هكذا يتدرج الحجر الصحي عبر 5 مستويات نفسية.. فكيف تعبرها بأفضل ما يمكن؟

المصدر : الفرنسية,دويتشه فيلله,الألمانية,الصحافة السويسرية
2020-04-02

مثل الحداد، يخضع الحجر الصحي لمراحل تطورية، تبدأ من الذعر إلى عدم المقاومة، لتتجاوز المشاعر السلبية التي تقول إن الشخص لا يمكنه الذهاب ولا التمشي ولا الخروج في نزهة، بل إن حركته مقصورة على التسوق لجلب الطعام وزيارة الطبيب وممارسة بعض المهن، لتنتهي بالتعود والقبول.

وينغلق العالم أكثر فأكثر مع انضمام مدن وعواصم جديدة في كل القارات إلى الحجر الصحي المنزلي؛ إذ انضمت موسكو ولاغوس الاثنين 30 مارس/آذار الماضي إلى أكثر من ثلاثة مليارات نسمة في العالم يلازمون منازلهم، على أمل الحد من انتشار فيروس كورونا المستجد.

وأمر رئيس بلدية موسكو سيرغي سوبيانين بالعزل التام، والذين لا يحترمون الإجراءات يواجهون عقوبة، تصل إلى سجن مدته خمس سنوات.

ويسمح لسكان موسكو -البالغ عددهم 12.5 مليون نسمة- بالخروج من منازلهم فقط للتوجه إلى العمل إذا كان ضروريا، وللطوارئ الطبية، وللمواد الغذائية، وللصيدلية، كما يمكنهم الخروج لرمي النفايات، أو نزهة الكلب في محيط مئة متر من مساكنهم.

أما في إيطاليا، فحذرت الحكومة المواطنين من أنه سيكون عليهم الاستعداد لفترة عزل تام "طويلة جدا" يتم رفعها تدريجيا، رغم تداعياتها الاقتصادية. وقال مستشار الحكومة في مجال الصحة لوكا ريتشيلدي "نخوض معركة طويلة جدا؛ ننقذ حياة الناس عبر سلوكنا".

وفي مقال بصحيفة لوتان السويسرية، قالت كاتبته ماري بيير جينيكان إن الحجر الصحي في زمن كورونا (كوفيد-19) هو القاعدة، وعلى الناس الاستفادة منه بأقصى ما يمكن، وأوردت في هذا الصدد رأين لخبير اقتصادي وعالم نفسي.

وقالت الكاتبة إن المدون سينا فرزانة المدير التنفيذي لشركة بول باث، الذي خضع في فبراير/شباط الماضي لحجرين صحيين، أحدهما في شنغهاي عند وصوله، والآخر في سان فرانسيسكو عند عودته، أوصى باتباع نموذج المراحل الخمس للحداد، وهو يقترح "خمس مراحل للحجر"، ليطور فيها الشخص رؤية إيجابية إلى حد ما للحجر.

انس الأخبار

المرحلة الأولى بالنسبة لسينا فرزانة تسمى "فترة البقاء"، وهي مرحلة الصدمة، حيث يشعر الشخص في بداية الحجر الصحي بالذعر، وينام بشكل سيئ، وتحت الضغط، ويتابع الأخبار أولا بأول، ويعتبر أن ذلك ليس جيدا، ومن الأفضل نسيان الأخبار قليلا، والتركيز على الوقت الثمين الذي يوفره هذا الحبس.

 ويرى فرزانة أن مثل هذا الموقف يسمح للمحجور بدخول المرحلة الثانية المسماة "الأمان"، حيث "يخفض دفاعاته، ويبدأ ترتيب أموره، ويشعر بأهمية الوقت الطويل".

 وفي هذه المرحلة الثانية ينصح فرزانه "بالخروج من مجموعات واتساب، وممارسة بعض الهوايات"؛ كالرسم، والطبخ، والنسيج.

أما في المرحلة الثالثة المسماة مرحلة "الانتماء"، فتعود فيها الحياة إلى طبيعتها، ويصبح الشخص محترفا ويوزع وقته بين العمل والعائلة.

وفي هذه المرحلة، ينصح فرزانة باستخدام جدول أعمال يفصل بوضوح بين الأنشطة العائلية والمهنية، وما يجب تجنبه من الفراغ الثقيل.

والخطوة الرابعة، التي يسميها فرزانة مرحلة "الأهمية"، ينبغي فيها التنبه للأفكار الجديدة التي ولدت خلال فترة الاضطراب، و"من المتوقع أن يكون الشخص قد طور أثناءها علاقات مختلفة مع عائلته وزملائه".

ويختم المدون بمرحلة "التحديث الذاتي"، عندما تظهر للمحجور نهاية النفق، والنصيحة فيها بالنسبة له هي العودة إلى الحياة الطبيعية مع إثرائها بالتغييرات التي تمت في زمن الحجر، ودعمها بسرعة التكيف التي أظهرها.

بين عشية وضحاها

ويتفق العالم النفسي لوران بيرون مع فرزانة في أن الارتباك يسيطر على الشخص المحجور في البداية، ليوضح -بطريقته- أنه يمر بخمس مراحل: أولاها فترة ما يسميه "الذعر"، وهي معقدة لأن المحجور مضطر وبسرعة إلى "تفكيك نمط حياته المعتاد من دون بناء أساليب جديدة والتحقق منها".

 وينبه إلى أن "إغلاق المدارس لم يتم تدريجيا، ولكن بين عشية وضحاها، وكان على كل شخص أن يواجه وحشية الواقع"، كما أن هناك قلقا أيضا يتعلق بالجانب الجماعي لهذا القرار.

وينصح بيرون مثل فرزانة، بالحد من الاستماع إلى الأخبار؛ لتجنب القلق الناجم عن زيادة أو نقص المعلومات، كما يدعو المحجورين إلى القبول بإحباطاتهم ومشاركتها بدل التمرد.

 الفراغ مصدر قلق

في المرحلة الثانية المسماة "التكيف"، يحاول الجميع تجريب إجراءات جديدة، حيث يحتاج المراهق إلى التعود على الدراسة عن طريق الفيديو، في حين يحاول الآباء العمل بفعالية إضافة نحو رعاية أطفالهم. يقول بيرون "إذا نظرت إلى الشبكات الاجتماعية، تجد أن المسألة التي تهم معظم الناس ليست العمل بقدر ما هو وقت الفراغ".

 وينصح الطبيب النفسي بالتخلي عن أي إغراء للتساهل مع الحظر، "نظرا لأنها مسألة تتعلق بالسلامة العامة، ومن الممكن ممارسة الرياضة في المنزل"، كما أن "هناك العشرات من المنشورات حول كيفية قضاء الوقت وإلهاء نفسك في المنزل".

 وحذر الطبيب من أن المرحلة الثالثة، التي تسمى "البقاء على قيد الحياة"، ستكون صعبة، وستبدأ في غضون شهر تقريبا، وهي تتطلب الإبقاء على هذا النظام التقييدي مع ما يجلبه من إرهاق بسبب طول المدة، وسيكون من المهم للآباء أن يظلوا مبدعين لإلهاء الأطفال، وفي الوقت نفسه يكونون مثابرين على تطبيق القواعد المعمول بها.

المرحلة الرابعة -حسب الطبيب النفسي بجنيف- هي مرحلة "القبول"، وهي لحظة سعيدة إلى حد ما عندما يستبطن المحجور عليهم التغييرات"، وعندها سيتم التصالح بين الداخل والخارج، وسيتعزز التوازن بين أوقات الفراغ والعمل، والأسرة والعلاقات الودية.

 نصائح

من جهتها، قالت الدكتورة إيريس هاوت إن أزمة تفشي ‫وباء كورونا الحالية تلقي بظلالها على الصحة النفسية؛ حيث يؤثر سيل ‫الأخبار المفزعة عن الوفيات والضحايا حول العالم بالسلب على الحالة ‫النفسية، ويؤدي إلى اعتلال المزاج، ويرفع خطر الإصابة بالاكتئاب.

‫وللحفاظ على الصحة النفسية في زمن كورونا؛ تنصح اختصاصية الطب النفسي ‫الألمانية بعدم متابعة الأخبار بصفة مستمرة؛ حيث يكفي متابعتها مرة ‫واحدة في اليوم للاطلاع على آخر المستجدات.

‫ورغم الحجر المنزلي فإنه يمكن البقاء على تواصل مع الآخرين ‫عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، كفيسبوك وواتساب وبرامج ‫الدردشة عبر الفيديو.

‫كما أن تناول الطعام بشكل جماعي مع الأسرة من شأنه تحسين الحالة النفسية ‫والمزاجية، شأنه في ذلك شأن سماع الموسيقى الهادئة ومشاهدة الأفلام ‫المحببة.

‫‫وبالإضافة إلى ذلك، يمكن مواجهة التوتر النفسي والضغط العصبي بممارسة الرياضة وتقنيات الاسترخاء -مثل اليوغا والتأمل- في المنزل.

‫‫وإذا لم تفلح هذه التدابير في تحسين الحالة النفسية والمزاجية، فينبغي ‫حينئذ استشارة طبيب نفسي.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي