فُرضت الكمامات في جائحة الإنفلونزا العام 1918 لكن البعض اعترض.. فماذا حدث؟

2020-05-11

تعتبر جائحة الإنفلونزا عامَي 1918 و1919 أكثر تفشٍّ للإنفلونزا فتكاً في التاريخ، أسفر عن مقتل 50 مليون شخص حول العالم.

وفي الولايات المتحدة، حيث قتلت الجائحة بالنهاية نحو 675.000 شخص، حاولت الحكومات المحلية تنفيذ بعض المبادرات لوقف انتشار العدوى، ولكنها كما يحصل الآن مع جائحة كورونا، لم تمر من دون مقاومة أو اعتراض.

وبحسب ما نشره موقع قناة History، اختلفت تلك التدابير بحسب المنطقة، ولكنها تضمنت بشكل عام:

إغلاق المدارس.

إغلاق أماكن الترفيه العامة.

فرض قوانين “تُجرّم البصق”.

تشجيع الأشخاص على استخدام المحارم والمناديل الورقية أحادية الاستخدام.

إلزام الأشخاص بارتداء الكمامات في الأماكن العامة

جائحة الإنفلونزا إثر الحرب العالمية الأولى

ظهرت قوانين الكمامات بشكل رئيسي في الولايات الغربية، وبدا أن معظم الأشخاص امتثلوا لها. كانت البلاد لا تزال تقاتل في الحرب العالمية الأولى، واتخذ المسؤولون وقتها تدابير مكافحة الإنفلونزا من أجل حماية القوات من التفشي القاتل للعدوى.

كانت أول حالة عدوى مسجلة بالجيش الأمريكي لجندي متمركز في فورت رايلي، بكانساس يوم 4 مارس/آذار 1918. وبرغم منع الولايات المتحدة وغيرها من الدول المشارِكة في الحرب نشر أي أخبار عن عدوى الإنفلونزا في البداية (باستثناء إسبانيا التي تحدثت علانية عن العدوى وانتشارها، ومن هنا سُمّيت الإنفلونزا الإسبانية)، كان هناك إحساس بأن اتباع الاحتياطات الصحية الجديدة أمر وطني.

الكمامات واجب وطني

وكما ذكر أحد البيانات العامة للصليب الأحمر: “أي رجل أو امرأة أو طفل لن يرتدي الكمامة الآن يعتبر متقاعساً عن واجبه وخطراً على الأمن القومي”.

وأدَّى ازدياد الحس الوطني في وقت الحرب والخوف من “التقاعس” إلى امتثال الأشخاص لأوامر ارتداء الكمامات في مدن مثل سان فرانسيسكو وسياتل ودنفر وفينيكس.

على الرغم من معدلات الامتثال العالية، اشتكى البعض من أن الكمامات لم تكن مريحة، أو غير فعالة، أو لا يمكنهم ارتداؤها في أثناء العمل. وبعد انتهاء الحرب، لم يعد هناك الحافز الذي يدفع الأشخاص إلى ارتداء الكمامات خوفاً من إصابة القوات بالعدوى، حتى إن بعض المعارضين شكّلوا “رابطة مناهضة الكمامات” في سان فرانسيسكو.

كانت الكمامات مصنوعة من الشاش أو مواد أكثر مسامية.

في عام 1918، لم تكن هناك كمامات طبية متقدمة مثل N95 التي يستخدمها مقدمو الرعاية الصحية اليوم. كانت الكمامات الجراحية مصنوعة من الشاش، وكانت عديد من كمامات الإنفلونزا مصنوعة من الشاش أيضاً.

صنع متطوعو الصليب الأحمر عديداً من تلك الكمامات ووزعوها، ونشرت الصحف تعليمات وتوجيهات لمن يريدون صُنع الكمامات بأنفسهم أو التبرع ببعضها للقوات. ومع ذلك، لم يستخدم الجميع أياً من التصاميم أو المواد القياسية.

قال جيه أليكس نافارو، مساعد مدير مركز تاريخ الطب بجامعة ميشيغان وواحد من رؤساء تحرير الموسوعة الرقمية لجائحة الإنفلونزا الأمريكية 1918-1919: “من أجل إقناع الناس بضرورة ارتداء الكمامات، كانت المدن متساهلة جداً فيما يمكن أن يرتديه الأشخاص”.

في أكتوبر/تشرين الأول، كان العنوان الرئيسي لصحيفة Seattle Daily Times: “كمامات الإنفلونزا تُسطّر سطوراً جديدة في عالم الموضة: النساء يرتدين شبكة رقيقة بحواف من الشيفون للوقاية من العدوى”.

مقاومة الكمامات

هذه الكمامات “الأنيقة” وغيرها من الكمامات كانت مصنوعة من مواد مشكوك في جدواها. بينما كان هناك جدل دائر داخل المجتمع الطبي حول جدوى كمامات الشاش متعددة الطبقات أيضاً.

وتشير التقارير إلى أن النسبة المئوية الصغيرة التي لم تلتزم بارتداء الكمامات لم يكن ذلك بسبب قناعات وآراء علمية، بل كان ذلك بسبب الراحة الشخصية.

قالت نانسي بريستو، رئيسة قسم التاريخ بجامعة بيوجت ساوند ومؤلفة كتاب الجائحة الأمريكية: العوالم المفقودة لوباء الإنفلونزا 1918: “نقرأ عادة عن أشخاص لا يريدون ارتداء الكمامات بسبب شعورهم بالحر والاختناق. بعض الأشخاص عارضوها لأنها من وجهة نظرهم تثير الذعر في الأماكن العامة، بينما كانوا يريدون الحفاظ على هدوء الجماهير؛ ولكنني أعتقد أنها مجرد حجة لأي شخص لا يريد ارتداءها”.

بعض الشركات كانت قلقة من إحجام الأشخاص عن التسوق إذا اضطروا إلى ارتداء كمامات عند الخروج، وزعم بعض الأشخاص أن قوانين ارتداء الكمامات تمثّل تعديّاً على الحقوق المدنية.

إحساس زائف بالأمان

وتقول نانسي بريستو: “ومن بين أهم الحجج والانتقادات ما نسمعه اليوم أيضاً من البعض، وهو أن الكمامات تمنح إحساساً زائفاً بالأمان”.

ولكنها أوضحت أن ارتداء الكمامات يصبح أقل فاعلية إذا لم يتبع الأشخاص الإرشادات والقواعد الصحية الأخرى (خاصة إذا كانوا يفتحون ثقوباً في أقنعتهم من أجل التدخين).

عانت المدن التي شرّعت قوانين ارتداء الكمامات خريف 1918، من أجل فرضها بين قطاع صغير من الأشخاص الذين رفضوها وتمردوا عليها. كانت العقوبات الأشهر هي الغرامات، والسجن، مع التشهير بأسماء المخالفين في الصحف.

وفي حادث مروّع بسان فرانسيسكو، أطلق ضابطٌ النار على رجل رفض ارتداء الكمامة، فضلاً عن اثنين من المارة.

وكان هذا مختلفاُ تماماً عن معاملة قادة مدينة سان فرانسيسكو الذين رفضوا الامتثال للقوانين.

في إحدى مباريات الملاكمة، التقط مصوّر الشرطة صوراً لعديد من المشرفين، وعضو الكونغرس، وكاتب العدل، ولواء بحري ومسؤول الصحة بالمدينة، وحتى العمدة، جميعهم دون كمامات.

وعلى أثر ذلك، دفع مسؤول الصحة غرامة 5 دولارات ودفع العمدة لاحقاً غرامة 50 دولاراً، ولكن عكس “المتقاعسين عن ارتداء الكمامات” الآخرين لم يُسجنوا، وبالتأكيد لم يطلق أحدٌ النار على أيّ منهم.

تراجع ارتداء الكمامات بعد الحرب

فُرض أول أوامر ارتداء الكمامات بسان فرانسيسكو في شهر أكتوبر/تشرين الأول، وانتهى في نوفمبر/تشرين الثاني، بعد هدنة الحرب العالمية الأولى.

وفي شهر يناير/كانون الثاني، عندما بدأت حالات الإصابة بالإنفلونزا ترتفع مجدداً، فرضت المدينة أمراً ثانياً.

وهذه المرة، كانت مقاومة الأوامر أكثر حدَّة، حتى إن مجموعة من المعارضين، من بينهم بعض الأطباء وعضو بالمجلس التشريعي للمدينة، شكَّلوا “رابطة مناهضي الأقنعة”، والتي عقدت اجتماعاً عاماً حضره أكثر من 2.000 شخص.

وقالت أستاذة التاريخ المرموقة بجامعة ستوني بروك نانسي توميس، والتي كتبت عن إجراءات وتدابير الصحة العامة خلال جائحة الإنفلونزا 2018-2019 إنه على الرغم من وجود بؤر مقاومة لارتداء الكمامات في عامَي 1918 و1919، لم تنتشر تلك الأفكار.

وتقول توميس إنه بعد انتهاء فرض الأوامر، زاد استهلاك المحارم والمناديل الورقية بشكل واضح في الولايات المتحدة بسبب الجائحة، إلا أن ارتداء الكمامات لم يكن بالرواج نفسه. ولا يزال من الصعب معرفة مدى فاعلية ارتداء الكمامات خلال جائحة 1918 و1919. الأمر الواضح أن المجتمعات التي طبَّقت تدابير وإجراءات صحية أقوى كانت أفضل بشكل عام من المجتمعات المتراخية.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي