بروتوكولات تاريخية إسرائيلية

تل أبيب خططت لتهجير فلسطينيين للبارغواي وللعريش

2020-08-12

كشفت الإذاعة الإسرائيلية العامة النقاب عن أرشيفات تفضح مخططا إسرائيليا لتهجير عشرات آلاف الفلسطينيين للبارغواي والعريش لم يخرج لحيز التنفيذ بعدما مني بفشل، معتبرة “الصفقة” فضيحة أخلاقية لأن حكومة البارغاوي كانت تمنح الرعاية لمجرمين نازيين منذ الحرب العالمية الثانية.

وحسب هذه المحاضر التاريخية فقد رأت إسرائيل نفسها بعد احتلال 1967 أنها تحولت لإمبراطورية بعدما تضاعفت مساحتها وبلغت مشاعر عزتها القومية ذروتها لكنها واجهت تحديا كبيرا يتمثل بتعداد الفلسطينيين داخلها الذي تضاعف ثلاث مرات في أسبوع واحد. على خلفية ذلك تمت بلورة مخططات تهجير جديدة داخل مكتب رئيس حكومة الاحتلال ليفي أشكول إحداها تقضي بنقل عشرات آلاف الفلسطينيين إلى البارغاواي ومخطط فاشل آخر لنقل فلسطينيين من قطاع غزة للضفة الغربية.

ومن بين الأسئلة التي أقلقت حكومة الاحتلال بعد 1967: هل تسمح للعمال الفلسطينيين بالعمل في إسرائيل؟ وهل تسمح بإقامة مصانع جديدة لأجل الفلسطينيين في الضفة وغزة؟ وكيف يمكن ضمان عدم منافسة العمالة الفلسطينية للمصانع الإسرائيلية؟ والأهم كيف تضمن عدم تبعية إسرائيل للعامل الفلسطيني؟ وتقول الإذاعة العبرية إن القلق المبرر كان أن تفتح أبواب الشرور من غزة المزدحمة حيث أقام نحو نصف مليون فلسطيني في غزة منهم 60 ألفا تمتعوا بحرية الحركة داخل المناطق التي “تركوها” عام 1948. وتقول أيضا إن “حكومة غولدا مئير كما حكومة ليفي أشكول كانت تأمل أن تؤدي السيطرة على الضفة وغزة إلى اتفاق سلام وحلّ قضية اللاجئين الفلسطينيين لكن مصر والأردن لم تسارعا لمصافحة اليد الإسرائيلية الممدودة للسلام”.

وتكشف الإذاعة العبرية أنه من بين مخططات “تسوية قضية اللاجئين” وقتذاك بتوطين نحو 50 ألف فلسطيني في بلدة زراعية تقام داخل منطقة العريش في سيناء. وتتابع: “لكن لجانب الأفكار المعلنة تمت دراسة خطة أخرى ظلت سرا حتى اليوم وتقضي بنقل 60 ألف فلسطيني لبارغواي في أمريكا الجنوبية”.

وتشير لاجتماع عقدته في مايو/أيار 1969 لجنة الوزراء الخاصة بـ”المناطق المدارة” (الضفة الغربية وغزة المحتلتين) وتباحثت بخطة طرحها الموساد برئاسة تسفي زمير بعد اتفاقه مع سلطات البارغواي. وفي الاجتماع المذكور تقول غولدا مئير إن “الزملاء هنا يذكرون ولا بد تداولنا في السابق بإمكانية هجرة عرب للبرازيل ووقتها اقترحنا على تسفي زمير إرسال مندوب عنه يفعل ما ينبغي لاستيضاح هذه الاحتمالية ويعود لنا بتفاصيل ونتائج، والآن هو يستطيع إطلاعنا على ذلك بعد استيضاحه وعلينا اتخاذ قرار ومهم جدا أن يكون بالإجماع”.

بارغواي مستعدة

ضمن جوابه قال زمير إن بارغواي مستعدة لاستيعاب 60 ألف فلسطيني من المسلمين غير الشيوعيين خلال أربع سنوات مقابل تنفيذ إسرائيل شروط معينة. وكشف زمير عن اتفاق مكتوب وقعه مندوب إسرائيلي وقنصل البارغواي في الأرجنتين وتشترط حكومة باراغواي في المقابل أن تسدد إسرائيل النفقات المنوطة بـ”نقل المهاجرين بالطريقة التي نريد”. وتابع زمير: “غير أن المشكلة التي ينبغي أن نحسم أمرنا فيها هي ليست فقط تسديد 350 ألف دولار تطالب بها البارغواي الآن بل علينا اتخاذ قرار حيال خطة تكلف 20-30 مليون دولار خلال سنوات لحل جزء من المشكلة لأن الحديث يدور عن 60 ألف فلسطيني”.

نظام استبدادي إجرامي

وحسب المحاضر التاريخية يوصي زمير بالتعامل مع الترتيبات المذكورة مع حكومة البارغواي لتكون القسم الأول من خطة تهجير فلسطينيين، وكشف أن رئيس البارغواي بنفيه وافق على الخطة لكنه تحفظ من الجانب المالي فيها وأضاف: “لدينا انطباع بأن النظام الحاكم في بارغواي منذ 20 عاما سيستمر ولن يشهد تغيرات وبحال صدقت تقديراتنا فإن الخطة قابلة للتنفيذ”.

وتستذكر الإذاعة أن النظام الحاكم في بارغواي في تلك السنة (1969) كان استبداديا ويقود بيد حديدية الفاردو ستروسنر وهو من أصول ألمانية ووالدته محلية وسبق أن بلغ سدة الحكم في انقلاب عسكري عام 1954 ولاحقا توّج بلقب مريب: “الدكتاتور الأقدم في تاريخ أمريكا الجنوبية”.

وخلال مدة حكمه قاد الفاردو ستروسنر سياسة داعمة دون قيود للولايات المتحدة مقابل دعم سخي ولم يتردد في قمع مناهضيه فكان مسؤولا عن قتل آلاف المواطنين ولعمليات تعذيب وقتل أطفال من قبيلة “هاتشي”. وتشير الإذاعة العبرية أيضا لاعتداء ستروسنر على الأطفال ومحافظته على علاقات طيبة مع إسرائيل وسوريا ولبنان فيما كابدت بلاده أزمة اقتصادية خانقة وكانت بحاجة للأموال التي عرضتها إسرائيل.

وحسب المحاضر التاريخية تسأل غولدا مئير: ماذا يحدث لو نجحنا في النبضة الأولى بنقل 10 آلاف فلسطيني ولا نجد مرشحين إضافيين للهجرة؟ ويرد عليها رئيس الموساد زمير بالقول: “عندئذ سنتوقف عن الدفع. حاولنا التوصل لإجراءات دبلوماسية مرتبة مثلما حاولنا التوصل لاتفاق خاص بموضوع الطائرات وغيرها، وحسب تقديراتنا سيكلفنا ذلك نحو 550600 دولار للفرد الواحد يشمل الـ33 دولارا لحكومة البارغواي عن كل مهاجر. لدينا أساس نرتكز عليه للتوصل لاتفاق مع شركة الطيران “واريج” التي تتولى سفرات “تشارتر” فيما سيكون الاتفاق مع حكومة البارغواي خطيّا ولم ندخل بالتفاصيل بعد. في البحث عن طرق للهجرة استصعبنا العثور على إمكانيات هجرة حتى تشكلت حالة يريد بها العرب الهجرة من البلاد. لا أعتقد أن البارغواي قادرة على استيعاب آلاف كثيرة من المهاجرين في فترة قصيرة لكنها مستعدة لمواءمة ذاتها لاستيعاب 60 ألفا في نطاق أربع سنوات وهذا رقم ليس قليلا”.

الخوف من الفضيحة

وطبقا للإذاعة العبرية التي تتحاشى عادة كشف مثل هذه المواد الحساسة فقد انشغلت حكومة الاحتلال وقتها بالسؤال كيف يتم إخفاء خطة التهجير هذه وماذا تفعل بحال فضح أمره؟

ويقترح رئيس الموساد تسفي زمير بهذا المضمار إعادة كل مجموعة فلسطينية للبلاد بحال لم تستوعب في البارغواي كي لا يتم إحباط كل مخطط الهجرة ويتابع: “لكن الاتفاق مع البارغواي لا يتضمن هذا البند ولكن ربما يكون من الأفضل استعادة أي مجموعة فلسطينية تفشل عملية استيعابها هناك بحال تعرضنا لفضيحة وذلك كي نمنع تبلور حالة تحول دون استمرار تطبيق خطة نقل مهاجرين إضافيين لكن الاتفاق لا يلزم بذلك”.

وعلى ذلك عقبت غولدا مئير بالقول إنه بحال طاب للفلسطينيين العيش في البارغواي فسيبقون هناك وبحال كان العكس فلن تسمح لهم بالعودة وتابعت: “ونحن أصلا لن نسمح لهم بالعودة لغزة ولذلك بالطبع يمكن إتمام صفقة”. وتنوه الإذاعة بهذا السياق أن كل من شارك في هذا الاجتماع وافق على مبدأ الصفقة بمن فيهم نائب رئيس الحكومة أيضا يغئال ألون. وحسب المحضر التاريخي الإسرائيلي يقرر أعضاء اللجنة المصادقة على المخطط وفق الترتيب التالي: تتحمل حكومة إسرائيل نفقات نقل “المهاجرين” للبارغواي وتمنح كل مهاجر 100 دولار لتغطية نفقات معيشية أولية وتدفع لحكومة البارغواي 33 دولارا عن كل واحد منهم ومع توقيع الاتفاق تدفع 350 ألف دولار مقابل استيعاب 10 آلاف مهاجر.

وحتى الإذاعة الإسرائيلية تقول إن معاينة هذه المحاضر تثير معضلات أخلاقية غير بسيطة تتعلق بمحاولة حكومة الاحتلال (كانت حكومة وحدة وطنية برئاسة حزب “مباي”) مجابهة مشكلة قطاع غزة وتتابع: “لكن هناك بعد يثير قلقا أكبر: منذ الحرب العالمية الثانية تحولت البارغواي ملجأ معروفا لمجرمين نازيين وعلى رأسهم طبيب معسكر الموت جوزيف مانغلي”.

وتتساءل الإذاعة العبرية كيف أتمت إسرائيل صفقة مشبوهة كهذه؟ كذلك يثير الجدول الزمني برأيها علامات استفهام وتقول إنه حتى 1968 عملت إسرائيل لضبط مجرمين نازيين في دول أمريكا الجنوبية وكرست موارد كثيرة لهذا الغرض وتابعت: “منذ دخوله لمنصبه اعتقد رئيس الموساد تسفي زمير أن موارد الموساد فقيرة وبموافقة رئيس الحكومة ليفي أشكول تقرر تقليص الميزانيات المخصصة لملاحقة المجرمين النازيين والتمحور بملاحقة المجرمين البارزين منهم، ومعنى هذا القرار العملي كان وقف اصطيادهم في أمريكا الجنوبية منذ 1969. وكانت هذه السنة التي وقعت خلالها اتفاقية لتهجير 60 ألف فلسطيني مع أحد الأنظمة المتماثلة جدا مع المجرمين النازيين”.

لو علم الناجون من المحرقة

وترجح الإذاعة العامة أنه لو كشف النقاب عن هذه القضية وقتها لكانت قد أثارت احتجاجا لدى الناجين من المحرقة لأنهم كانوا يعلمون أن البارغواي شكلت ملجأ للنازيين. وترى الإذاعة العبرية أن تزامن وقف مطاردة المجرمين النازيين في البارغواي وتوقيع إسرائيل اتفاقا معها حول تهجير الفلسطينيين توقيت مريب يشي بوجود علاقة بين الأمرين.

وتعزز الإذاعة رؤيتها بالعودة لتصريحات سفير إسرائيل في البارغواي بنيامين ورون للتلفزيون الألماني عام 1971 وفيها قال إنه على علم بإلغاء مخطط عسكري إسرائيلي لإلقاء القبض على جوزيف مانغلي. وتابع وورن وقتها: “كلما كنت أجري اتصالات مع السلطات المعنية في إسرائيل كان يقال لي إن مهمتي هي القيام بوظائف دبلوماسية وليس صيادا للمجرمين النازيين”. وتتساءل الإذاعة العبرية على خلفية ذلك هل امتنعت إسرائيل عن السعي للقبض على مجرمين نازيين في البارغواي مقابل خطة تهجير فلسطينيين؟ وعن ذلك تقول: “هذا سؤال مفتوح”.

فشل ذريع

أما مخطط تهجير الفلسطينيين فقد مني بفشل ذريع فقد تم تهجير فلسطينيين في الدفعة الأولى عام 1969 وكان قد نقل 30 فلسطينيا فقط من بين 60 ألفا وفق المخطط الأصلي، منوهة أنهم سرعان ما وجدوا أنفسهم بلا نقود وبلا وثائق سفر وتضيف: “عاد فلسطينيان للعاصمة أسونسيون وبحوزتهما مسدس وطالبا بالنقود التي وعدا بها وبمقابلة السفير الإسرائيلي، وعندما همت سكرتيرة السفير عدناه بئير للتحدث هاتفيا مع السفير ظن الاثنان أنها تخابر الشرطة فقام أحدهما بإطلاق النار عليها وقتلها وأصاب موظفة أخرى بجراح، ولاحقا زعمت إسرائيل أن حركة “فتح” نفذّت عملية تخريبية لكن تحقيقا صحافيا أثار شبهات حول صدقية الرواية الإسرائيلية الرسمية، ومن جهتها نفت “فتح” أي صلة لها بالحادثة.

وتستذكر الإذاعة العبرية أن إسرائيل لم تطالب بتسلم الفلسطينيين اللذين حكم عليهما بالسجن لثماني سنوات ونتيجة لها كشف النقاب عن الصفقة بينها وبين البارغواي وتوقفت لكن تفاصيلها لم تنشر من قبل. وخلصت الإذاعة العبرية للقول إن هذه الصفقة بين إسرائيل وبين البارغواي ستبقى تذكر بصفتها فشلا أخلاقيا قياديا تسبب بمقتل إسرائيلية وإصابة زميلة لها وتابعت: “الصفقة التي أعدّت لتسوية مشاكل حقيقية كالبطالة في الضفة الغربية وتهديدات أمنية تمت في الواقع مع نظام إجرامي منح المجرمين النازيين ملجأ وهي صفقة ساهمت على ما يبدو في إبقاء المجرم النازي الأكبر جوزيف مانغلي طليقا”.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي