"قصة زواج" الفيلم المرشح للأوسكار .. تجربة شخصية تحولت للعالمية

2019-12-28

حسام عاصي

منذ عرضه الأول في مهرجان فينيسيا السينمائي، حصد فيلم «قصة زواج» أهم جوائز النقاد والمهرجانات العالمية، لمخرجه نواه بومباخ ونجومه أدام درايفر وسكارليت جوهانسون ولورا ديرن.

وتصدر مؤخرا ترشيحات جوائز الـ«غولدن غلوب» في ست منها وجوائز نقابة الممثلين في ثلاث. إذاً ما هو سر نجاح هذا الفيلم؟

الطلاق سبرته العديد من الأفلام الهوليوودية والعالمية. بعضها لقي نجاحا نقديا وفازت بجوائز الأوسكار، على غرار «كريمر ضد كريمر» و«السيدة داوتفاير» والإيراني «إنفصال».

 لكن في حديث مع بومباخ، وفقا لـ "القدس العربي" قال لي إنه أراد من خلال الفيلم أن يروي قصة حب بطريقة طريفة، رغم أن حقيقتها ليست كذلك.

«قصة زواج» يحكي في الواقع قصة طلاق، استلهمها بومباخ من تجربة طلاقه من زوجته الأولى الممثلة جينيفر جيسون لي وصراعهما على حضانة طفليهما عام 2013. ومن خلال تجربته الخاصة يسبر ظاهرة الطلاق بشكل عام من منظور كل من الزوج والزوجة بدون التحيز لجانب أو لآخر.

«إنه بمثابة شعور بالخسارة لا يمكن وصفه ينتابك خلال الطلاق. ولكن إذا كان لديك طفل فالأمر يتمحور أيضاً حول تكاتفكما معا أثناء انفصلاكما»، يضيف المخرج.

علاقة حب بين زوجين

يفتتح الفيلم بطرح علاقة حب بين الزوجين تشارلي (درايفر) ونيكول (جوهانسون)، حيث يسرد كل منهما ما يجذبه للآخر. وسرعان ما ندرك أن هذا السرد المفعم بالحب جاء بطلب من مستشار نفسي لانقاذ زواجهما من الانهيار.

تشارلي مخرج مسرحي نيويوركي. نيكول ممثلة موهوبة من لوس أنجليس، تخلت عن نجوميتها في هوليوود وانتقلت الى نيويورك لتصبح نجمة فرقة تشارلي المسرحية. وعندهما طفل، هنري، في العاشرة من العمر.

بعد عشرة أعوام من زواجهما، تشعر نيكول أنها تعيش في ظل تشارلي وتريد أن تحقق ذاتها وتطور موهبتها خارج نطاق مسرحه، بينما يصر تشارلي على أن شيئا لا ينقصها وأن بامكانها أن تحقق ما تريده في مسرحه. فتتافقم الأمور بينهما ويقرران الانفصال في هدوء والاتفاق وديًا على تسوية مالية وتقاسم حضانة ابنهما من دون اللجوء للقضاء.

ومع أن شخصيتي الفيلم تعكسان شخصية بومباخ المخرج وزوجته الممثلة، إلا أن بعض أحداث الفيلم أيضا مستلهمة من تجارب زملائه وممثليه. فجوهانسون، التي مرت بتجربة طلاق، كشفت لي في مقابلة حصرية أنها أضافت الكثير لشخصية نيكول من تجربتها الخاصة، بعد أن ناقشتها مع بومباخ لمدة عدة أشهر.

«بالإضافة إلى العمل معه لفهم هوية نيكول ومن أين أتت ومن هي عائلتها وبناء شخصيتها معه، بالطبع لدي طريقتي في تأويل التجارب الخاصة بالشخصية التي أؤديها، وذلك من خلال ما أعرفه كشخص وما موجود داخلي مسبقا. وبالفعل إنه ينبع من داخلي ومن الحضور العاطفي الخاص بي. ولكنه بلا شكل ينبع منه أيضا».

درايفر أيضا أضفى على شخصية تشارلي من تجربة انفصاله من صديقته. «في مرحلة ما عليك أن تشخصنه»، يقول الممثل. «هناك دائما جزء ما يُلم به بومباخ أو الكاتب أكثر منك. ومن ثم ينتقل ليصبح وثيقة تترجمها بعدها إلى نسختك الخاصة. ولكن معظم ذلك كان مكتوبا في النص، حيث كتب نصا كان كل مشهد فيه يحتوي على أمر عاجل وشديد. وقد ساعدني ذلك كثيرا».

فعلا، نص بومباخ غني بتفاصيل عملية الطلاق ويوحي بفهم عميق لها. وذلك لأنه عاشها أكثر من مرة. فقبل طلاقه، طرح قصة طلاق والديه في فيلم «ذي سكويد أند ذي ويل» عام 2005 من منظوره كمراهق تتدهور حالته النفسية عندما تحتدم الصراعات بين والديه بعد انفصالهما. ويعترف أن طرحه في قصة زواج كبالغ كان مختلفاً.

«عندما تصبح بالغا تشعر بما قاساه والداك وتتفهمهما»، يوضح بومباخ «وحصل ذلك عندما أصبحت أباً. صرت أنظر إلى والديّ بطريقة جديدة فجأة لأن بإمكاني التماهي معهما. لهذا جانب من «قصة زواج» يتمحور أيضا حول والدي وطلاقهما».

ومع ذلك حبكة «قصة زواج» الأساسية مبنية من تجربة طلاق بومباخ. فعندما تحصل نيكول على دور في مسلسل تلفزيوني في لوس أنجليس، تنتقل الى هناك مع هنري، مما يثير حفيظة تشارلي، لأنه يضطر الى السفر ست ساعات لكي يقضي وقتا مع إبنه، وذلك يعّقد مشروع مسرحيته الجديدة في نيويورك. فتستعين نيكول بمحامية طلاق (لورا ديرن) لضمان بقاء هنري معها. وبدلا من التوسط بين الزوجين، تثير المحامية نيكول ضد تشارلي وتحثها على عدم المساومة معه أو التنازل عن أي شيء.

الجانب التجاري للطلاق

«بلا شك أن المحامية هي سبب الانقسام وفي الوقت نفسه الصديقة المفضلة لمساعدتها على تجاوز تلك المرحلة والحصول على ما تريد من خلال اغرائها بالتعاطف معها».

تقول ديرن «ذلك ما يجذب الناس. هي تبدأ بالثرثرة كما تفعل مع صديقك المفضل لتحولها الى قضية تربحها وعندها ندخل في الجانب التجاري للطلاق».

فعلا، فتكلفة المحامين تنكشف لنا عندما يضطر تشارلي لتعيين محام له ويخبره أنه يتقاضى 950 دولارا في الساعة. وتشتعل معركة قضائية صاخبة ومريرة، تقلب نغمات الحب الى اتهامات بالكراهية، ويفقدان السيطرة على مصيرهما، الذي صار رهينة في أيادي المحاميين.

«شعرت أن تشارلي ونيكول خسرا صوتهما في خضم هذه العملية بطريقة ما، ويبدوان وكأنهما يتكلمان مع بعضهما، ولكنهما صامتات في الواقع، بينما يتكلم المحاميان. وعندما يتمكنان أخيرا من محاولة الحديث عن ذلك يصبح صعبا للغاية سد تلك الفجوة»، يقول بومباخ.

تشارلي ونيكول يقعان في مستنقع مأساوي ومع ذلك يمزج بومباخ طرحه لمصيبتهما بالفكاهة، كما عودنا في أفلامه السابقة، على غرار «مارغو في العرس»، و»فرانسيس ها» و»وميسترس أمريكا»، حيث تناول مواضيع داكنه وأزمات عاطفية مؤلمة بأسلوب كوميدي.

«الفكاهة سمة إنسانية»، يعلق بومباخ «هناك الكثير من القصص الإنسانية ومن الممكن أن أبحث في مجموعة من الجوانب الأكثر قتامة إلا أنها الجوانب الأكثر قتامة في إنسانيتنا، ولطالما شعرت أن الفكاهة ترافق ذلك. فجميعها شيء من الأمر نفسه. وقد وفر لي هذا الفيلم فرصة للتغلغل داخل القصة. شعرت دوماً أن كل شيء على المحك من جهة حضانة الطفل، الزواج نفسه، ومهنتهما. وبالنسبة لشارلي ونيكول فإن كل أمر يعتبر طارئاً.

وبعضها أيضا سخيف للغاية ولا يمكنك أن تصدق الشخص الذي تزوجت منه أن تقوم بتسليمك أوراق الطلاق في المطبح. إنه أيضا أمر جنوني جدا. وهناك فكاهة عظيمة فيه تتزامن مع الدراما والانفعالات المفرطة والحزن، لذا لم أشعر حتى أنني بحاجة لأقيم توازنا متعمداً. كان علي فقط أن أكون صادقاً مع المشاهد وكلاهما سيتعايشان في آن واحد».

بومباخ يغرس الكوميديا في نص الفيلم خلال كتابته، ويتركها للممثلين للقيام بها بشكل حدسي بدون المحاولة لجعل الأمر مضحكا، من خلال تقديم أداء يظهر الحقيقة.

«بالتأكيد إنه حس نواه الفكاهي»، يؤكد درايفر. «ولكنه أيضا الحس الفكاهي المشترك. فخلال التصوير حاولنا إيجاد لحظات يصعب إيضاحها في النص، مثل محاولة تشارلي فتح باب الخزانة في الطريقة الخاطئة لأنه لا يألف هذا المنزل جيداً كمنزله. ثمة لحظات من هذا القبيل كما العثور عليها كان ممتعاً. أما ما يتعلق بلوس أنجليس وطقسها الحار جدا بينما يبالغ تشارلي باستمرار لبس الملابس الشتوية ومساحة لوس أنجليس، فذلك أتى من النص. وهو مجددا شهادة على الحياة وأننا لا نعيش حياة ذات نوع واحد. ليست جميعها متنشابهة».

«أنا ونواه نتشارك في الحس الفكاهي الساخر»، تضيف جوهانسون. «لأنه بالتأكيد هناك. بعض الأمور المضحكة بشأن الفظائع. وأنا أحب ذلك أيضا. كما هذا النوع من الفكاهة يروق لي».

من المفارقات أنه رغم تصاعد نسبة الطلاق في العالم الغربي في العقود الأخيرة الى ما بين أربعين الى خمسين في المئة، إلا أن أكثر من تسعين في المئة من الناس ما يزالون يقبلون على الزواج. بومباخ يطرح حلا لتفادي تدهور العلاقات الزوجية.

«على الوالدين أن يبذلا قصار جهدهما وأن يدركا حاجتهما عندئذ، الى البقاء سويا حتى لو كانا منفصلين من أجل أطفالهم».

باومباخ نجح في تحويل تجربة شخصية الى قصة عالميه مؤثرة في قصة زواج. فالفيلم يبكّي ويضحك ويثير المشاعر ويشعل الأفكار وذلك بفضل نصه المتين وحواراته المشحونة، والأداءات الرائعة لممثليه، الذين يتصدرون التكهنات في الفوز بجوائز التمثيل في أوسكار هذا الموسم.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي