غبار جو الشرق الأوسط يبرّد البحر الأحمر

2020-03-23

في عام 2019 توقَّعت دراسة أُجرِيت بجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)، أن يشهد البحر الأحمر على مدار العقود المقبلة انخفاضاً في درجة حرارة سطحه خلافاً لباقي البحار والمحيطات، متأثراً بظاهرة مناخية طبيعية هي «التذبذب الأطلسي متعدد العقود» (AMO). واليوم، واستكمالاً لتلك الأبحاث اكتشف علماء «كاوست» أخيراً أن غبار الجوّ في الشرق الأوسط له تأثير إيجابي في تبريد البرّ والبحر الأحمر.

الغبار والمياه

يوضح البروفسور جورجي ستينشيكوف، مدير برنامج علوم وهندسة الأرض في قسم العلوم والهندسة الفيزيائية في «كاوست»، أن السعودية تقع ضمن ما يسمى حزام الغبار، الذي ينبعث منه نحو ثلث انبعاثات الغبار في العالم، ويضيف: «إن غبار الجوّ يؤثر على العالم بأسره، وهو أكثر أصناف الهباء الجوي وفرة على وجه الأرض».

وقد وجد العلماء، بناءً على بيانات الأقمار الصناعية، أن كمية غبار الجوّ فوق البحر الأحمر تفوق كميّتها فوق البرّ، مع تأثير تبريد إشعاعي للبحر، يعتبر الأكبر من نوعه في العالم.

يلفت ستينشيكوف إلى أن الغبار يبرّد السطح ولكنه بآنٍ واحد يدفّئ الجو، ويُحدث بهذه الطريقة تغييراً في حركة الدوران، ويضيف: «وحين يتسبب غبار الصحراء بنقل حزام المطر صوب الشمال صيفاً، فإنه يزيد من الدوران على الساحل، مثلاً، بحيث يغدو الجفاف أشد وطأة لولا وجود الغبار».

جدير بالذكر أن التغيير المناخي ينجم عن زيادة تركيز غازات الدفيئة، مما يزيد من درجة حرارة الأرض، وفي الوقت نفسه يكون الجو ممتلئاً بهباء جوّي، طبيعي أو بفعل النشاط البشري، يمتص الأشعة الشمسية ويعكسها.

ويشير البروفسور ستينشيكوف إلى أنّ «غبار الجوّ هو صنف معقّد للغاية من أصناف الهباء الجوي (جسيمات صلبة ممثلة في جزيئات الدخان والغبار والرمل والرماد والأملاح الكيمائية العالقة في الهواء)، لا يكتفي بأن يعكس الإشعاع الشمسي، بل ويمتص أيضاً ذلك الإشعاع كما يمتص الأشعة تحت الحمراء، بحيث يؤثر على دوران الغلاف الجوي، مما يسفر عن تأثير قوي ومعقد للغاية على الدوران وعلى المناخ».

ويبدو أن فكرة الهباء الجوي الذي هو عبارة عن جزيئات دقيقة من الدخان والغبار والرمل والرماد والأملاح الكيمائية المعلّقَة في الغلاف الجوي بشكل خَفِي تقريباً، تثير شهية العلماء لأنها قد تمثل مفتاح حل مجموعة من أعظم أسرار علم المناخ.

وحول مدى التأثير على المناخ يوضح البروفسور ستينشيكوف أنّ تركيز الغبار في هذا المركز مرتفع للغاية، والتأثير الإشعاعي مرتفع للغاية أيضاً، لذلك فإن التأثير على المناخ قوي بدرجة كبيرة... إنه يؤثر على مناخ البرّ والبحر الأحمر والمسطحات المائية القريبة. كما أنّ ترسب الغبار يزوّد البحر بالعناصر الغذائية.

التأثير الأكبر

في بحثهم المنشور في مجلة «البحوث الجغرافية» العلميّة المحكّمة، بيّن الباحثون أن التأثير الإشعاعي للغبار المناخي على جنوب البحر الأحمر هو الأكبر في العالم، ودرسوا للمرة الأولى أيضاً آثاره في المنطقة.

ووفقاً للدكتور سيرجي أوسيبوف، من قسم كيمياء الغلاف الجوي بمعهد ماكس بلانك للكيمياء في ألمانيا، المؤلف الرئيسي للدراسة، فإنّ من الضروري أن يحظى هباء الغبار الجوي المعدني بدراسة مستفيضة، بسبب اتساع طيف آثاره التي تمتد ابتداءً من تفاصيل روتيننا اليومي وصولاً إلى ظاهرة التغيّر المناخي.

ومما لا شك فيه أن هناك مخاطر بيئية لغبار الجو يوضحها الدكتور أوسيبوف: «يساهم هذا الغبار في تلوث الهواء المحيط، وهو أمرٌ تم الاعتراف به أخيراً بوصفه أحد المخاطر الصحية الرئيسية التي تقلل من متوسط العمر المتوقع للإنسان».

من جانب آخر، يعدّ الغبار أيضاً محركاً رئيسياً للمناخ، وتأثيراته الإشعاعية جليّة وفعّالة، خصوصاً في الشرق الأوسط وعلى البحر الأحمر بحسب الدكتور أوسيبوف، الذي يضيف: «وفي حين يخفّض غبار الهباء الجوي من درجات حرارة الهواء السطحية القصوى على البرّ، فإنّه يحمي الشعاب المرجانية في البحر الأحمر».

وإذ توضح الورقة البحثية أن غبار الجوّ جزء لا يتجزأ من نظام كوكب الأرض، وأنّه يسهم في العديد من التفاعلات المعقدة، فإنّ فريق البحث يواصل عمله لفهم هذه الآليات ودراسة نماذجها لتحسين موثوقية التوقعات المناخية المستقبلية على النطاق المحلي والإقليمي والعالمي.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي