تسلق القمم السبع وإفريست.. إريك واينماير الضرير الذي ألهم العالم

2020-07-07

نسرين عزالدين

منذ قيام كل من إدموند هيلاري وتينسينغ نو غاري بالوصول إلى قمة إيفرست في العام ١٩٥٣ وجميع عشاق المغامرة يتنافسون لتحقيق لقب «الأول» في مجال ما على هذا الجبل. ولكن في العام ٢٠٠١ حقق إريك واينماير إنجازاً غير مسبوق عندما وصل إلى قمة إفرست رغم كونه ضريرا.. ليكون «أول ضرير» يتسلق أعلى قمة في العالم.

ورغم أن الإنجاز هذا مذهل فإنه ليس الوحيد لواينماير فهو في العام ٢٠٠٨ تسلق قمة هرم كارستينز ليكمل بذلك مغامرة تسلقه للقمم السبع، والتي هي أعلى الجبال في العالم، التي بدأت عام ١٩٩٥. بالإضافة الى مغامرات التسلق قام أيضاً بالعبور بالقارب  لمسافة ٢٧٧ ميلاً من نهر كولورادو عبر غراند كانيون وغيرها الكثير من المغامرات الحافلة بالتحديات.. ومع ذلك يبقى التحدي الأكبر هو إصابته بالعمى.

العبور إلى الظلمة.. ١٠ سنوات من الرعب

التحدي الأكبر الذي واجه إريك واينماير كان تشخيصه بمرض نادر يصيب العيون وهو انشقاق شبكية العين حين كان في الرابعة من عمره. لعشر سنوات عاش مع الحقيقة المرة وهي أنه يوماً ما سيفتح عينيه ولن يتمكن من رؤية شيء. انشقاق شبكية العين يتطور مع الزمن وبالتالي الشخص المصاب به لا يعرف متى سيفقد بصره بشكل كلي وهكذا مرت سنوات حافلة بالرعب والخوف من مصير قادم لا محالة.

الفترة التي سبقت فقدانه لبصره كانت منهكة على مختلف الأصعدة فهو لم يكن يشارك بأي نشاطات رياضية خوفاً من تضرر شبكة العين بشكل أكبر، وحتى أنه لم يكن يلعب مع رفاقه خوفاً من تسريع عملية إصابته بالعمى. حياته كانت مجمدة، ثم وبسن الرابعة عشرة حدث ما كان متوقعاً وفقد بصره بالكامل. وبطريقة أو بأخرى فإن  إصابته بالعمى سمحت له البدء بحياته مجدداً.

الفترة الأولى لم تكن سهلة، فهو عانى كثيراً ولكن والديه رفضا السماح له بالعيش على هامش الحياة.«خفت من عدم قدرتي على المشاركة في الحياة»، يقول واينماير «ولكن والدَيّ رفضا الاستسلام فوالدي كان يرغمني على الخروج من المنزل والقيام بأمور عديدة، وكنت أتعرض للكثير من المواقف التي كانت تنهكني وتشعرني بأنني محطم، ثم تتدخل والدتي وتساعدني على استعادة رباطة جأشي وتمالك نفسي، ليعود والدي مجدداً ويرغمني على مواجهة الحياة».

وبسبب الإصرار هذا، تبدلت حياة إريك وكل ما لم يتمكن من القيام به خلال مرحلة انتظار إصابته بالعمى قام به بعد إصابته به. إنضم لفريق للمصارعة وشارك في البطولة، وهذا الحدث بدل حياته فهو، كما يقول، كان للمرة الأولى منذ إصابته بالعمى، جزء من حدث كبير وهام.

أي مجنون يعلم ضرير تسلق الصخور!

بعد فترة وجيزة من إصابته بالعمى وصله بريد بلغة برايل عن مجموعة تقوم بتعليم الأطفال المصابين بالعمى تسلق الصخور. ويتذكر بأنه قال لنفسه حينها «أي مجنون يصطحب مجموعة من الأطفال الذين لا يمكنهم رؤية شيء لتسلق الصخور» ثم قام بالاتصال بهم والانضمام للمجموعة.

وهكذا بدأت رحلة العشق مع تسلق الصخور، فهي كانت ثابتة وتجعله يشعر بالأمان فكان التسلق سهلا بالنسبة إليه من خلال تحسس الصخور ثم الصعود إلى أعلى.

 بعد تخرجه من جامعة بوسطن عمل كمدرس وكان خلال تلك الفترة يمضي كل عطلة نهاية الأسبوع وهو يتدرب على تسلق الصخور في نادٍ في أريزونا حيث كان يقيم حينها. ولكن الأمر كله كان مجرد هواية لا أكثر ولم يكن يفكر بالقيام بما هو أكثر جرأة.

بيد أن حس المغامرة تفجر دفعة واحدة حين قامت مجموعة من أصدقائه في نادي تسلق الصخور بتسلق دينالي وهو أعلى قمة جبلية في أمريكا الشمالية. وفي العام ١٩٩٥ بدأ مهمته بتسلق القمم السبع وتمكن من تحقيق ذلك بحلول العام ٢٠٠٨.

العين على إفريست

لطالما أغرى جبل أفريست المتسلقين والمغامرين حول العالم، رغم أنه وللأسف خطف أرواح الكثيرين من الذي حاولوا الوصول إلى قمته. خلال مرحلة تسلق القمم السبع  قرر إريك واينماير تسلق أفريست، ولكن طرحه قوبل بالرفض القاطع فالمنطقة، كما قيل له، لا تسمى منطقة الموت عبثاً فعلى ارتفاع  ٢٦ ألف قدم يتوقف عقل الإنسان عن العمل بكفاءة والاعتماد كله يكون على الرؤية وبالتالي المكان غير مناسب لرجل أعمى.

أزعجته فكرة أن يحكموا عليه انطلاقاً من شيء واحد لا يملكله ويتجاهلوا كل الأمور الأخرى التي يملكها. لكن الرفض لم يكن سلبياً بشكل كلي، فهو أدرك بأن هناك بعض الأمور التي لا يمكنه القيام بها كشخص أعمى بنفسه فقام بجمع فريق محترف من المتخصصين بعد أن تمكن من الحصول على تمويل من الاتحاد الوطني للمكفوفين.

حتى مع امتلاكه لفريقه الخاص من المساعدين لم يتمكن من حل المشكلة الأكبر وهي رفض الشيربا مرافقته، ودليل الشيربا هو الفارق بين الحياة والموت هناك، الكل كان يرفض التورط في مغامرة رجل ضرير.

حينها كان القرار بالتوجه إلى كاتماندو في النيبال، وهناك تبدلت الصورة كلياً. السكان المحليون تفاجأوا بقدرته على التحرك والتسلق براحة تامة لدرجة أنهم اتهموه بالكذب فهم لم يصدقوا بأن ضريرا يملك تلك المهارات.

التشكيك بقدراته لم يكن فقط من الشيربا، فعدد كبير من المتسلقين الآخرين كانوا من أشرس المنتقدين لمغامرته تلك.

لكن مشاعره المجروحة لم تكن هامة في ذلك الوقت إذ كان عليه القلق حول التحديات العديدة التي لا تؤرق المتسلقين الآخرين فهم يمكنهم تقييم حالة الطقس والثلج والسلالم والأماكن التي عليهم الزحف عبرها أما هو فلا يمكنه ذلك لانه لا يمكنه أن يرى.. وكما هو معروف خطوة واحدة خاطئة تعني الموت.

أعلى قمة في العالم.. وما بعدها

متسلحاً بخبرة ١٦ عاماً من التسلق وبفريق متناغم وقوي تحول إريك خلال عملية الصعود إلى القمة من شخص يحتاج إلى المساعدة إلى شخص يقدمها معظم الأحيان. خلال رحلة الصعود كان الفريق يبلغ إريك بالتعليمات، ويصف له سيصادفه ويزوده بكل التفاصيل الهامة. وجود الفريق كان له دوره الكبير في نجاح أريك ولكن قوته الجسدية وقدرته على التحمل ومهاراته كان لها الدور الأكبر. فهي ساعدته على الصمود وفي ٢٥ مايو/ أيار من العام ٢٠٠١ وصل إلى القمة وأصبح أول ضرير يحقق هذا الإنجاز.

إريك راينماير قرر الذهاب أبعد من أعلى قمة في العالم، فهو ليس رياضياً ومغامراً فحسب بل مؤلفاً وناشطاً ومتحدثاً تحفيزياً. هو يعيش ويروج لمبدأ الحياة بلا حواجز من خلال منظمة أسسها تحمل الاسم نفسه «بلا حواجز» وهي منظمة غير ربحية تساعد الناس على التغلب على التحديات المختلفة التي تواجههم في حياتهم. بالإضافة الى المنظمة فقد ألف العديد من الكتب بما في ذلك مذكراته «لمس الجزء العلوي من العالم: رحلة رجل أعمى لتسلق أبعد مما تراه العين»، وكتاب «ميزة الشدائد: تحويل النضالات اليومية إلى نجاح»الذي ألفه بالاشتراك مع بول ستولتز، وكتاب «بدون عوائق: رحلة رجل أعمى في قارب عبر جراند كانيون» الذي ألفه بالاشتراك مع بادي ليفي.

الرجل والمغامر والملهم يعيش مع زوجته وأولاده في كولورادو ويستخدم قصته لإلهام الأخرين لمواجهة التحديات. «كل ما يتطلبه الأمر هو تبديل عقلية الخوف والدخول في عين العاصفة»، يقول إريك واينماير، «في هذه الحياة جميعنا نتسلق، بشكل أو بآخر، من دون أن نرى».







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي