20 مليار دولار أرباح البطولة الجديدة ولا عزاء للفقراء.. إلى أين تذهب كرة القدم؟

2020-01-28

* علاء صادق

كأس أندية العالم لكرة القدم 2021، بنظامها الجديد يتكون من: 24 فريقاً وتقام البطولة عبر شهر من الزمان.

لكن ما هي تفاصيل الحكاية المؤلمة لانفجار مسابقات الكرة عدداً وزمناً؟

من بطولة غير رسمية اسمها «كأس إنتركونتننتال» ترعاها شركة للسيارات دون أي تواجد للاتحادات الدولية والأوروبية والأمريكية، وتقام عبر مباراة واحدة بين الناديين الفائزين بكأس الأندية الأوروبية الأبطال وكأس ليبرتادوريس لأندية أمريكا الجنوبية الأبطال، وتقام سنوياً في ملعب أحد الفريقين أو ملعب محايد أو بنظام مباراتي الذهاب والإياب بين البطلين ولمدة أربعين سنة.. ثم تحولت بتدخل من الفيفا إلى بطولة بين أبطال القارات الست مع ناد تتم دعوته بصفته المنظم للبطولة لمدة عشرين عاماً. أي أن عدد الأندية المشاركة زاد من اثنين إلى سبعة. وطال زمن البطولة من يوم واحد أو يومين إلى 10 أيام كاملة.

وها نحن نواجه زيادة انفجارية في البطولة سواء على صعيد الزمن من 10 أيام إلى شهر كامل ومن 7 أندية إلى 24 فريقاً. وتستضيفها الصين رسمياً في الصيف المقبل 2021، ولم يتحدد حتى الآن النظام النهائي ولا طريقة اختيار الأندية المشاركة.

ما هو النفع وما هي الأضرار التي تعود على كرة القدم من هذا التحول الانفجاري غير المدروس؟

النفع الأول والأوحد هو المكاسب المالية الضخمة التي ستعود على الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) وعلى الدولة المنظمة وعلى الأندية المشاركة، لاسيما التي تحرز اللقب أو تقترب منه.

وبالطبع على كل المؤسسات الاستثمارية التي ترعى البطولة أو تنشر دعاياتها في الملاعب والشاشات والنوافذ الإعلانية، وكذلك على القنوات الناقلة للمباريات. وستصل أرباحها في المسابقات الأولى والثانية والثالثة أعوام 2021 في الصين و2025 و2029 إلى ما يزيد عن عشرين مليار دولار. وأكرر الرقم لكي يتأكد الجميع أنني لم أخطئ في ذكره.. عشرين مليار دولار.

ونظرة سريعة إلى الرابحين ستجدهم جميعاً ليسوا بحاجة لمزيد من المال لثرائهم الفاحش ومكاسبهم المستمرة والضخمة، وحتى الأندية التي ستخرج من البطولة بنصيب الأسد مالياً فهى الأقوى أوروبياً والأغنى اقتصادياً.. الفائزون باللقب في كل السنوات الأخيرة هم الأندية المتوجة باللقب الأوروبي الشامبيونز ليغ: ليفربول الإنجليزي وريال مدريد وبرشلونة الإسبانيان.

ولا يوجد أي نفع آخر على الإطلاق من تلك البطولة الموسعة التى ستدعى لها حفنة من أندية إفريقيا وآسيا وأمريكا الشمالية والوسطى مع أمريكا الجنوبية على سبيل الضيوف في العرس دون أن يسمح لهم بالقيام بأي دور رئيسي خلاله.

تحول الاتحاد الدولي لكرة القدم من الأب الحنون الذي يهتم بتطوير لعبته وانتشارها وتوفير العدالة بين أبنائه وهم الدول الأعضاء بالاتحاد، إلى الأب الجشع الذي لا يرى في لعبته وأولاده إلا مصدراً لاستغلالهم والقسوة عليهم وتشغيلهم بالسخرة لجلب المال وملء خزائنه.. ولا مانع طبعاً أن يمنحهم جزءاً يسيراً من أرباحه.

هذه كانت الأرباح المتوقعة. أما الخسائر فهي لا تعد ولا تحصى، وعلى رأسها تدمير اللاعبين وتحويلهم إلى ماكينات لا تتوقف عن العمل صيفاً وشتاءً وتعرضهم لأكبر قدر من الإصابات المتنوعة. وابتعاد المئات من الموهوبين عن المباريات والملاعب والجماهير لفترات غير قصيرة وهو الأمر الذي دفع المدربين الكبار أمثال يورغن كلوب الألماني المدير الفني لليفربول وبيب غوارديولا الإسباني المدير الفني لمانشستر سيتي الإنجليزي إلى الحديث علناً عن تعرض اللاعبين للقهر، بل والقتل من البرامج المكتظة لمسابقات كرة القدم المحلية والأوروبية والعالمية.

وشهدت السنوات الأخيرة ارتفاعاً ملحوظاً ومضطرداً في أعداد اللاعبين المصابين لفترات طويلة، لاسيما من بين النجوم المشاهير. وغاب خمسة من أبرز لاعبي مانشستر سيتي عن ناديهم في الموسم الحالي بينهم أربعة من خط الدفاع مرة واحدة فاهتزت العروض والنتائج. بينما عانى ريال مدريد من غياب سبعة من نجومه الأساسيين في إحدى المباريات للإصابات أيضاً. وستطول فترة غياب الأوروغوياني لويس سواريز عن ناديه برشلونة لنهاية الموسم، بينما كان زميله الفرنسي في الفريق الإسباني عثمان ديمبليه قد غاب لنفس المدة في النصف الأول من الموسم.

ويخشى الجمهور الإنجليزي على منتخب بلاده في نهائيات الأمم الأوروبية المقبلة بعد تفاقم إصابات الهدافين الأول والثاني للفريق هاري كين وماركوس راشفورد واحتمالات عدم لحاقهما بالبطولة.

ومن الخسائر المؤذية لكرة القدم على المدى الطويل اتساع الفجوة تدريجياً بين الأندية القوية والغنية والمستحوذة على أغلب البطولات المحلية والقارية وبين الأندية الأخرى التي اقتصرت طموحاتها مؤخراً على التواجد في البطولات الكبرى وبيع لاعبيها الأكفاء إلى تلك الأندية بعشرات أو مئات الملايين من الدولارات لتتمكن من البقاء على قيد المشاركة في بطولات الكبار.

ولذلك بات طبيعياً أن يبقى لقب كأس أندية العالم ودوري الأبطال الأوروبي شامبيونزليغ وكذلك الدوري الأوروبي في أحضان أندية إنجلترا وإسبانيا (فقط الكبار منها ريال مدريد وبرشلونة غالباً وليفربول وتشيلسي ومانشستر يونايتد).. مع مناوشات محدودة لأبطال إيطاليا وألمانيا (يوفنتوس وميلان وإنتر وبايرن ميونيخ دون غيرهم).

وتمتد خسائر انفجار البطولات الكبرى والمستحدثة سواء عدداً أو زمناً إلى التوزيع غير العادل للاعبين بين الأندية.. ففي الخمسينيات ظل البرازيلي بيليه أحسن لاعب في التاريخ في نظر الكثيرين وفياً لناديه البرازيلي سانتوس من 1956 ولمدة 19 عاماً. ولم يترك الحارس السوفييتي الفذ ليف ياشين (صاحب جائزة القفاز الذهبي لأحسن حارس في العالم) ناديه الروسي دينامو موسكو لمدة 22 عاماً، رغم الإغراءات الضخمة من الأندية الأوروبية الكبرى وقتئذ.. وفي تلك الفترة كانت البطولات الأوروبية للأندية ذات شأن محدود دعائياً ومالياً فلم يكن بها ما يجذب الأفذاذ أمثال بيليه وياشين وغيرهما.. بينما لا تجد الآن لاعباً فذاً خارج الأندية الكبرى وتتساقط الأموال على أي موهبة تتجاوز عامها الثامن عشر لتنتشله من ناديه كما ينتشل الغريق من البحر.

وها هو النرويجي أيرلينج هالاند ينتقل من ريدبول سالزبورغ النمساوي إلى بروسيا دورتموند وهو دون 19 عاماً.. وكذلك انتقل البرازيليون ميرتنيلي 18 عاماً إلى آرسنال، فينيسيوس جونيور ورودريغو وكلاهما دون 18 عاماً إلى ريال مدريد.

وسيراً على هذا النهج المؤذي للعبة وللعدالة تسعى الأندية الأوروبية الكبرى (يطلقون عليها الثمانية الكبار ولكن عددها ازداد مؤخراً ليصل إلى 20 نادياً.. يتقدمها ريال مدريد وبرشلونة وليفربول ومانشستر يونايتد ويوفنتوس وبايرن ميونيخ) للانسلاخ عن الاتحاد الأوروبي وبطولاته لعمل بطولة جديدة خاصة تستمر طوال العام على نهج بطولات الدوري المحلي. ليلتقي كل ناد منها مع منافسيه بنظام الذهاب والإياب طوال الموسم وترتفع جوائزها إلى مئات الملايين من اليوروهات.. علماً أن جوائز شامبيونزليغ الأوروبي لا تتجاوز 19 مليون يورو للبطل و15 مليوناً لوصيفه و12 مليوناً للخاسرين في الدور نصف النهائي.

ورغم استهتارهم بهذا الرقم الضخم وللدلالة على الفوارق الشاسعة بين ميزانيات تلك الأندية وأقرانها في القارات الأخرى والتي ستواجهها كمنافسين في كأس العالم للأندية بنظامها الجديد. فقد أصدر الفيفا تقريراً عن مصروفات الدول الإفريقية على كرة القدم خلال 2019، في شراء وبيع اللاعبين المحترفين داخلياً وخارجياً (الكلام هنا عن الدول وليس الأندية والدولة تضم بالطبع آلاف الأندية). جاءت مصر في المركز الأول إنفاقاً برصيد 34 مليون دولار. وهو رقم يقل كثيراً عن جوائز الفريقين الأول والثاني في شامبيونزليغ الأوروبي مع اعتبار فارق السعر بين اليورو والدولار.

في النهاية لا نملك عبر تلك النافذة الصغيرة إلا الإشارة والتحذير من خطر انفجار بطولات كرة القدم عالمياً وقارياً سواء على صعيد العدد أو الزمن.. ورفقاً باللاعبين والأندية الصغيرة.

  • ناقد رياضي مصري







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي