ذاكرة وطن "اليمن الديمقراطية الشعبية"علي ناصر محمد يؤرخ لجمهورية كان رئيسها

2020-08-18

مذكرات علي ناصر محمد عن دولة كان رئيسها

محمد الطيب

جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية أو اليمن الجنوبي، الدولة ذات التوجهات الاشتراكية التي أصبحت عضواً في الأمم المتحدة في الثلاثين منذ نوفمبر 1967 ، والتي تمتد في المحافظات الجنوبية والشرقية لليمن الحالي، قبل أن تتحد مع الجمهورية العربية اليمنية لتشكل الجمهورية اليمنية في 22 مايو 1990.

وبغض النظر عن تجربة ” جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية” وتقييمها سواء من الجوانب السلبية أو الإيجابية، إلا أن المتفق عليها أن ذاكرة الجمهورية يعيدنا إلى حالة غرائبية فالكثير من الدول ولدت بعد نهاية الحرب الباردة من التقسيم أو الانفصال داخل النظام الدولي، بينما لم تتلاشَ جمهورية اليمن الديمقراطية سياسياً وحسب، وإنما تلاشت كبنى مجتمعية وثقافية وسياسية واقتصادية.

 

يسلط كتاب ذاكرة وطن ” جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية” الضوء على تجربة الجمهورية، من خلال استعراض نماذج مشرقة من الإنجازات في مجالات التعليم والقضاء على الأمية، و القضاء على البطالة في أوساط الشباب.

ولدت ” جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية” في قلب الجزيرة العربية، مشكلةً تجربة فريدة في محيط صلد من العادات والتقاليد الراسخة تاريخياً، إلا أنها استطاعت ولأسباب تاريخية ميزتها كبقعة ظلت نموذجاً للبحث عن كل ما هو جديد، منذ الهجرات الحضرمية الأولى إلى جنوب شرق آسيا، وانتهاءً بالبعثات العلمية لأبنائها إلى بريطانيا، وهي التراكمات التاريخية التي أسست لـ ” جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية”، التي استطاعت – في مراحلة من مراحل الحرب الباردة- أن تمزج بين الاشتراكية والخصوصية الجنوبية والعربية انطلاقاً من خصوصيته وظروفه، كما تقوم الصين اليوم بالمزج بين الاشتراكية والخصوصية الصينية.

يسلط كتاب ذاكرة وطن ” جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية” الضوء على تجربة الجمهورية، من خلال استعراض نماذج مشرقة من الإنجازات في مجالات التعليم والقضاء على الأمية، و القضاء على البطالة في أوساط الشباب، ودفع عجلة التنمية بالتركيز على العلم والبعثات العلمية، وكذلك في مجال الصحه حيث انتشرت المستشفيات والمراكز الصحية.

وحصلت المنتوجات الصناعية علىالعديد من الجوائز في المعارض الدولية، وهي السياسات التنموية التي أعطت الولاء للدولة والمؤسسة وسلطة القانون على حساب النعرات القبلية، الأمر الذي أرسى لأول تجربة لانتخابات حرة في الجزيرة العربية.

لم يُقدر لتجربة ” جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية” النجاح أو الاستمرار، لأسباب داخلية يستعرضها المؤلف في كتابه، وهي التجاذبات التي حاول أن ينأى بنفسه عن شخصنتها أو تقييها سلباً أم إيجاباً، محاولاً إبراز التجربة كنموذج وصفحة فريدة من تاريخ المنطقة.

ولعل تداعيات ما بعد تلاشي التجربة، يثبت ما يريد قوله المؤلف، منذ وحدة 22 مايو 1990، حيث شهدت مناطق ” الجمهورية البائدة” انقلابات بنيوية على كل الصعد السياسية والاقتصادية والثقافية والمجتمعية، فالدولة التي اشتُغل عليها لأن تكون نموذجاً لدولة مدنية ديمقراطية، تحولت في مراحل من حكم الرئيس علي عبد الله صالح واستحكام الصراع في اليمن إلى عاصمة من عواصم تنظيم القاعدة، وقلب للصراع المستحكم في الجزيرة العربية والخليح العربي. تعود ” جمهورية اليمن الديمقراطية ” اليوم بذاكرة رئيسها الذي

حكمها بين أعوام 1980 – 1986، قبل أن يخلفه في المنصب الرئيس علي سالم البيض، الذي أنجز مع علي عبد الله صالح في العام1990 الوحدة بين الدولتين، وهي الوحدة التي باءت بالفشل وأدت إلى اندلاع حرب مدمرة دفع ثمنها الشعب اليمني.

يستحضر الرئيس علي ناصر محمد في مذكراته وقائع وأحداثاً في تاريخ جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، تاركاً الباب مفتوحاً للقارئ ليحدد إيجابيات وسلبيات التجربة، مستفيداً من الماضي كواقعة ومعنى، ومحاولاً رسم معالم المستقبل من خلال تجربة ( ربما) أصبحت من الماضي، ومخاطباً القارئ فيقول: ” ربما تولّد لديها انطباع قوي بأنّ تجربة اليمن الديمقراطية لم تكن سوى صراعات عنيفة من أجل السلطة أو في سبيلها، وأنّ صفحات هذه التجربة لاتحمل ما يمكن الاعتزاز به، فضلاً عن أنْ ليس في تقديمها ما يمكن الاستفادة منه والتعويل عليه أو التفاؤل به”.

يؤرخ المؤلف لجملة من المواقف التي تمتزج بروح النضال والانكسارات، والعمل على بناء دولة حاولت أن تكون أنموذجاً مدنياً حضارياً في قلب الجزيرة العربية ، حيث تمتزج هذه الرؤى بالكثيرمن الأحداث المأساوية بدءاً من توغل الذاكرة في الشخصيات والأمكنة، و تسليط الضوء على أحداثها مرحلة مرحلة واسماً اسماً.

مذكرات علي ناصر محمد عن دولة كان رئيسها، لها دلالات كبيرة حين يتحدث الماضي بلسان من عاصره، من خلال استحضارالتاريخ كواقعة تحاول أن تمد جسراً من الحاضر إلى المستقبل.

الحديث عن جمهورية كان اسمها ( جمهورية اليمن الديمقراطيةالشعبية)، يستحضر الكثير من الرؤى والأفكار حين يأخذ الجيوبوليتك إلى وقائع مازالت تعيد استنساخ معنى التاريخ، الذيوإن اعترف لنا – في مرحلة قصيرة من عمر الزمن- بدولتين تتجاوران جغرافياً، لكن الوقائع أثبتت تباعدهما – كعقل جمعي- سياسياً، واجتماعياً، وثقافياً،وعلى أقل تقدير منذ سقوط الدولة العثمانية حيث حصل الشمال على الاستقلال فكانت البداية لحكم الإمامة، في الوقت الذي ظل فيه الجنوب – وخاصة مدينة عدن – تحت سيطرة بريطانيا، وهي السيطرة الممتدة منذ العام 1839.

قراءة كتاب “جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية 1967-1990″، يشي ما بين السطور بتجربة فريدة وخصوصية لشعب يبحث عن سلام مستدام، يتجاوز من خلاله حالة الاضطراب التي تعصف باليمن الحالي .. وربما أراد الرئيس علي ناصر محمد أن يقول ذلك.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي