حواراتشخصية العامضد الفسادإنفوجرافيك أسلحة وجيوشرصدإسلاموفوبياضد العنصريةضد التحرش

هل تمثل الحرب الباردة بين الصين وأمريكا سلاحاً ذا حدين لروسيا؟

2020-05-03

في خضم الأزمة الدبلوماسية المشتعلة بين الصين والولايات المتحدة، والتي نتجت عن تفشي وباء كورونا تجد روسيا بقيادة فلاديمير بوتين نفسَها في مأزق حقيقي؛ فمن ناحية هي مستفيدة من التعاون مع الصين اقتصادياً، ولكن من ناحية أخرى تخشى عواقب الانحياز لأحد الطرفين، فما قصة هذا السلاح ذي الحدين؟

مجلة ناشيونال إنتريست الأمريكية نشرت تقريراً بعنوان: “هل ستكون روسيا الخاسر الحقيقي في الحرب الباردة الجديدة بين الولايات المتحدة والصين؟”، ألقى الضوء على الحرب الباردة بين بكين وواشنطن وموقع روسيا منها.

وجدت الصين نفسها محل انتقاد عالمي بعد قمعها للاحتجاجات الطلابية في ساحة تيانانمن عام 1989، وأثار قمعها العنيف لهذه الاحتجاجات إدانة واسعة من الغرب، وبعدها بوقت قصير فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حظراً على توريد الأسلحة للصين ما يزال قائماً حتى يومنا هذا.

وفي السنوات اللاحقة، وجدت بكين في روسيا ما بعد الشيوعية شريكاً غير متوقع، إذ تسبب انهيار الاتحاد السوفييتي في تدمير صناعة الأسلحة الروسية من الناحية المالية، ما جعلها شديدة الحرص على التعاون تجارياً مع الصين الصاعدة اقتصادياً، وطوال العقد التالي، اشترت الصين طائرات مقاتلة ومنظومات صواريخ روسية في إطار سعيها إلى التحديث العسكري، وأصبحت أكبر عميل للأسلحة الروسية.

روسيا تدافع عن الصين

بعد أكثر من ثلاثين عاماً يمكن لأزمة جديدة أن تُقرِّب بين الصين وروسيا مجدداً، إذ تحوّل تفشي سلالة جديدة من فيروس كورونا في مقاطعة ووهان التي تعد مركزاً صناعياً في الصين، خلال الأشهر القليلة الماضية، إلى جائحة عالمية وكساد اقتصادي، ما أثار هجوماً دولياً على الصين.

ووسط هذا الهجوم، ظهرت روسيا لتكون واحدة من المدافعين القلائل عن الصين وأعلاهم صوتاً في الساحة العالمية، إذ استنكر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف المطالبات الموجهة للصين بدفع تعويضات عن الأضرار الناجمة عن جائحة فيروس كورونا، ووصفها بأنها “مرفوضة” وصادمة، وصرح كبير الدبلوماسيين الروس بالقول “أشعر بصدمة هائلة عندما أسمع مثل هذه الأمور”.

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الصيني شي جين بينغ

وفضلاً عن ذلك، قطعت دول أخرى العلاقات الاقتصادية مع بكين مؤخراً، وأقدمت موسكو على تعزيزها، وأعلن الكرملين يوم الأربعاء 29 أبريل/نيسان الماضي، أنه منح الإذن لصندوق الرفاه القومي الروسي ببدء الاستثمار في اليوان الصيني وسندات الدولة الصينية.

تعاون اقتصادي متزايد

ومن جانبها، أقدمت بكين على شراء المزيد من النفط الروسي مع انخفاض الأسعار العالمية، وأفادت وكالة رويترز أن واردات الصين من النفط الخام الروسي ازدادت في مارس/آذار بنسبة 31% عن العام السابق، وقد ساعدت مشتريات الصين المتزايدة من النفط شركات النفط الروسية على الاستمرار وسط انخفاض الطلب في أوروبا بسبب فيروس كورونا.

وأكد أليكسي ماسلوف، مدير معهد دراسات الشرق الأقصى في الأكاديمية الروسية للعلوم، أن الصين ستحتاج إلى شريك قوة عظمى مثل روسيا لمساعدتها في تحقيق طموحاتها العالمية بعد انحسار فيروس كورونا، خاصة وسط تزايد ضغوط الولايات المتحدة، وقال لمجلة National Interest إن موسكو يمكنها بدورها استخدام هذا النفوذ لكسب دعم بكين لمبادراتها الجيوسياسية.

وتدرس الصين أيضاً زيادة التعاون مع روسيا، وتنبأ شين زانغ، خبير العلاقات الصينية الروسية بجامعة شرق الصين نورمال في شنغهاي، بأنه إذا استمر تدهور العلاقات مع واشنطن، ستركز بكين  بشكل أكبر على تطوير علاقاتها الاقتصادية مع موسكو، وقال: “إذا أصبح الانفصال بين الولايات المتحدة والصين حقيقة واقعة وليس مجرد كلمات طنانة على طاولة المفاوضات، فسوف تدرس الصين التوجه إلى روسيا وأوراسيا لإعادة هيكلة سلاسل إنتاجها الصناعي”.

وأشار شين إلى أن فك الارتباط بالدولار على وجه الخصوص سيكون أحد الجوانب الذي ستعجل فيه روسيا والصين من تعاونهما فيه بعد انتهاء فيروس كورونا، إذ اتخذ البلدان على مدى السنوات القليلة الماضية بعض الخطوات الأولية لتقليل اعتمادهما على الدولار الأمريكي، لكن اهتمام بكين المحدود بهذا الأمر أدى إلى تباطؤ التقدم فيه بشكل كبير. لكن التوترات المتزايدة مع الولايات المتحدة ستغير ذلك، وفقاً لشين.

سلاح ذو حدين

ومع ذلك، يشعر البعض في موسكو بالقلق من أن ينتهي الأمر بخسارة لروسيا في الحرب الباردة الجديدة بين الولايات المتحدة والصين، إذ حذر دميتري سوسلوف، أستاذ العلاقات الدولية في المدرسة العليا للاقتصاد في جامعة البحوث الوطنية في موسكو، من أنه رغم استفادة روسيا في السابق من تصاعد التوترات بين واشنطن وبكين، إلا أن التطورات الأخيرة قد تتفاقم كثيراً.

وقال: “استمرار اشتداد المواجهة بين الولايات المتحدة والصين يطرح على روسيا تحديات خطيرة لأنه كلما ازدادت خطورة هذا المواجهة، زاد الضغط على روسيا لاختيار أحد الأطراف، وهو أمر لا تريد فعله”، وأضاف سوسلوف أن سياسة الصين الخارجية الصارمة مصدر قلق آخر لموسكو. ففي خضم جائحة فيروس كورونا، تبنت بكين نوعاً جديداً من “دبلوماسية الذئب المحارب”، وهو نهج أدى إلى نشوب خلافات عديدة بين السفراء الصينيين والدول المضيفة لهم.

وقال سوسلوف: “يرى الكثير من المراقبين الروس على ما يبدو أن فيروس كورونا قد حطم قيداً نفسياً وسياسياً آخر كان مفروضاً على السياسة الخارجية للصين، قيداً كان يمنع الصين من الترويج لنفسها على أنها نموذج للآخرين وتأكيد مكانتها زعيمة عالمية”.

وطوال العقد الماضي، دعت روسيا والصين إلى “مبدأ عدم التدخل” في الشؤون الداخلية للدول الأخرى. وفي الواقع، كان شعورهم المشترك بالكراهية لمساعي الولايات المتحدة لتعزيز الديمقراطية العالمية بمثابة نقطة رئيسية تجمع شمل البلدين. إلا أن سوسلوف حذر من أن تشجيع الصين يمكن أن يؤدي إلى مطالبتها روسيا بأن تحذو حذوها في نهاية المطاف.

لقد راقبت روسيا معركة الصين مع فيروس كورونا حتى الآن بعين الإعجاب. فهل يمكن أن يهدد تحقيق بكين لانتصارات أكثر من اللازم بتحويل هذه المشاعر الدافئة إلى استياء؟







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي