خفاش أم مؤامرة.. ما هو مصدر فيروس كورونا (كوفيد - 19)؟

2020-03-27

د. يعقوب الأشهب

كثير هو الجدل الدائر حول المصدر الحقيقي لفيروس "كوفيد-19"، وهو الخلاف الذي لم تقتصر حدوده داخل أروقة شبكات التواصل الاجتماعي، بل امتدت لتراشقات شهدناها على المستويات السياسية. من جهة، يرى فريق أن الفيروس طُوِّر بواسطة الهندسة الجينية في مختبرات متخصصة، وأن الغرض من إطلاقه ما هو إلا مؤامرة لإحداث تدمير اقتصادي لجهات معيَّنة، أو سعي لتحقيق مكاسب اقتصادية ضخمة عبر جمع المال المتدفّق عبر بيع اللقاحات أو الأدوية المضادة لهذا الفيروس، بينما يرى فريق آخر أن ظهور هذا الفيروس يُعَدُّ حدثا طبيعيا ضمن ما يُعرَف بالتطور الطبيعي الذي يؤدي إلى نشوء مستجد للفيروسات المنتقلة من الحيوانات إلى البشر، وهناك فريق ثالث يرى أن الانتشار حصل نتيجة تسرُّب -مقصود أو غير مقصود- لهذا الفيروس من داخل مختبرات بيولوجية أثناء إجراء التجارب العلمية عليه بعد أن عُزِلَ من أحد الحيوانات العائلة (الحيوان العائل هو الحيوان الذي يستخدمه الفيروس للتكاثر).

من هنا، لا بد لنا أن نناقش هذه الفرضيات بموضوعية، دون تشنج، ودون تأجيج للمشاعر واستغلال حالة الأزمة لتسويق إشاعات أو أوهام تُشتِّت وتُضلِّل تفكير القارئ، فنحن، في هذه الأيام تحديدا، بأمسّ الحاجة إلى التفكير المستند إلى الأدلة العلمية.

 تأسيس لا بد منه

قبل مناقشة النظريات المختلفة حول نشوء الفيروس، والتي سنتطرّق لها تباعا في التقرير، لا بد من عرض خلفية مختصرة تُعرِّف بالفيروس، حيث يُعَدُّ فيروس "كوفيد-19" (COVID-19) أو كما يُعرف أيضا باسم (SARS-CoV-2) باعتباره أحد الفيروسات التاجية (Coronaviruses)، وهذه العائلة من الفيروسات تُعرف بقدرتها على إصابة الثدييات والطيور بأمراض مختلفة. وحتى يومنا هذا، فقد رُصِدَ سبعة فيروسات من هذه العائلة تُصيب الإنسان [1]، أربعة منها فيروسات متوطنة، "أي مستمرة العدوى بين أفراد المجتمع" وتسبب أمراضا تنفسية بسيطة تكون على شكل رشح أو نزلات برد وهي (HCoV-OC43) (HCoV-HKU1) (HCoV-NL63) (HCoV-229E)، أما الثلاثة الأخرى منها فقد ظهرت خلال العقدين الماضيين على شكل تفشيات في مناطق محددة، ويُعتقد أنها انتقلت للإنسان من الخفاش عبر عائل وسيط.

وأول هذه الفيروسات هو فيروس "سارس" (SARS-CoV) والذي ظهر عام 2003 والمسبّب لمتلازمة الالتهاب التنفسي الحاد، ويعتقد أن "قط الزباد" هو العائل الوسيط لهذا الفيروس، وثاني هذه الفيروسات هو فيروس "ميرس" (MERS-CoV) والذي ظهر عام 2012 والمسبّب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية، ويعتقد بأن الجَمَل هو العائل الوسيط لهذا الفيروس، وأما ثالث هذه الفيروسات فهو فيروس "كوفيد-19" (COVID-19) الحالي والذي بدأ تفشيا في مدينة ووهان عاصمة مقاطعة هوبي الصينية، ثم ما لبث أن انتشر عبر المسافرين لمعظم دول العالم ليتحول إلى جائحة عالمية.

يمتلك فيروس "كوفيد-19" جينوم (أي سلسلة المادة الوراثية) مكوّنا من 29903 حرف من الحمض النووي الريبوزي (RNA) ومغلفا بغشاء دهني، ولديه مجموعة من البروتينات تساعده على دخول الخلايا البشرية وتضمن تكاثر الفيروس داخل هذه الخلايا ومن ثم خروج أعداد كبيرة من الفيروس من الخلية المصابة. وفيما يخص آلية دخول الفيروس للخلايا البشرية فيعتمد فيروس "كوفيد-19" كغيره من الفيروسات التاجية على البروتين المسماري (spike protein) الذي يبرز من الغشاء الدهني للفيروس ويعمل على الارتباط ببروتين محدد يوجد على أسطح خلايا العائل، وفي حالة فيروس "كوفيد-19" فقد تُعُرِّف على البروتين البشري المعروف باسم (ACE2) والذي يلعب دورالمستقبِل لهذا الفيروس والموجود بشكل كبير على أسطح خلايا الجهاز التنفسي [2].

فيما يلي سنطرح الآراء المختلفة، مع الحرص على تناولها بدقّة، ومن خلال ما يتوفر من بيانات، وتحليلها بالاستناد إلى نشرات علمية مرموقة، خاصة تلك الرسالة التي أرسلها مجموعة من الباحثين على رأسهم الدكتور "كريستيان أندريسن" من معهد سكريبس للأبحاث (Scripps Research Institute) ونُشِر بتاريخ 17 مارس/آذار في مجلة[3] "Nature Medicine" .

 الفرضية الأولى: "كوفيد 19" فيروس مهندس جينيا

هذه الفرضية طُرحت وتم تداولها بكثرة عبر العديد من الحسابات على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، ووصل الحال بالبعض لعرض براءات اختراع نُسِبَت لمراكز بحثية مختلفة؛ للتدليل على أن هذا الفيروس قد طُوِّر، وأن هذا الاختراع حصل على براءة اختراع خاصة به. وأشهر مقاطع الفيديو تلك التي تعرضت لبراءة الاختراع الأوروبية رقم "EP1694829B1". وعند البحث عن هذه البراءات تبين أنها براءات اختراع مسجلة فعليا في مكاتب براءات الاختراع المختلفة وهي لفيروسات كورونا مشابهة لفيروس "سارس" (SARS-CoV) الذي ظهر عام 2003 أو لفيروسات كورونا تُصيب الدواجن. ومن هنا تأتي النقطة الأهم، وهي أنه لا توجد أي براءة اختراع تمت لفيروس "كوفيد-19" بصلة، ولقد قمتُ بالتحقق من ذلك من خلال تقنية مقارنة سلاسل الجينوم لهذه الفيروسات المنشورة في براءات الاختراع مع فيروس "كوفيد-19".

ما حصل هنا أن البعض بمجرد رؤيته لبراءة اختراع تحمل اسم فيروس كورونا قد اندفع دون تحقق أنه لفيروس "كوفيد-19" الحالي، خاصة أن معظم الناس لم تسمع بفيروسات كورونا إلا خلال الأزمة الحالية. والاستدلال بهذه الوثائق يُعَدُّ تَسرُّعا في الحكم ينافي الدقة العلمية، وفيه دلالة على "السطحية" في قراءة ملفات براءات الاختراع. وهنا قد يسأل البعض: ما الذي يدعو المعاهد البحثية أو شركات اللقاحات لتسجيل براءات اختراع لفيروسات كورونا؟ الجواب بكل بساطة: بهدف حماية حقوق الملكية عند استخدام هذه الفيروسات كنماذج لتطوير لقاحات، أو لتجريب أدوية جديدة مضادة لفيروسات كورونا. هنا، قد يُطرح تساؤل حول خطورة هذا العمل، وما يمكن أن يؤول إليه عبر نتائج غير متوقعة. والحقيقة أن هناك احتمالية ضعيفة لحصول تحولات غير متوقعة، ولكن تطوير هذه الفيروسات المخبرية يُعَدُّ أمرا ضروريا بهدف فهم ومحاربة أقرانها من فيروسات كورونا.

 

 

 







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي