نيويورك تايمز: ترامب لن يعلن عن “صفقة القرن” بل هدية جديدة لنتنياهو

2020-01-27

عاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى البيت الأبيض، حيث يتوقع أن يكشف الرئيس الأمريكي عن “صفقة القرن” التي يعمل عليها منذ ثلاثة أعوام. وكما هي عادة ترامب في كل خطواته المتعلقة بالنزاع الإسرائيلي- الفلسطيني، يهدف الإعلان عن الخطة وبحضور نتنياهو لمنحه دفعه انتخابية.

وفي تقرير أعده مارك لاندلر لصحيفة “نيويورك تايمز” قال إن ترامب رحب بعد أقل من شهر على تنصيبه كرئيس للولايات المتحدة بنتنياهو في البيت الأبيض ووعده وبصراحة أنه سيقوم بالتوسط في اتفاق سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، المعضلة الدبلوماسية التي أتعبت نصف الرؤساء الذين سبقوه. وقال في عام 2017: “أعتقد أننا سنحقق صفقة” و”قد تكون صفقة أكبر وأفضل مما يتخيله الناس في هذه الغرفة”.

 

وقال: “وكأي مفاوضات ناجحة على كل طرف تقديم تنازلات، وأنت تعرف هذا؟” متوجها إلى ضيفه الذي ابتسم قائلا: “كلا الطرفين”. وسيتعرف نتنياهو في اجتماعه مع ترامب يوم الإثنين والثلاثاء على الخطة، حيث قال يوم الأحد إنه يأمل “بصناعة التاريخ”.

وبدلا من كونها خطة جريئة لتقريب وجهات النظر بين الطرفين، يتوقع الخبراء أن تكون الخطة مجرد دفعة لحملة نتنياهو للبقاء في السلطة. وتقول الصحيفة إن بيني غانتز منافس نتنياهو حضر إلى واشنطن للقاء ترامب على حدة مع أنه رفض الدعوة خشية أن تكون مجرد مصيدة سياسية يلعب فيها نتنياهو رجل الدولة فيما يبدو غانتز شخصا تافها بالمقارنة. ولكن المحللين قالوا إنه لا يستطيع رد دعوة الرئيس ترامب الذي يحظى بشعبية في إسرائيل.

أما الفلسطينيون الذين توقفوا عن الحديث مع البيت الأبيض بعد قرار ترامب الاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية لها فلن يكونوا في واشنطن للإطلاع على تفاصيل الخطة وتعهدوا برفضها. ونقلت الصحيفة عن مارتن إنديك، الذي عمل سفيرا للولايات المتحدة في إسرائيل ومبعوثا خاصا في إدارة باراك أوباما للإسرائيليين والفلسطينيين: “أن يقوم بعمل هذا وسط الانتخابات الإسرائيلية وبدون مشاركة الفلسطينيين وبدون خطة لمتابعتها مع المشاركين يعني أنها ليست خطة سلام بالمطلق”. وقال إنها “مهزلة من البداية إلى النهاية”. ويعلق لاندلر أن رأي إنديك قاس ولكنه ليس وحيدا في موقفه بين الدبلوماسيين الذين عملوا على الجهود السلمية السابقة.

ومثل البقية من الديمقراطيين والجمهوريين فقد راقب إنديك الأيام الأولى من إدارة ترامب بنوع من الإثارة والأمل، حيث اعتقد أن هذا الرئيس غير الدبلوماسي ربما كان قادرا على تحقيق اختراق دبلوماسي حيث فشل الآخرون. بل واشترك بعض الأشخاص في المنطقة في الرؤية التي ينتصر فيها الأمل على التجربة. وصدق فلسطينيون وإسرائيليون “صفقة القرن” ووصفوها بـ “الصفقة الأفضل”. وجلب الرئيس معه تباهيه بالقدرة على صناعة الصفقات وحدس متعهد العقارات لمشكلة تتعلق بالخلاف على التاريخ. وزادت علاقته مع نتنياهو من الآمال على قدرته استخراج تنازلات من إسرائيل. وكدليل على اهتمامه بالأمر فقد كلف مستشاره وصهره جارد كوشنر بالملف.

  الفلسطينيون الذين توقفوا عن الحديث مع البيت الأبيض لن يكونوا في واشنطن للإطلاع على تفاصيل الخطة وتعهدوا برفضها

وقاد كوشنر فريقا من جيسون غرينبلات، محامي مؤسسة ترامب السابق، وديفيد فريدمان، محامي الإفلاسات الذي عينه ترامب سفيرا في إسرائيل. وأصبح من أكثر الشخصيات تأثيرا على ترامب في موضوع إسرائيل. وتقول الصحيفة إن كوشنر وغرينبلات تجولا لعدة أشهر في الشرق الأوسط والتقيا قادة السعودية ومصر والأردن وبقية الدول. وقامت إستراتيجيتهما على “من الخارج للداخل” وتهدف للحصول على دعم من تحالف عربي لخطة السلام.

وكان البيت الأبيض يأمل من خلال هذا النهج أن تقوم الدول العربية بالضغط على السلطة الوطنية الفلسطينية للقبول بما سيعرضه عليها. وركز كوشنر وقتا كبيرا لولي العهد السعودي محمد بن سلمان والذي أقام معه علاقة وثيقة. وعبر محمد بن سلمان عن رغبة بإقامة علاقات مع إسرائيل وقال إن من حق الإسرائيليين الوجود على أرضهم.

وفي أمريكا لعب أنصار ترامب الداعمين لإسرائيل دورا وعبروا عن قلقهم من ممارسة ترامب الضغط على نتنياهو، حيث أخبره أن التوسع الاستيطاني لا يساعد على اتفاقية السلام. وبعد لقائه مع رئيس السلطة محمود عباس في أيار (مايو) 2017 قال ترامب إنه “تشرف” بلقائه وهي تغريدة اختفت لاحقا من تغريداته. واختفت كل المخاوف لدى أنصاره عندما أعلن بعد سبعة أشهر أنه سينقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، معترفا بها كعاصمة لإسرائيل. وهو ما أفرح الإنجيليين وكذا المتبرع المؤيد لإسرائيل شيلدون إديلسون ملك الكازينو في لاس فيغاس.

لكن الخطوة أبعدت الفلسطينيين الذين قطعوا العلاقة مع البيت الأبيض وأفشلت الجهود التي كان البيت الأبيض يأمل بتحقيقها مع الدول العربية وإقناعها بدعم خطة السلام. وكان الملك سلمان من بين الذين شجبوا القرار وقال إن “القدس الشرقية جزء لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية”. ورد ترامب بعنف على الرفض الفلسطيني وعاقبهم بوقف ملايين الدولارات من أموال المساعدات عن السلطة الوطنية وكذا تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا). وأغلقت وزارة الخارجية مكتب منظمة التحرير في واشنطن وخفضت من مستوى القنصلية الأمريكية في القدس، رغم كونها قناة للتواصل مع الفلسطينيين. وتم دمجها مع السفارة الأمريكية تحت سلطة فريدمان الذي قال لاحقا إن إسرائيل لها حق ضم أراض في الضفة الغربية.

  واصل كوشنر وغرينبلات العمل رغم الصدع مع الفلسطينيين على الخطة تحت غطاء من السرية وأعدا وثيقة مع ملاحق ضمت مقترحات وحلولا لكل القضايا الرئيسية

وواصل كوشنر وغرينبلات العمل رغم الصدع مع الفلسطينيين على الخطة تحت غطاء من السرية وأعدا وثيقة مع ملاحق ضمت مقترحات وحلولا لكل القضايا الرئيسية مثل الحدود واللاجئين ووضع القدس. ورغم عدم الكشف عن الخطة إلا أن شكلها أصبح واضحا، فهي لا تتحدث عن دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل ولا عن القدس كعاصمة للدولة الفلسطينية ولا تعترف بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين أو تعويضهم.

وقال كوشنر وغرينبلات الذي غادر الإدارة إن الفلسطينيين والإسرائيليين سيجدون في الخطة أشياء مقبولة وغير مقبولة لهم. وكان من الواضح أنها تحبذ الجانب الإسرائيلي أو بعبارة أوضح جانب نتنياهو الذي بات محاصرا سياسيا. ففي بداية 2019 كان نتنياهو يواجه اتهامات بالفساد والرشوة ويقاتل من أجل مستقبله السياسي.

وفي انتخابات نيسان (إبريل) 2019 منحه ترامب هدية انتخابية وهي الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967. وبسبب عدم الاستقرار السياسي الذي أخر الإعلان عن خطته وجه كوشنر اهتمامه للبعد الاقتصادي. ففي حزيران (يونيو) 2019 أعلن عن نية الولايات المتحدة جمع 50 مليار دولار لتحسين حياة الفلسطينيين وجيرانهم العرب. وعنوان خطته المكونة من 38 صفحة بـ”السلام والازدهار”، وهي تشبه كما تقول الصحيفة نشرة إعلامية صقيلة لشركة عقارات.

وأتبع كوشنر الخطة بورشة من يومين في المنامة بالبحرين والتي قاطعتها السلطة الوطنية وتجاهلها القادة العرب الذين لم يعد مشروع السلام مهما لهم. وحتى بعد قراره الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان لم يكن نتنياهو قادرا على تأمين الفوز بانتخابات أيلول (سبتمبر) 2019 والتي لم يحصل فيها على غالبية مقاعد الكنيست. وعند إعلان ترامب عن خطته فلن تكون “صفقة القرن” بل دفعة انتخابية لنتنياهو.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي