في السابق.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي