معرض دمشقي يعيد الألق لحضارة تدمر

2019-11-28

المادة الطينية معادلة لمعنى الحياةدمشق- نضال قوشحة - رانيا معصراني، عازفة سورية شهيرة على آلة الكمان، تعتبر من جيل الطلاب المؤسّسين للمعهد العربي للموسيقى ومن ثم الفرقة السيمفونية الوطنية السورية منذ عام 1993، تمتلك منبرا فنيا موازيا تقدّم فيه إبداعاتها وما يجول بخاطرها من أفكار في الفن؛ فهي إلى جانب شغفها الموسيقي، تعلمت فن الرسم والنحت على أيدي العديد من أساتذة هذا الفن في سوريا، وقدّمت فيه العديد من الأعمال وصارت علما، بل حالة فنية معروفة في الوسط الفني السوري كفنانة تجيد العمل في فني الموسيقى والرسم معا.

وفي أحدث ظهور فني لها قدّمت معصراني معرضا للنحت والرسم معا، حمل عنوان “من وحي تدمر”، احتوى أعمالا لها في فني النحت والرسم العجمي. استوحت رؤاه الجمالية من مدينة تدمر الأثرية التي عانت من العنف والتخريب أثناء الحرب قبل أن تعود إليها الحياة الطبيعية مجددا.

واحتوى المعرض الذي أقيم في بهو دار الأوبرا السورية على العديد من المنحوتات التي شكلت العدد الأكبر من المعروضات، استخدمت فيها الفنانة السورية المادة الطينية كمعادل لمعنى الطين المؤسّس للحياة، فقدّمت منحوتات فيها نقوش من قصور تاريخية، مثل قصر الحير الشرقي، وكذلك معبد بل الشهير الذي دمّر في الحرب، كما قدّمت بعضا من تفاصيل الحياة في البادية كالجمال والوجوه والناس. وخصّصت قسما كبيرا من المنحوتات لمجموعة من الأعمال التي تجسّد صورة الدرويش في المولوية، في سياق اتجاه صوفي كان حضوره لافتا في المعرض. كما قدّمت العديد من اللوحات على شكل الفن العجمي.

رانيا معصراني: من يقرأ التاريخ، سيعي تماما أهمية تدمر وما أضافته للبشرية

وعن اختيارها لثيمة المعرض قالت رانيا معصراني لـ”العرب”، “كثيرا ما فكرت أثناء الحرب التي كانت تدور في مدينة تدمر بهذه التفاصيل، وأنه لا بد أن نصل إلى مرحلة توثيقها والدفاع عنها، فالحرب تخرّب المخزون التراثي للمدن والحضارات، وتحيل الأمور إلى فوضى، لذلك يجب في المرحلة التي تلي الحروب أن يعاد العمل على توثيق ما كان موجودا بكل تفاصيله، وهذا ما سعيت إليه ضمن منظور المعرض الذي اخترت له عنوانا من وحي تدمر، لأن كل المعروضات كانت من وحي هذه المدينة والحضارة التي عرفتها منذ آلاف السنين”.

وتضيف “العنوان يشي بأن تدمر ما زالت تسكن في وجداننا منبعا للإبداع والفن، وفيه تناولت حلي النساء والوجوه وبعض الحالات الإنسانية البسيطة”.

اللون لم يكن حاضرا في المنحوتات التي احتواها المعرض، واستعاضت عنه الفنانة بالنور والظل، اللذين شكلا تناغما مع المنحوتات الطينية. فظهرت أعمالها في ثيمة لونية تكاد تكون متطابقة، لكنها مختلفة التدرجات لونا وظلالا.

وفي الجزء المتعلق بالرسم قدّمت رانيا معصراني الفن العجمي، أي الخشب النافر، والذي استعرضت من خلاله ما كان يُرسم في أسقف البيوت التراثية في المنطقة.

أبعاد صوفية في رقصة المولوية

ويعد فن الرسم العجمي الدمشقي واحدا من أشهر الحرف والفنون الدمشقية القديمة، وهو فن تراثي كانت تتزين به قاعات الاستقبال الرسمية وصالات المنازل الدمشقية القديمة. والرسم العجمي يمزج فنونا زخرفية عدة مثل التركية والفارسية والعربية، وينفذ على الأسقف والجدران ليكسبها عراقة وفخامة. وتحتفظ ألوان الرسم العجمي برونقها لسنوات طويلة.

والمهنة تبلورت في عهد الدولة الأموية وكان يطلق عليها الرسم النباتي، ذلك لأن ألوانها كانت تستخلص من النباتات.

 

لدار الأوبرا مكانة خاصة عند الفنانة السورية رانيا معصراني، كونها المكان الذي طالما قدّمت فيه إبداعها الموسيقي، وهو ذاته الذي استضاف معرضها الأخير، وعنه تقول “هذا المكان أثير ومحبّب لديّ، فيه قضيت أحلى الأوقات منذ أن أسّست الفرقة السيمفونية الوطنية، ومن خلال مسرحه ظهرنا مئات المرات لنقدّم عزفنا الموسيقي للجمهور العريض. وكم أنا سعيدة بأن المكان الذي كنت أعزف فيه يحتضن مجددا ما قمت برسمه ونحته”.

وعن القيمة التاريخية والحضارية التي يمثلها المعرض، قالت “من يقرأ التاريخ، سيعي تماما أهمية مدينة وحضارة تدمر في زمن ما، والفكر المستنير الذي قدّمته في تاريخ البشرية، وهو تاريخ حافل بالأحداث والشخوص، لعل من أهمهم زنوبيا. لذلك عمل الغزاة دائما على طمس هذا التاريخ، وجعلنا دون هوية حضارية. فعندما يتحدث أحدهم عن وجود فكر ديني في هذه المدينة قبل ما يقارب الألفي عام، يدرك حجم مكانتها الفكرية الكبيرة، لذلك دمروا معبد بل الشهير، وهو ما أعتبره كارثة وجريمة بحق الإنسانية كلها. من هنا تولدت لديّ الفكرة بأنه يجب أن نتعاون لكي نحمي ونفعّل تاريخ هذه الحضارة مهما كلف الأمر، ونعيد لهذه الحضارة مجدها الموغل في التاريخ”.


*كاتب سوري







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي