..تحفة قصر البارون المعمارية تفتح أبوابها للزائرين

2020-07-24

قصر مهيب يحمل من السكون والغموض ما جعل وصف "بيت الأشباح" هو الأنسب له، بعد أن نسج المصريون عشرات الروايات حول القصر المسكون الذي تصدر منه أصوات الصراخ بلغات غريبة ليلا وأثاث يتحرك وحرائق تطفأ دون تدخل بشري، ليحل الصمت مع طلوع الصباح.

لم يكن قصر البارون أبرز معالم حي مصر الجديدة العريق بالقاهرة فحسب، وإنما كان تحفة فنية تاريخية شاهدة على تاريخ اكتشاف العاصمة المصرية من زاوية أخرى، إذ كانت "مصر الجديدة" أو "هليوبلس" مجرد قطعة أرض صحراء لم يطأها أحد من قبل، فالتفت إليها الملياردير والمهندس البلجيكي إدوارد إمبان، الذي حمل لقب "البارون" في نهاية القرن التاسع عشر تقديرا لجهوده في تشييد خطوط السكة الحديد في بلجيكا وفرنسا وتأسيس مترو باريس.

ظل قصر البارون مظلما يعاني من الإهمال منذ عقود، حتى أعلنت وزارة الآثار المصرية في نهاية يونيو/حزيران الماضي إعادة فتحه للجمهور، بعد ترميمه بتكلفة قدرت بـ175 مليون جنيه (نحو 10.9 ملايين دولار)، وذلك بالتعاون مع السفارة البلجيكية بالقاهرة.

ومع بدء القصر العتيق في استقبال جمهوره، أراد الزوار تحدي مخاوفهم من ذلك البناء الغامض، أو اكتشاف روعة تصميمه الفريد عن قرب، لا سيما بعد إعادة ترميم التماثيل والأجزاء التي تعرضت للكسر خلال العقود الماضية، وأتاحت الحكومة المصرية للزائرين دخول القصر بتذكرة قيمتها 20 جنيها فقط (1.25 دولار تقريبا)، ويسمح بالتصوير مجانا من الهواتف المحمولة، وبتذكرة بقيمة 50 جنيها للتصوير (نحو 3 دولارات) بكاميرا خاصة.

ينقل القصر الذي تمتد مساحته لنحو 12.5 ألف متر مربع الزائرين إلى جولة عبر تاريخ حي مصر الجديدة، حيث يظهر بلونه البني المائل للحمرة المختلف عن العمارة المصرية المألوفة، وبمجرد الدخول من البوابة تظهر عربة قطار كانت تتبع سكك الحديد إبان القرن الماضي، بجانب مجموعة من العربات القديمة بالحديقة الخارجية للقصر.

ولا يمكن إغفال الزخارف والتماثيل المتنوعة على طراز العمارة الهندوسية والكمبودية القديمة والتي تضفي على القصر قدرا من الغموض، واستخدم المرمر والرخام الإيطالي والزجاج البلجيكي البلوري، مما يزيد من جمال المكان.

تاريخ القصر:

لم يكن المليونير والمهندس المخضرم إمبان يعرف أن رحلته إلى مصر ستخطف قلبه ليقع في حب القاهرة، ويقرر أن يقضي بقية حياته بها، بل يوصي أن يدفن فيها إن توفي في أي بلد آخر.

الصدفة وحدها دفعته إلى تلك البلاد، فمن الهند جاء رجل الأعمال لينقذ إحدى صفقاته في تشييد السكك الحديد بمصر، لكن بمجرد استقراره فيها، قرر أن يصبح لديه مشروع آخر، وهو تشييد مدينة جديدة في إحدى ضواحي القاهرة، التي استهدف موقعها لتصبح مدينة الفخامة والرفاهية، وشيد قصره في مركزها ليكون شاهدا على إنجازه في تحويل الصحراء إلى حضر.

يتشابه القصر الذي شيده البارون إمبان مع معبد أنكور وات في كمبوديا ومعابد أوريسا الهندوسية. وخلال وجود إمبان بمصر كلف كلا من المعماريين الفرنسيين ألكساندر مارسيل الذي صمم القصر، وجورج لويس كلود الذي شارك في الزخرفة للقصر الذي خرج للنور بعد 5 أعوام من البناء عام 1911.

أما عن الأساطير التي تنسج حول القصر، فليس لها أي دليل، إذ لم تقتل ابنة البارون إمبان ولم تنتحر شقيقته، حيث لم ينجب سوى ولدين، ولم تكن له شقيقة تدعى هيلينا التي يزعم أصحاب تلك الأساطير انتحارها من برج القصر، كما لم يثبت تاريخيا أي من الروايات حول إصابة إمبان نفسه بالصرع، بل توفي بسبب مرض السرطان.

جولة داخلية:

بالنظر إلى داخل القصر، تظهر البراعة المعمارية التي تؤكد أن موقع القصر وطريقة بنائه لم يكونا عشوائيين حيث تم تشييده بحيث تدخل الشمس إلى جميع أنحائه ويتكون من "بدروم" وطابقين، كل طابق به سبع غرف ومجموعة من الصالات التي تحتوي على تحف وتماثيل هندية وإغريقية كان قد أحضرها البارون إمبان معه لمصر، بجانب ساعة أثرية قديمة، يقال إنه لا يوجد مثيل لها سوى بقصر بكنغهام في لندن حيث توضح الوقت بالشهور والسنوات وأيضا بالأيام والساعات والدقائق.

ويعتبر برج "دوار دارت" من أبرز ما يتسم به القصر، وصمم بشكل أسطواني على قاعدة متحركة تجعل البرج يدور كل ساعة ليتيح لمن يوجد على البرج مشاهدة القصر وتغيير اتجاهات النظر من داخل القصر إلى خارجه.

ولعل تلك العوامل الجمالية كانت سببا في حضور جماهيري كبير منذ افتتاح القصر، رغم القيود المفروضة بسبب تفشي فيروس كورونا، حيث تنفد التذاكر المخصصة يوميا (900 تذكرة) بحسب وزارة الآثار المصرية، مما أجبر الوزارة على مدّ مواعيد فتح وغلق القصر بصورة يومية.

وتعرضت محتويات القصر الثمينة للسرقة قبل سنوات، إذ كان يتضمن لوحات جدارية وتماثيل مذهبة ومرايا بلجيكية، كما يشاع أن تصميم القصر يضم غرفا تحت الأرض ونفقا يؤدي إلى ضريح البارون إمبان في الكاتدرائية الكاثوليكية القريبة منه.

جدول الترميم:

يذكر أنه على الرغم من محاولات تجميل القصر باعتباره مشروعا يضاف للمشاريع القومية التي يتم افتتاحها، فإن هذا لم يمنع عنه الكثير من الجدل بسبب طريقة ترميم القصر وتغيير شكله واختيار ألوان مختلفة عن لونه الأصلي، وانقسمت الآراء ما بين مؤيد ومعارض.

وحول ذلك، ذكر طارق المري الخبير المعماري والمهندس الاستشاري المتخصص في ترميم الآثار، في منشور عبر فيسبوك، إن هناك انتقادات من معماريين للون القصر نظرا لأنه مختلف تماما عن اللون الذي تعودت عليه أعينهم وهو اللون "البيج" الداكن، ولضبط اللون ستتم إعادة بياض ودهان الواجهة باللون الجديد "لتبدو" قديمة، وهذا البديل في عرف الترميم يسمى تزويرا متعمدا لوثيقة تاريخية ألا وهي المبنى.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي