قصة يورغن كلوب: رجل المسرح الذي ترك التمثيل وتخلى عن حربه ضد الرأسمالية

2019-12-30

مازن زكي *

«موظف بنك سابق ويدير النادي كأنه يدير بنكاً، داخل ذهنه طريقة واحدة للنجاح، هو يفكر قائلاً لنفسه: أنا مدير حسابات، لقد وضعت البيانات وأعلم كل شيء»

هكذا يتحدث روب غرين حارس مرمى نادي تشيلسي الثالث عن مدربه السابق ماوريسيو ساري، بل إن غرين لم يكتف بهذا فقط بل أعلن أنه صارح ساري أنه ليس لديه الكثير من الحلول كمدرب، وأنه رجل تقليدي، يضع الخطة والأسلوب وينتظر أن ينجح هذا الأسلوب لأن الأرقام تدعم وجهة نظره.

هل ذلك من العقل؟

هل علي فرض سيطرتي الكاملة فوق كل شيء حتى أسلوب المنافس؟ أم علي التحلي بالشجاعة والعمل الجاد ومواجهة كل أسلوب على حدة؟

السؤال الأهم الآن، ماذا لو كان الإيمان بالأفكار خارج الملعب مضرة، هل من الصحيح التخلي عنها؟ أم أن التزمت ينتصر في النهاية؟

الرجل المسرحي

تلك اللوحات التي تعلق على حوائط المعارض، تبدو لك عميقة بعض الشيء، جميلة أيضاً، تلك اللوحات المرسومة بخطوط منسقة، وألوان مختارة بعناية، تجذب عينك وتريح أعصابك، وتغمر قلبك بالسعادة. لكن من العار أن تختصر تلك اللوحة في نظرة واحدة، بل من العار أيضاً أن تكرر تلك المقولة الزائفة، مقولة ظالمة أن عملها سهل، قمة الظلم أن تنظر لهذا العمل على أنه بلا إبداع، كذلك يورغن كلوب.

ما رأيك باللقطات الرومانسية بين كلوب ولاعبيه بعد كل مبارة، التي تعرضها الشاشات وتزدحم بها وسائل التواصل الاجتماعي؟

جميل أن نراها بعد الفوز لكن عجيب أن نراها بعد الهزيمة أيضاً. عجيب هو كلوب.

ما رأيك إذا ذكرتك عزيزي القارئ بأولى تصريحات كلوب الرومانسية في رحلته في الأنفيلد؟

قال الألماني: «علينا أن ننتقل من مرحلة الشك إلى الإيمان»

حسناً الآن أنت تدرك أنك أمام رجل مسرحي يحب الصعود إلى المسرح، والحديث بنسق تصاعدي إلى أن يصل بالمشاهدين إلى حالة النشوة القصوى، ثم ترحل من بعد رؤيته وأنت نادم على فراقه في تلك اللحظة، لمَ لا وكلوب نفسه أكد ذلك.

لا، لم يقل كلوب «أنا رجل مسرحي»، ولكن سقطة لسان عابرة في إحدى المرات كانت كفيلة لأفهم ذلك. يقول يورغن عن كرة القدم أنها «كما المسرح، عليها إمتاع الحضور وإلا لا تعد ممتعة». ربما قالها كلوب بعد مباراة صعبت عليه بسبب فريق دفاعي صلب أو ما شابه، لكن ما يهمنا ليس وقت الحديث، بل الحديث نفسه.

المال لا يشتري السعادة

في عام 2016 تعاقد مانشستر يونايتد الغريم التقليدي لليفربول مع بول بوغبا بمبلغ 100 مليون، كما تعاقد مانشستر سيتي مع مدافع إيفرتون جون ستونز بمبلغ 50 مليون جنيه استرليني، وهو الأمر الذي استفز يورغن كلوب ليصرح قائلاً:

«يمكن للأندية الأخرى التسوق إنفاق المزيد من الأموال وجمع أفضل اللاعبين، ولكن إذا أحضرت لاعباً واحداً مقابل 100 مليون جنيه إسترليني أو أياً كان الرقم، وأصيب، فكل شيء سيحترق».

بالطبع يتلقى تصريح يورغن الكثير من الصيحات المؤيدة له من مشجعي فريقه الريدز، لم لا وهو التصريح الذي يتقمص فيه كلوب دور المكافح الكادح ضد الماكينة الرأسمالية الغاشمة لهؤلاء الأغنياء.

استطاع يورغن كلوب أن يفرض أفكاره على مشجعي الريدز من خلال تمريرها عبر انتقاد ملاك فرق مانشستر يونايتد، العدو للجماهير، ومن هنا وجد لكلوب مساحته من الراحة من كم الانتقادات الموجهة له وللنادي من اتهامهم بعدم صرف الأموال على الفريق.

«هل يجب علي أن أفعل ذلك بطريقة مختلفة عن ذلك؟ في الواقع، أريد أن أفعل ذلك بطريقة مختلفة.»

كان هذا يورغن كلوب في السابق، الرجل المسرحي المؤمن بالتطور، البعيد كل البعد عن نظرية إغراق الفريق بلاعبين نجوم بأموال طائلة، لكن ماذا حدث؟

المال يشتري السعادة

» الفوز ثماني مباريات 1-0 أكثر أهمية من الفوز بنتيجة 8-0 في مباراة واحدة، لكن إذا أعطيتني ضمانة بأنني لن أتلقى هدف التعادل في الدقيقة الأخيرة، سأختار الفوز في الثماني مباريات»

كان هذا يورجن كلوب بعد الفوز على شيفيلد يونايتد بصعوبة 1-0، فيما تخطى المنافس مانشستر سيتي واتفورد بنتيجة 8-0 بكل سهولة.

يورغن كلوب رجل المسرح، ماذا طرأ لعقله؟ أعتقد أنها عقلية الدوري الإنجليزي، أو ربما الظروف التي أحاطت به الموسم الماضي بعد فقدان بطولة الدوري بفارق نقطة، أو من الممكن أن يكون لفوزه بدوري الأبطال يد في ذلك.

قد نضع الاحتمالات أمام الأعين ثم ننظر إليها لنختار احتمالاً يتلاءم مع موقفنا مع هذا الرجل، لكن مما لا شك فيه أن شيئاً قد حدث غير من نظرة رجل المتعة إلى رجل الواقعية الذي يريد الفوز فوق أي شيء آخر.

«ليفربول ناد طموح، وإذا لم ننفق نفس القدر من المال مثل الآخرين، فلن نكون قادرين على المنافسة، الجميع ينفقون المال، لذلك علينا أن نفعل الشيء نفسه».

هذا كان كلوب أيضاً، لكن قبل بداية الموسم الحالي. يبدو أن الرجل المكادح الفقير استغنى عن حروبه الضارية ضد الرأسمالية ليصبح غاشماً هو الآخر، والأشد نظراً هو تحول الجماهير من مناصرين لقضية كلوب أمام الأموال، إلى مؤيدين له أمام البعد عن هؤلاء الفقراء الذين لا يصرفون.

فاعتقادي أنه وضح لنا ما يدور في رأس كلوب في هذا التصريح، إذا كان المنافس يصرف 50 مليون في مدافع متوسط مثل ستونز كالسيتي أو 100 مليون في لاعب استعراضي كبوغبا، لماذا لا نصرف 75 مليون على موهبة قوية كفان دايك!.

من الواضح أن أكثر من شيء تغير داخل عقلية الرجل الألماني، الفوز بالطرق الجميلة والتقشف في عملية شراء اللاعبين، كلها أصبحت من الماضي، بل أنه تم استبدالها بجوع وعطش للفوز ضاربين بقوة.

لماذا نحن هنا

نحن هنا لنؤكد على أن ليس كل سقوط هو النهاية، ربما كان بداية جديدة. يورغن كلوب تلقى العديد من الصدمات في حياته الكروية وهو مدرب، ولا أستبعد وجودها كلاعب مع هذا الرجل، لكن ما نراه بعد كل سقوط هو النهوض مجدداً والمعافرة نحو هدف جديد.

في أول موسم لكلوب خسر نهائيين كانا قادرين على بث الروح الانهزامية بداخله، ولم تنته هذه الصدمات ولكن زاد الأمر سوءاً عندما خسر نهائي دوري الأبطال ومن ثم الدوري المحلي بعدها بموسم، قصة يورغن كانت كرواية تعطيك نشوة ناقصة، كأنك تأهبت للعطسة ثم لم تكتمل.

ها هي الحلقة المفقودة في مسيرة يورغن الدرامية، القطعة التي بحث عنها طوال أربع سنين في ليفربول، ربما وجدها بعد ليلة الريمونتادا في الأنفيلد، ربما أيضاً وجدها في أحلامه وهو نائم، المهم أنه وجدها وصار يركض خلفها بكل شغف.

لم يقف كلوب أمام طريق نجاحه فقط لأنها أفكاره التي لا يمكن الاستغناء عنها، بل وافق على تركها في مقابل أن يصير هو بطل الثلاثية القارية. يورغن هو مثال حي للشخص الواقعي الذي يريد النجاح ويواصل العمل للوصول إليه، ليس هذا الشخص المتعجرف صاحب مقولة «أنا على ما يرام».

* طالب وكاتب رياضي

 







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي