القدس عاصمة ترفرف فوقها كل الأعلام

2020-02-18

القدس مدينة متعددة الثقافاتفي القدس القديمة يحفظ التاريخ أبنية بتصاميم معمارية مختلفة ترفرف فوقها أعلام دول غربية، منها الكنيسة والمستشفى والمتحف وحتى الفندق، في إشارة إلى الانفتاح على العالم الذي تعيشه القدس العربية. لكن مع ذلك يرى بعضهم أن هذا التنوع قد يطرح بعض الأسئلة الحساسة. حول علاقة هذه المؤسسات بالمجتمع الدولي من جهة والمجتمع المحلي من جهة ثانية.

القدس - عندما تسير في شوارع البلدة القديمة من مدينة القدس، أو محيط أسوارها العتيقة، تصادفك مبان ضخمة، ترفرف فوقها أعلام أجنبية، في غالبيتها تعود لدول أوروبية.

المباني التي تستخدم حاليا كمتاحف أو كنائس أو مكتبات أو نُزُل إقامة ومعاهد آثار، تختصر حقبا زمنية، مرت على مدينة القدس.

يقول الدكتور يوسف النتشة، الأستاذ المتخصص في آثار القدس القديمة، إن غالبية هذه المباني تعود إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر، أو النصف الأول من القرن العشرين.

ويضيف النتشة، وهو مدير قسم الآثار والسياحة، في دائرة الأوقاف الإسلامية بالقدس، “القدس مدينة فريدة بهذا الخصوص، فأينما تذهب سواء أكنت في داخل البلدة أو خارجها، فسوف يصادفك طراز معماري، يخبرك بأنه ينتمي إلى القدس، وأيضا ينتمي إلى نسيج معماري خاص به”.

وتابع “نحن نتحدث عن العشرات من المباني، ولكن بمقياس مدينة القدس القديمة الذي هو كيلومتر مربع واحد، فإن هذا كبير جدا”.

لفرنسا أملاك في القدس، منها كنيسة يقال إنها كنيسة القديس حنّا التي شهدت معجزة السيد المسيح عليه السلام في شفاء المرضى

وفي وسط الحي الإسلامي في البلدة القديمة، يبرز مبنى ضخم، يرفرف عليه علم النمسا وآخر للاتحاد

الأوروبي، يحمل اسم “دار الضيافة النمساوي” أو “الهوسبيس”، ويعود إلى العام 1854، حينما أقيم كمؤسسة كنسية على يد رئيس أساقفة فيينا آنذاك.

ومن الداخل، تشبه الدار القصور، فهي مبنى كبير من 4 طوابق يضم 40 غرفة، تحيط به حديقة واسعة.

في أواخر فترة الانتداب البريطاني، تم تحويله إلى مستشفى عسكري، ثم ما لبث أن استخدم كمستشفى مدني بعد انتهاء هذا الانتداب، إلى أن قامت إسرائيل بإغلاقه في أواسط الثمانينات، بحجة افتقاره لمتطلبات العمل الصحي.

وما زال الكثيرون من سكان البلدة القديمة، يذكرون حصولهم على الخدمات الصحية فيه، لكن النمسا أعادت ترميمه، وحولته إلى نُزُل إقامة مفتوح، لأي زائر إلى البلدة القديمة كأي فندق آخر في المدينة.

ليس هذا هو المبنى الوحيد في البلدة القديمة، وإنما هناك العشرات من المباني الأخرى، وبأعلام غربية أخرى، يقول النتشة “هناك أيضا مجموعة من الأملاك التي تعود لدولة روسيا، فإلى الغرب من البلدة القديمة هناك (المسكوبية) وهي مجموعة كبيرة جدا من المباني، أما في داخل البلدة القديمة فهناك كنيسة الإسكندر نيفسكي”.

ويضيف “أيضا لفرنسا أملاك متعددة وكثيرة، فعلى جبل الزيتون، خارج البلدة، هناك كنيسة تعرف باسم ‘آبانا’ وعليها علم فرنسا باعتبارها من الأملاك الفرنسية، أما في البلدة القديمة، فإن أولى مبنى يقابلك في باب الأسباط هي مدرسة الصلاحية أو ما يطلق عليه كنيسة القديسة حنّا أو كنيسة سانت آن”.

وأشار إلى أقاويل تتحدث عن أن كنيسة القديس حنّا، شهدت معجزة السيد المسيح عليه السلام، في شفاء المرضى، ومنها ما يقول “إن والدته مريم، عليها السلام، ولدت هناك”.

وبحسب النتشة، فإن تاريخ هذا الموقع “يختصر تاريخ القدس”، ويكمل “فيه طبقات أثرية ومعمارية تعكس أغلب فترات تاريخ القدس، فهناك آثار تعود إلى فترة اليونان ومنها إلى فترة الرومان، حيث زارها السيد المسيح، وكانت عبارة عن بركة والناس كانت تأتي إليها، وفي أول الفترة البيزنطية تم بناء كنيسة لتخليد الشفاء العليل، الذي قام به السيد المسيح وهو أول معجزة بالقدس”.

ويلفت النتشة إلى أنه “في كل هذه المباني ستجد أن أصولها قديمة، ولكنها في تراثها المعماري حديثة”.

مدينة للأديان السماوية الثلاث

وقال، “إذا ما وصلنا إلى المدرسة العمرية في طريق المجاهدين أو المرحلة الثانية من طريق الآلام، سنجد دير الفرنسيسكان وفيه كنيسة تعود إلى إيطاليا”.

وأضاف “لألمانيا أيضا جزء كبير جدا من المباني في القدس، مثل كنيسة الفادي أو كنيسة المخلص بأركانها المتعددة وآثارها وطبقاتها.

وهناك أيضا كنيسة نياحة العذراء في جبل النبي داود، وفي جبل الزيتون أيضا هناك مستشفى الأوغستا فيكتوريا أو المُطّلع”.

وتابع “لبريطانيا أيضا أملاكها مثل مدرسة الآثار البريطانية وكنيسة سانت أندروز في جورة العناب”.

وأشار النتشة إلى أن هذه المباني “تنم عن اهتمام شديد جدا للدول الأوروبية بمدينة القدس، باعتبارها مدينة للأديان السماوية الثلاث”.

وقال “ستجد أن لكل الأمم الأوروبية، على وجه الخصوص، أملاك في القدس ما زالت قائمة حتى اليوم”.

ويتضح أن الغالبية العظمى من هذه المباني، ذات التصاميم الهندسية المختلفة، هي كنائس ومتاحف ونُزل ومكتبات ومراكز أبحاث ومواقع سياحية، يزورها السيّاح الذين ياتون مدينة القدس.

وعن بداية امتلاك الدول الأوروبية لهذه المباني، يشير النتشة إلى أن ذلك تمّ إبان القرن التاسع عشر.

ويضيف “أعادت القوى الأوروبية نفوذها بالقدس، ليس بالسيوف أو الرماح، وإنما بمؤسسات ثقافية كالمطابع والمكتبات والمدارس والمشافي ومراكز الأبحاث والكنائس”.

كما ينوّه النتشة، إلى القنصليات داخل القدس، والتي تم التنافس عليها، كما تدل على ذلك الكتب والأبحاث في تلك الفترة.

وأشار النتشة إلى أن للعديد من الدور الأوروبية، مدارس في القدس، ومنها مدرسة الآثار البريطانية والمدرسة الفرنسية والمدرسة الألمانية والمدرسة الإيطالية والمدرسة الإسبانية.

وقال “كل هذا يعطينا فكرة أن القدس مدينة جامعة، وتراثها عريق جدا تتنافس عليه الدول، وأيضا يوضح حالة القدس كيف كانت في القرن التاسع عشر، وكيف هي الآن”.

ويحرص القادة الأوروبيون الذين يزورون مدينة القدس، على زيارة الأماكن الواقعة بملكية بلدانهم .

وترتفع الأعلام الغربية على هذه المباني، وتطبق عليها قوانين هذه الدول، حيث تعامل مثل الممثليات الدبلوماسية.

وقال النتشة “تنطبق على هذه المباني قوانين الدولة التي تملكها وتأتي ميزانيتها من تلك الدول، فصحيح أن أهل البلد يدخلونها ويتم استقبالهم فيها للزيارة، ولكن ميزانيتها وإدارتها وترميمها وتعيين الموظفين فيها، يتم من الدول التي تمتلكها”.

القدس مدينة جامعة وتراث عريق جدا تتنافس عليه الدول

وأضاف، “لدى الدول التي تمتلك هذه المباني بروتكولات خاصة لإدارتها”، لافتا إلى أن هذه الأملاك هي سلاح ذو حدين.

وقال، “رغم أنها أملاك ثقافية، ومرحب بها وفيها تنوع وفيها أبعاد عالمية، ولكنها تشكل تحديات على النسيج الفلسطيني العربي الإسلامي”.

وأضاف، “نحن أمام معضلة مفادها: ما هي علاقة هذه المواقع والمؤسسات مع المجتمع الدولي؟ ستجد أن هذا السؤال حساس، فقد تكون بعضها عبارة عن جزر معزولة، وقد تكون على اتصال قوي بالمجتمع المحلي”.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي