العمل رغم مخاطر كورونا.. كفاح وقصص إنسانية من الشارع الأميركي

المصدر : نيويورك تايمز,الجزيرة
2020-04-05

تفشى وباء كورونا المستجد (كوفيد-19) فاضطرت الولايات المتحدة إلى إغلاق المدارس والأماكن العامة وإيقاف الأنشطة التجارية، وأمر حكام الولايات السكان بالبقاء في المنازل قدر المستطاع.

غير أن ذلك لم يمنع ملايين الأميركيين من الذهاب إلى العمل، لأن بعضهم لا يستطيعون العمل من المنزل لكيلا يفقدوا وظائفهم ورواتبهم، وهناك آخرون يشغلون وظائف حساسة تساعد في تسيير دفة الحياة في المجتمع.

ويوما بعد يوم يجد شاغلو الوظائف الحساسة أنفسهم في مواجهة مباشرة مع واقع تئن فيه البلاد من وطأة جائحة فتاكة يحاولون التأقلم معه.

وقد أجرت صحيفة نيويورك تايمز مقابلات مع نماذج من هذه الفئة روى خلالها أصحابها قصصهم مع كوفيد-19 أثناء أدائهم أعمالهم، ونشرت الصحيفة حصيلة تلك المقابلات في ملحقها الأسبوعي الذي يصدر كل يوم أحد، وجاءت على النحو التالي:

مضيفة طيران

تقول مضيفة الطيران تشيلسي (29 عاما) -التي تقطن مدينة كولورادو سبرينغس بولاية كولورادو- إن ركاب الطائرات عادة ما يرتطمون بالمضيفين والمضيفات ويجذبونهم من أطراف ملابسهم للفت انتباههم.

وأضافت "وعندما يذهبون إلى دورة المياه في الطائرة يكاد الواحد منا يشعر بأنفاسهم، (فالطائرة) أشبه ما تكون بأنبوب معدني حيث الركاب داخلها يسعلون ويعطسون ويفركون أنوفهم طوال الوقت".

على أن الوضع بات غريبا الآن بعد تفشي وباء كوفيد-19، على حد تعبير تشيلسي، حيث تقول إنها لاحظت في سفرتها الأخيرة من مقاطعة أورانج بولاية كاليفورنيا إلى مدينة سان فرانسيسكو أن ركاب الدرجة السياحية لم يتجاوز التسعة فقط، مع العلم أن سعة الطائرة 166 مقعدا.

وكان الركاب موزعين، حيث جرى إجلاس معظمهم في مقاعد مجاورة للنوافذ، وارتدى بعضهم كمامات وقفازات، لكنهم لم يكونوا يريدون تناول مشروبات تفاديا للذهاب إلى دورة المياه، أو أكل وجبات خفيفة تجنبا للمس طاقم الضيافة، لقد كان الخوف باديا في وجوههم، تضيف تشيلسي.

صيدلاني

ويقول الصيدلاني تنوير حسين (68 عاما) -وهو من مدينة بكبسي في ولاية نيويورك- إنه عمل في شركة "سيتي دراغ" للأدوية زهاء 15 عاما، إلا أن طبيعة عمله اليومية تغيرت الآن بعدما دب الذعر من كوفيد-19 في أوساط الأطباء الممارسين والمرضى على حد سواء.

ويضيف أن كمية الأدوية التي يصرفها الصيادلة للمرضى زادت بشكل كبير بسبب خوف الناس من نفاد الأدوية الموصوفة لهم، أو لأن الصيدليات ربما لن تظل مفتوحة أو قد تصبح خالية من الدواء.

ولاحظ حسين في الأسابيع الأخيرة تلكؤا من جانب بعض موزعي أدوية شركته في توريد أدوية بعينها إلى الصيدليات أو تقليل كمياتها، معربا عن أمله في أن يتغير هذا الحال.

ويعتبر أغلب سكان مدينة بكبسي في نيويورك من الطبقة الفقيرة، ولذلك فإن حسين وشركته يتعاملان حتى مع الفئات التي تشملها المعونة الطبية، وهي برنامج حكومي أميركي يساعد في تغطية النفقات الطبية لبعض الأشخاص ذوي المداخيل والموارد المحدودة.

ويمضي الصيدلاني حسين إلى القول إن عملهم يتركز على صرف الأدوية، وجرد المخزون منها، وإرشاد المرضى.

وروى أن بعض الأشخاص قدموا إلى شركته لشراء أدوية الأسبوع الماضي، لكنهم لم يكونوا يملكون نقودا، فما كان منه إلا أن أعطاهم ما يريدون من دواء.

مسعف

بدوره، يقول كريس ريد (36 عاما) -وهو من مدينة بيل في مقاطعة لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا والذي يعمل مسعفا- إن مركز الإطفاء الذي يعمل به يغطي المنطقة التي يقطن فيها إلى جانب بعض المدن المجاورة لمقاطعة لوس أنجلوس، ويتلقى المركز ما بين 15 و20 مكالمة في اليوم الواحد، كما أنه يستجيب لكل حالات الطوارئ غير الجنائية.

ويقول ريد "في صبيحة أحد أيام الجمعة كان هناك مريض يعاني من أعراض تشبه الإنفلونزا وصلت إلى حد الخطر، وأرادت الممرضة بالمستشفى التأكد مما إذا كان المريض يعاني من ارتفاع في درجة حرارته واحتقان في الأنف ورشح وسعال، وكلها علامات تشير إلى الإصابة بفيروس كورونا (كوفيد-19)".

وأضاف "كانت كل تلك العلامات واضحة في ذلك الشخص، فكان أن ارتدينا ملابس العمل وحملنا المعدات اللازمة وابتعد كل زميل عن الآخر مسافة ستة أقدام (تطبيقا لإجراء التباعد الاجتماعي)، كل ذلك حتى نتحاشى تعرض أجزاء من أجسامنا للتلوث، فإذا جاءت نتيجة فحص المريض إيجابية فإننا نفرض حجرا صحيا ذاتيا ونعزل أنفسنا عن عائلاتنا وزملائنا في العمل وعن الجمهور".

ساعية بريد

ساعية البريد ديبرا هولواي (36 عاما) -وهي من ولاية ويسكونسن- تقول إنها تعمل ساعية بريد في هيئة البريد الأميركية بأرياف وضواحي مدن الولاية طوال الأسبوع ما عدا أيام الأحد التي تتولى فيها توزيع رسائل البريد شركة أمازون للتجارة الإلكترونية.

وتوضح أنها تكون في غاية التوتر أثناء عملها مع أمازون، لأنها في تلك الأيام لا تعرف الزبائن الذين تتعامل معهم "ففي بداية أحد الأيام عقدت رئيستنا في العمل اجتماعا يتعلق بفيروس كورونا حيث أطلعتنا على الإجراءات التي ينبغي علينا اتباعها في تعاملنا مع الزبائن".

وحثت رئيسة العمل سعاة البريد في الولاية على أن يطلبوا من زبائنهم بكل أدب البقاء داخل منازلهم وألا يخرجوا منها لاستلام بريدهم.

وبحسب هولواي، فإنه في حال وجود طرود يُشترط توقيع الزبون على استلامها فإن سعاة البريد يتركون مذكرات أمام أبواب منازل الزبائن يطلبون منهم فيها الذهاب إلى مكتب البريد لاستلامها.

عامل التوصيل

إدفين كويك (31 عاما)، وهو عامل توصيل وجبات غذائية من بروكلين بنيويورك، ظل يعمل في مجال توصيل طلبات الطعام في بروكلين طوال ثلاثة أعوام، شأنه في ذلك شأن معظم الشباب المنحدرين من أصول أميركية جنوبية الذين يستخدمون الدراجات الهوائية لأداء عملهم، ومعظم هؤلاء قدموا من دول مثل غواتيمالا والمكسيك وفنزويلا.

ويقول كويك -الذي يتميز بقصر القامة وينتعل دائما أحذية كبيرة- إن الشركة التي يعمل فيها متخصصة في خدمة توصيل الطلبات المقدمة عبر الإنترنت، إذ يتعين على الزبون فتح التطبيق الخاص بالشركة الذي سيخبره باسم المطعم الذي يمكنه الحصول منه على الوجبة المطلوبة وعنوانه.

وأشار إلى أنهم في هذه الأيام ومع تفشي فيروس كورونا يتلقون رسائل نصية مختلفة كل ثلاث أو أربع ساعات، وتحتوي تلك الرسائل على تعليمات، مثل "اترك الطلبيات خارج باب الزبون"، و"إذا كنت تشعر المرض فالرجاء البقاء بالمنزل والخلود للراحة"، و"الرجاء ارتداء القفازات والكمامة، فإن لم تكن تملك قفازات وكمامة فلا تستخدم التطبيق".

طبيبة طوارئ

وتقول طبيبة الطوارئ دون آدامز -وهي من العاصمة واشنطن- إنه "منذ أسابيع قليلة خلت بدأت تظهر في منطقتنا حالات إصابة بكورونا، وبدا أن كل شيء تغير بين عشية وضحاها، وما إن شاع في الشارع خبر انتشار الجائحة حتى هرع المرضى إلى غرفة الطوارئ التي ما لبث أن غرقت في فوضى عارمة".

وتضيف آدامز أنهم شرعوا منذ بداية مارس/آذار الماضي في فحص الأشخاص الذين سبق لهم زيارة الصين فقط، وأنهم في غرفة الطوارئ لا يخضعون للفحص أولئك الذين لم يزوروا الصين حتى لو كانوا يعانون من الحمى والسعال أو ظهرت عليهم أعراض مرض الجهاز التنفسي العلوي.

عاملة التواصل مع المشردين

تعمل نيكي غريغالوناس (41 عاما) عاملة تواصل مع المشردين في مؤسسة "ثرشولدز" في شيكاغو التي تعنى بتقديم الرعاية الصحية والمأوى للآلاف من المشردين والذين يعانون من أمراض عقلية في ولاية إلينوي.

وبحسب غريغالوناس، فإن فريقها يشرف على تنظيف ثلثي مدينة شيكاغو تقريبا، وحصر الأشخاص الذين يفتقرون إلى المأوى، فيتولون نقلهم إلى المستشفى أو إلى مكتب إدارة الضمان الاجتماعي، واصطحابهم لتناول الغداء.

وتضيف "إذا شعرنا بأن أحدهم بات مشردا ويعاني من مرض عقلي فإننا نزوره ثانية".

على أنها تقر بأن تفشي كوفيد-19 جعل عملهم مختلفا عن ذي قبل "فنحن نقف بعيدا مسافة ستة أقدام عن أي شخص، ولم نعد نصطحب أحدا للغداء أو الطبيب، لكننا نسعى إلى تقديم العون من أجل التأكد من أن الحاجات الأساسية لهؤلاء الناس تتم تلبيتها".







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي