النص الرقميّ.. الحداثة الرقميّة وواقع الأدب العربي

2019-12-02

حمزة قناوي*

هل هُناكَ أدب رَقمي عربي؟ هل دخلنا إلى عصرٍ جديد حدث فيه تحولٌ في النوع الأدبي العربي بحيث نستطيعُ أن نقول إن لدينا نصاً أدبياً عربياً رقمياً؟ سُؤالٌ رُغمَ وُضوحِهِ ومُباشَرَتِهِ إلا أن الإجابة عنهُ ليست بالأمر الهين في ظل اختلاف المفاهيم من ناحية، وفي ظل ضبابية تحديد اتجاه البحث من ناحية أخرى. هل نبحثُ عَن هذه الإجابةِ بالاستِعانةِ بنَظريةِ الاتصال والتواصل – وفق ما يقول سعيد يقطين (1) – أم نبحثُ في الحَقلِ الجمالي والنوع الأدبي، وفق ما يرى حسام الخطيب، أم في التقنية نفسها، وآفاق علومها بما تتيحه من إمكانيات هائلة في طريقة تقديم النص، وفق ما يرى عبد السلام بنعبد العالي (2)، أتصورُ أنهُ فِعلاً أمرٌ يستحِقُ التأمُّلَ.

تأتي من هنا أهميةُ كتاب الناقد سعيد الوكيل "من النص الرقمي إلى نص الحداثة الرقمية" (مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر، القاهرة، 2018م) لكونهِ بحثاً في إجابةِ سُؤالِ النَّصِ الأدبي الرقمي العربي باستخدام المقاربات الثلاث، من منظور نظريةِ الاتصال والتواصل من ناحية، ومن منظورِ الحقل الجمالي والنوع الأدبي من ناحية ثانية، ومن منظور خصائص التقنية ذاتها من ناحية ثالثة، ثم تخطي ذلك إلى التطبيق النقدي والتنظير الأدبي حول الظاهرة من ناحيةٍ رابعة.نص الحداثة الرقمية" (مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر، القاهرة، 2018م) لكونهِ بحثاً في إجابةِ سُؤالِ النَّصِ الأدبي الرقمي العربي.

رغمَ صِغَرِ حجمِ الكتاب مقارنةً بغَيرهِ مِن الكتب التي خصصت نفسها لهذا الموضوع، إلا أن السمةَ الأولى التي تطالعنا هي محاولةُ الاستيفاء المنهجي لمناقشة الظاهرة محل التفسير بمعرفة وتبصر، وبمدخل يحيط بجوانب الظاهرة المتشعبة.

 

"لا يصح الادّعاء بأن هناكَ رواية تُناسِبُ الإنترنت وأخرى لا تناسبها"

جاءَ الفصل الأول من الكتاب بعنوان (النص من الخطية إلى التفاعل)، ويعد الفصل الأكثر ثقلاً في تتبع ظاهرة النص التشعبي عالمياً، فقد امتَلَأ بالعديدِ مِن المعلومات القيمة، التي حاول المؤلف أن يُقدِّمَهَا بشَكلٍ مُحايد، مستلهماً نقلَ السياق الذي ولد فيه النص التشعبي، فبدايةً يُشيرُ إلى ارتباطه بالحاسوب، ومن أهم سماتِه أنهُ لا يخضع للقراءةِ الخَطيَّةِ من نقطة إلى أخرى، قبل أن يتتبعَ نَشأةَ وعلاقةَ النص التشعبي بالثورة السيبرنطيقية – أي فكرةَ التحكم باستخدام المعلومات – منذ 1940م، فقد تغيرت الفلسفة السببية لكون (ب) مثلاً نتيجةً عن (أ) لتصبح الرؤية لكلٍ من (أ) و(ب) أنهما مترابطانِ معاً، ويتأثر كلٌ مِنهُما بالآخر، ليست (أ) تؤثر في (ب) فقط دونَ أن تتأثر، ولا شك أن أفكارَ التداول المعلوماتي تُهدد استقلال الدول القومية، وتبعث على نشأة مجتمعات إلكترونية جديدة.

أدَّى ذَلِكَ إلى الاهتمام ليس فقط بالنص التشعبي، وإنما أيضاً إلى النص الخفيّ وراءَ النَصِ التشعُّبي، يقصدُ الكاتبُ من ذلك البرمجيات التي يتم من خلالها تقديم النصوص التشعبية. إن استخدامَ الإنترنت كوسيط اتصاليّ يؤثر بطريقته الخاصة على الرسالة، ويلقي عليها سماتٍ جديدة، ويستعرض الآراء النقدية الغربية التي ترى في النص التشعبي فرصةَ تَحقيقِ مبادئَ نقديةٍ نادى بها النقاد من قبل، لكن أصبحت إمكانية تحقيقها في النص التشعبي أيسر، مثل فكرة "تعدد الأصوات" التي نادى بها ميخائيل باختين، أو فكرة حرية تداول النصوص لميشيل فوكو، وإلغاء البناء الهرميّ لحركات ما بعد الحداثة عند جان فرانسوا ليوتار، وشَبكيَّةِ النَصِ عند رولان بارت في كتابه S/Z ، وغيرها من الأفكار التي يصبحُ تطبيقها أيسَرَ في ظل ما تتيحه فكرة تشعبية النص من إمكانيات.

يخلص د. الوكيل إلى أن أهم دعائمَ النَصِّ التَشعُّبيِّ هي إلغاءُ مَبدأِ الخطية، والتأكيد على مفهوم التفاعلية، وفقَ تَغيُّرِ خَصائِصِ الاتصال، وتعدديته، وخلق علاقات احتمالية جديدة بين النصوص وبعضها بعضاً مَعَ مُرونةٍ في الإطار المكاني والتناص، وإن كانت هناك محاولات لمثل هذه المفاهيم باستخدام الطباعة المرنة، بإتاحة فرصة إعادة ترتيب الأعمال الفنية، كما وجدنا عند محاولات مارك سابورتا ورايموند كويتو وغيرهما، إلا أن الطباعة لم تمثل تغيراً جذرياً في تَشكُّلِ الكِتابةِ، فَفِي النهاية الخطية من نقطة إلى أخرى هي التي تحكم الموقف، بيد أنها أتاحت فرصةً أكبَر للقارئ في إيجادِ عِدةِ مَساراتٍ خَطيَّة أيضاً، من البداية التي يختارها إلى نهاية الكتاب المطبوع الذي يقرأه.

بيد أن مثل هذه الأمور لا شك تُعطي للقارئ دوراً أكبر في تلقي العمل، دورٌ يصلُ إلى حدِّ إيهامِهِ بأنَّهُ يَقومُ بتأليف العمل، ومع تقدُّمِ الذكاء الاصطناعي وصلنا لمرحلة التفاعل، فهناك نقاطٌ تتيحُ للمتلقي التفاعل معها، صحيح أن هذا التفاعل محكومٌ مسبقاً وفقَ بَرمَجةٍ محددة، بيد أنه يسمح بالاختيار المتعدد عبر مسارات متنوعة عن الشكل الخطي الذي تحكمه النصوص المطبوعة، ولكن يجدر الانتباه إلى أن آلية الإبحار في النص التشعبي، تأخذنا بعيداً عن النصِ نفسه، فهي تلقي بظلالِهَا على طريقة تشكيل النص، والإيهام به، والخيال المتخلِّق حوله.

لقد فنَّدَ الكاتب أنواع النص التشعبي، فوجد منها التوريقي، والشجري، والنجمي، وهي أنماطٌ يرى أنها لا تحقق فاعليةَ نَصٍ أدبي تشعبي، بل هي وسائل تشعبية لإيصال النُصوصِ الأدبية – الخطية إن جاز التعبير – إلى الحاسوب، أما النصوص الأدبية التفاعلية فهي تِلكَ التي تتبعُ الشكل التوليفي أو الشبكي أو الجدولي، فهذه الأشكال تتيحُ الاستفادة من إمكانيات التشعيب والتفاعل، ولكنَّ هذا أيضاً يضيف تحدياً كبيراً لكل من: مؤلفِ الرواية وقارئها، فلا يصح الادّعاء أن هناكَ رواية تُناسِبُ الإنترنت وأخرى لا تناسبها؛ خاصةً إذا كان الحديثُ عَن نوعٍ جَديدٍ من الروايات يستفيدُ من هذه القدرات. ويتعرض الفصل في نهايته إلى بعضِ انتقادات الكتابة التفاعلية، طارحاً سؤالاً مركزياً: هل هناك حاجة لها أساساً أم لا؟  متتبعاً تساؤل بابيس ديرميتزا كيس: هل هناك حاجة أساساً للسيرِ بخلاف ما حدده المؤلف؟ وبهذا الطرح ينهي الفصل أُسُس مَسألةِ النص المتشعب في الثقافة الغربية وتطوراته السياقية.

النص الرقمي في الثقافة العربية

في الفصل الثاني (النص الرقمي في الثقافة العربية)، ينتقلُ للحالِ في الثقافة العربية، فيستعير مقولة سعيد يقطين من أن الحديث عن واقع كتابة النص التشعبي في الثقافة العربيةِ ذو شجون، فهي كتابةٌ قليلةٌ جداً، بل تكاد تكون منعدمة، فهناك فرق بين أن يتم تقديم النص من خلال تقنيات النص التشعبي، وبين أن يتم استخدام هذه التقنيات في الكتابة ذاتها، فيبدأ في تحليل رواية "ظلال الواحد" لمحمد السناجلة، ولعلنا نلاحظ هنا أن تحليل هذه الرواية يتم عن طريق الرصد الدقيق والمتأني لمسارات التشكيل التشعبي، وليس لمسار الأحداث أو الحبكة، وإنما طريقة تقديم الحكاية عبر تقنيات التكنولوجيا وليس الأدب، ليصل من ذلك إلى أنَّنَا أمامَ بنيةٍ روائيةٍ دائِريةٍ خَطيةٍ مَركزيةٍ عَاديّة، لم تستفد في مساراتها الثلاثة المُتاحة أمام القارئ من إمكانيات التشعيب، فلا يوجد في داخلها حركات داخلية تكسر حدة الخطية من البداية إلى النهاية.

 

"أكبر شاهد على ميلاد الحداثة الرقمية تجلّى في أفلام الأطفال، التي تم إنشاؤها بالكامل من خلال الحاسب الآلي"

يحلل الناقد مقولات محمد السناجلة في كتاباته عن الأدب التفاعلي، واصفاً رُؤيتَهُ بأنها "طوباوية"، وأن هناكَ فارقاً بينَ مَا يتحدث عنه الكاتب السناجلة، أو ربما ما يظن أنه يحققه في الكتابة، وبين المتحقق فعلاً، فليس من مظاهر حقيقية لإنتاج أدب تفاعلي حقيقي، وليس من محاولة – جدية من وجهة نظره – لإيجاد نصٍ أدبيٍّ جديد. ويمضي في برهنته على ذلك لتحليل روايته "شات"، متحدثاً عن الوسيط المُستَخدَم (فلاش ماكروميديا)، وعن الإضافاتِ التَفاعُليةِ التي أضافَهَا السناجلة، ونلاحظ هنا أن الوكيل بدأ يناقش بعض المسارات الفنية في الرواية، فيتحدث عن علاقة ظهور بعض الرسومات أو الأضواء بمسار الحكي والحبكة، لكنه يخلص من ذلك بأنه ليست هناك استفادة حقيقية من الامكانيات الهائلة للنص التشعبي، حتى أن الوكيل يقول في نص بالغ الخطورة: «فالمبدعون لا يشعرون بحاجة حقيقية إلى دخول عالم النص التشعبي إلا لمسايرة العصر، أما المبدعون الموهوبون فلا يزالون أسرى النص المكتوب.

وربما يكمن السبب في أنهم لا يعرفون من الأصل ما يخبئه لهم النص التشعبي من إمكاناتٍ بلاغيةٍ جديرة بأن يدخلوا إلى عالمها في وقت قريب. وأتساءل أخيرا: هل في كل ما قلت ما قد يبرر ادّعائي بأن الأدب العربي التفاعلي الذي يستلهم روح العصر وإمكاناته التكنولوجية لما يُكتب بعد؟» (ص 69-70). وهي لا شك مقولة على قدر كبير من الخطورة، خاصة أنها قد فتحت النار عليه من قبل بوصفه «عدواً للأدبِ الرقمي»، لكن هل فعلاً هو كذلك؟ سنصل للإجابة مع المضي في تقديم فصوله أكثر.

في الفصل الثالث (الحداثة الرقمية وإعادة تشكيل الثقافة)، يبحث د. الوكيل باستخدام مفاهيم التحليل الثقافي بوصفه بحثاً أبعَدَ مِن البحث في النص بحد ذاته، لينظر بعيداً عَن الكتابة النصية الرقمية في الخلفيات التي جاءت منها الرقمية في حد ذاتها، فالتبشير بميلاد نصوص رقمية لم يكن من فراغ، بل هو ابن بيئة غربية تطورت كثيراً ومرت بمراحل متعددة حتى وصلَت لهذا المخاض بهذه الكيفية، وإن كان قدرُ الثقافةِ العربية – على حَدِ وصفِهِ – أن تقفَ مُتفرجةً على مِيلادِ نَظرياتٍ وموتها وميلادِ غيرها، دون أن تكون قادرةً على الإسهامِ في أيٍّ منها، فإن قدر الثقافة العربية أن تشاهدَ الحداثة الرقمية التي تتجاوزُ الحداثة النصية، وتشهد على ميلاد الحداثة، ثم أفولُها بما بعد الحداثة، ثم- على ما يبدو- أفول ما بعد الحداثة لصالح ميلاد الحداثة الرقمية.

فإذا ما كان يؤرَّخُ للحداثةِ الرّقميةِ بالنصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي إلى عشرينياته، فإننا إذاً نتحركُ في خَصائِصَ جمالية لهذه النصوص تُبرزُ نفسَها عبر الاستفادةِ من الإمكانيات الهائلة لوسائل التواصل الرقمي، وإن كان أكبر شاهد على ميلاد الحداثة الرقمية قد تجلّى في أفلام الأطفال، التي تم إنشاؤها بالكامل من خلال الحاسب الآلي دونَ تدخلٍ بشريٍّ– باستثناء التدخل على الحاسوب نفسه بالطبع– لكن كل عمليات الحبكة الإبداعية تمَّت مِن خِلالِ تفاعل الحاسوب مع عالم افتراضي قدَّمَ إسهاماً جديداً في طريقة الحكي.

 استلهام الواقع الافتراضي

 يبحث الفصل الرابع المعنون بـ"النص السردي واستلهام الواقع الافتراضي"، عن مفهومِ التَرابُطِ النصي في الكتب التراثية القديمة، هل كان مثل هذا المفهوم موجوداً؟ ويصل إلى أن الشكل القديم من الحواشي والهوامش وغيرها هو نوعٌ من الترابط النصي باعتبارِهَ إحالةً بين نص وآخر، فضلاً عن كون القدماء قد أفادوا من التلوين في طباعة – أو بالأحرى نسخِ – كُتُبِهِم، ووصلاً إلى نتيجةَ أن الترابط النصي ليس فقط سِمةً للنص الإلكتروني فقط، بل أيضاً سِمةٌ للنَصِ الورقي.

ومن النُصوصِ الحديثة يتناولُ الكاتب يوسف القعيد في روايته "نوم الأغنياء"، وأحمد العايدي في روايته "أن تكون عباس العبد"، وهالة البدري في روايتها "ليس الآن"، ففي هذه الروايات إرهاصاتٌ للحَداثةِ الرّقميةِ، حداثةٌ رقميةٌ رغم كون هذه الروايات قد أُنتجت ورقياً، إلا أنها استخدمت بعض تقنيات تشكيلات الطباعة وتكنيكات الكتابة الرقمية، مثل رواية "سحر أسود" لحمدي الجزار، فهي رواياتٌ ملائمةٌ لأن يتم نقلها إلى عالم النص التشعبي، وتقديمها بشكل تفاعلي، فهي تحقق قدراً من الاستفادة من إمكانيات الترابط والتشعب الموجود على الشبكة العالمية.

 

"هل تُعبّر الروايةُ الرقمية عن عالمٍ جديد؟ أم أن الوسيط الإلكتروني الجديد هو الذي فَرَضَ نفسهُ؟"

إن اكتشافَ الجذورِ الكامِنةِ في التُراثِ العربي يمكن أن يُعد تمهيداً لإبداع تفاعلي، لكن يجدر الانتباه إلى أن النص التشعبي يقيم علاقة بين منطق القراءة، والنص ذاته، فبلاغة السرد المعتمدة على الأسس الأرسطية لا تتناسب مع القدرات الهائلة لكيفية الحكي التي تتيحها تقنيات السرد التشعبي، فالنوع السردي التفاعلي يختلف عن السردي التقليدي، ولكل منهما مَنطِقُهُ الخاص.

في هذا الفصل يطرح الناقد مجموعةً من الأسئلة المهمة، يقول: «وأتساءَلُ هنا عن العلاقة بين تكنيك الكتابة عند المبدع الذي يكتب الرواية الرقمية وإبداعه السابق. هل تُعبّر الروايةُ الرقمية عن عالمٍ جديد؟ أم أن الوسيط الإلكتروني الجديد هو الذي فَرَضَ نفسهُ؟ علينا أن نميز بين التعبير عن عالم جديد والتعبير بأدوات جديدة. وهل أصبح العالم خاضعاً لهيمنةِ الإنترنت حتى نكون بحاجة مُلحّة إلى التَعبيرِ عنه؟ أم أن وجود وسيط تواصلي جديد هو الذي يوحي إلينا باستخدامه؟» (ص 92-93).

وهذه الأسئلةُ يبدو أنها ستظل لفترة تبحث عن إجابة تطبيقية لها في عالم الإبداع والتأليف.

ينتقل بنا التحليلُ إلى رواية "في كل أسبوع يوم جمعة" للروائي إبراهيم عبد المجيد، باعتبارِها إحدى الروايات التي تنتمي لهذا النوع من الروايات ذات الكتابة الجديدة، فقد استطاع الكاتب فيها أن يخلق عالماً جديداً به قدر من الإثارة والإمتاع، باعتبارها – رغم كونها روايةً ورقية – تستلهمُ واقعَ الإنترنت، وتهجسُ بإرهاصات جديدة وبدايات متعددة للرؤية الداخلية في الرواية، خاصةً مع اتخاذ يوم الجمعة يوماً رمزياً لبداياتٍ جَديدةٍ، ومن ثم كسر حدة مركزية البداية والنهاية الخطية، محاولةً تقديمَ الزمن بشكل جديد.

وبدون خاتمة للكتاب ينتهي المؤلف من كتابته عن الحداثة الرقمية، وقبل تعليقنا على هذه الخاتمة المفتوحة– ولعله من الجديد أن نشاهد نهاية مفتوحة لكتاب نقدي– نعود للسؤال الذي كنا قد طرحناه: هل بدا الكاتب ضد الأدب الرقمي؟ هل ما اتخذه من نقدٍ لاذع لروايات محمد السناجلة يعدُ رفضاً للأدبِ الرقمي؟

في تصوري بعد قراءة الكتاب ومحاولة البحث الشيقة التي قام بها د. سعيد الوكيل، نجد أن الأمر ليس كذلك، فالحقيقة أنه لا يرفض الأدب الرقمي، بل هو يرى أنه تطورٌ طبيعيٌ  لتقدُّم العصر، لكنه يرفض المزيف منه، ولا يتعاطف مع الرديء من الأدب الذي يتم تحميله على فكرة الرقمي، وهو ليس كذلك، فمن وجهة نظره-  وكما قدَّمتُ- هناك شروطٌ معينةٌ للرقمية، أهمها التحررُ مِن مركزية الخطية من البداية للنهاية، والاستفادةُ من الإمكانات البلاغية الهائلة التي يتيحها عالم الإنترنت وعالم الكتابة الرقمية، وقد حاول أن يضع محدداتٍ جمالية لمثل هذا النوع من الكتابة في سبيلِ إرساءِ أسسٍ وقواعدَ ملموسةٍ يمكن القياس عليها تقييماً.

 *****

 (1) سعيد يقطين: من النص إلى النص المترابط، عالم الفكر، مجلد 32، عدد 2، أكتوبر – ديسمبر 2003م، الكويت، 2003م، صـ71

(2)  عبد السلام بنعبد العالي: الفكر في عصر التقنية، أفريقيا الشرق، المغرب - لبنان، الكويت، 2000م، صـ15

 

  • شاعر وكاتب مصري






كاريكاتير

إستطلاعات الرأي