في ظل مماطلة واشنطن.. هل قررت أنقرة إنشاء "المنطقة الآمنة" بنفسها؟

2019-10-05

المنطقة الآمنة ستكون على عمق 30 كيلومتراًأنقرة - لا تزال المنطقة الآمنة التي تريد تركيا إنشاءها في مناطق شرقي الفرات شمالي سوريا، محل أخذ وردٍّ بين أنقرة وواشنطن، في ظل المماطلة الأمريكية ووضع العراقيل التي تحول دون إنشائها.

ويبدو أن الولايات المتحدة ما زالت تتناول هذا الملف بأسلوب المراوغة والخداع، فهي تعطي موافقة مبدئية على المنطقة الآمنة، ولكنها تختلف على التفاصيل، وكيفية التنفيذ ووقته وحجم التمدد التركي في الشمال السوري.

والمثير للجدل أن القبول الأمريكي للمنطقة الآمنة يعني أنها ستفسح المجال أمام حليفها التركي ليدخل تلك المناطق بسهولة، ولكن ما يجري هو أنها وافقت على الخطة التركية ولكنها "تدعم من تراهم أنقرة يهددون أمنها القومي".

دعم الوحدات الكردية

كما أرسلت واشنطن، خلال الأيام السبعة الماضية، 300 شاحنة عسكرية تحمل مساعدات تُستخدم لأغراض لوجيستية وعسكرية، إلى مناطق سيطرة الوحدات الكردية (تصنفها أنقرة على لوائح الإرهاب) شمال شرقي سوريا.

وذكرت وكالة الأناضول التركية، أن القافلة التي دخلت من معبر "سيمالكا" الحدودي مع العراق، ضمت قوالب أسمنتية تُستخدم في إنشاء قواعد عسكرية، وعربات رباعية الدفع، ومولدات كهرباء، وخزانات وقود، إضافة إلى حاويات مغلقة.

ورجحت الوكالة نقلاً عن مصادر (لم تسمها)، أن تلك الحاويات قد تحوي أسلحة خفيفة وذخيرة، إضافة إلى معدات رادار، مشيرة إلى أنها توجهت إلى القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة.

وفي 21 سبتمبر 2019، أرسلت الولايات المتحدة نحو 200 شاحنة إلى المنطقة، ضمت مواد بناء، وبيوتاً مسبقة الصنع، وخزانات وقود.

يشار إلى أن الولايات المتحدة منذ أكثر من 3 سنوات، ترسل مساعدات عسكرية ولوجيستية كبيرة إلى مناطق سيطرة الوحدات الكردية شمال شرقي سوريا، بذريعة محاربة تنظيم الدولة "داعش".

تركيا تنتقد ذلك منذ بدئه، فقد طالب وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، نظيره الأمريكي مارك إسبر، بوقف دعم واشنطن للوحدات الكردية السورية، التي تشكل عناصرها القوة الضاربة لقوات سوريا الديمقراطية "قسد".

وشدد أكار في اتصال هاتفي مع إسبر، (3 أكتوبر 2019)، على عدم "السماح بتأسيس ممر إرهابي في المناطق السورية القريبة من الحدود الجنوبية لتركيا"، وفق بيان لوزارة الدفاع التركية.

وقال أكار: إن "أي محاولة للمماطلة من الجانب الأمريكي بشأن إنشاء المنطقة الآمنة، ستؤدي إلى إنهاء التعاون والتنسيق بين الجانبين في شمالي سوريا"، لافتاً إلى أن هدف بلاده هو "القضاء على التنظيمات الإرهابية كافة، وعلى رأسها داعش والمليشيات الكردية المرتبطة بحزب العمال الكردستاني التركي في مناطق شمالي سوريا".

هل التنفيذ قادم؟

ويبدو أن الجيش التركي سينفذ العملية مهما كلف الأمر، خصوصاً أن أنقرة تنظر إلى هذا الملف على أنه أمن قومي لا يمكن التهاون فيه، وقد يحمل بداية دويلة عرقية على حدودها الجنوبية.

 

واشنطن تحذّر من عمل تركي منفرد

وفي إطار ذلك قال الكاتب التركي كورتولوش تاييز: إنه "مع انتهاء المهلة التي حددتها تركيا للولايات المتحدة (الأسبوع الأخير من سبتمبر) لا يقف البنتاغون مكتوف الأيدي، فهو يواصل مد (بي كا كا /ي ب ك-حزب العمال الكردستاني الفرع السوري) بالسلاح والذخيرة والدعم اللوجيستي".

وأضاف تاييز في مقال له بصحيفة "أكشام" التركية، ترجمه موقع "ترك برس" (4 أكتوبر 2019): "كما فعل بمنبج، يستمر البنتاغون في المماطلة والتسويف مع أنقرة، وفي الأثناء يواصل تزويد التنظيم الإرهابي بالإمدادات".

وأوضح أن "كل هذه التطورات تجري أمام عينَي أنقرة، التي لا بد أنها تقرأ النية الأمريكية؛ بيد أن الرئيس التركي أردوغان يجري دبلوماسية دقيقة قبل العملية ويهيئ الأجواء الدولية".

وأكد أنه "إذا حاولت الولايات المتحدة مواصلة استراتيجية المماطلة وجعل المنطقة الآمنة عبارة عن تسيير دوريتين وتحليق مروحية، فإن إطلاق أنقرة العملية العسكرية أمر محتوم، ومن الواضح أنه لم يبقَ وقت طويل لاتخاذ مثل هذا القرار".

الرئيس أردوغان قال بخصوص العملية يوم السبت (5 أكتوبر 2019): "أجرينا استعداداتنا وأكملنا خطة العملية العسكرية في شرقي الفرات، وأصدرنا التعليمات اللازمة بخصوص ذلك".

وأردف أردوغان، قائلاً: إن "الكلام انتهى، لمن يبتسمون في وجهنا ويماطلوننا بأحاديث دبلوماسية، من أجل إبعاد بلدنا عن المنظمة الإرهابية"، مضيفاً عن موعد العملية: إنها "قريبة إلى حد يمكن القول إنها اليوم أو غداً، سننفذ العملية من البر والجو".

وتابع: "وجهنا كل التحذيرات إلى مُحاورينا حول شرقي الفرات، لقد كنا صبورين بما فيه الكفاية، ورأينا أن الدوريات البرية والجوية (المشتركة) مجرد كلام"، مؤكداً أن "هدفنا من العملية المحتملة هو إرساء السلام في شرقي الفرات أيضاً".

ويوم الثلاثاء (1 أكتوبر الجاري)، قال أردوغان: "لم يعد بمقدورنا الانتظار ولو يوماً واحداً، وليس لدينا خيار سوى الاستمرار في طريقنا".

ومن هنا يظهر أن تركيا تشعر بالتسويف الأمريكي لتنفيذ الاتفاق الذي تم التوصل إليه في 7 أغسطس الماضي، والذي يقضي بإنشاء مركز عمليات مشترك في الأراضي التركية للتنسيق وإدارة إنشاء منطقة آمنة في سوريا.

عملية منفردة
وهذه ليست المرَّة الأولى التي يحذر فيها أردوغان من تنفيذ الجيش التركي عملية منفردة في مناطق شرقي الفرات شمالي سوريا، حيث يبدو أن الغرب يدفع باتجاه تشكيل دويلة كردية أو إقليم كردي سوري مشابه لإقليم كردستان العراق تقوده المليشيات الكردية المنضوية تحت قيادة "قسد".

وتسعى الحكومة التركية إلى إنشاء منطقة آمنة على طول 422 كيلومتراً من حدود تركيا مع سوريا، وبعمق يصل إلى 30 كيلومتراً، لكنها تواجَه بمعارضة أمريكية، حيث تخطط واشنطن لانسحاب الوحدات الكردية مع أسلحتها الثقيلة إلى مسافة 5 كيلومترات خارجها، وتسليم تلك المناطق إلى سلطات محلية على ارتباط ما مع المليشيات الكردية، وهو ما تنظر إليه تركيا على أنه تلاعب أمريكي خبرتْه منذ زمن في التعامل مع الولايات المتحدة بالأراضي السورية.

في المقابل تحذر الولايات المتحدة باستمرار من تداعيات أي تحرُّك عسكري تركي لإقامة المنطقة الآمنة بشكل منفرد.

وفي سياق متصل بذلك نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال"، يوم الخميس (3 أكتوبر 2019)، عن مسؤولين أمريكيين تخوُّفهم من "توغُّل تركي كبير في شمالي سوريا، وهو إجراء من شأنه أن يدفع إدارة الرئيس دونالد ترامب إلى سحب القوات الأمريكية من المنطقة".

وقال المسؤولون (لم يذكر اسمهم): إنهم "لاحظوا هذا الأسبوع أدلة متزايدة على أن تركيا تستعد لإدخال قوات إلى شرقي الفرات، وهي خطوة قد تُعرّض القوة الأمريكية المتبقية هناك للخطر"، بحسب الصحيفة.

وقالت الصحيفة نقلاً عن مسؤول آخر: "يمكن أن تختار تركيا إدخال عدد صغير من القوات؛ وهو ما قد يؤدي إلى رد فعل كردي محدود، لكن في حال نفذت تركيا عملية توغُّل واسعة النطاق، باستخدام الأسلحة الثقيلة والقوات، فقد لا يكون أمام الولايات المتحدة خيار سوى سحب قواتها، البالغ عددها أكثر من ألف جندي، من سوريا، لتفادي أي صراع محتمل مع أحد حلفاء الناتو".

وأردفت: إنه "ستكون لذلك عواقب ضارة بشأن الموثوقية الأمريكية لشركاء الولايات المتحدة الحاليين والمحتملين الآخرين في جميع أنحاء العالم".







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي