بسبب النشاط البشري الغير مسؤل : التغير المناخي خطر يتهدد العالم

خدمة شبكة الأمة برس الأخبارية
2014-09-09

 لندن - أزمة التغيّر المناخي التي تهدّد الحياة على كوكب الأرض لا تقل وطأة عن باقي الأزمات الاقتصادية وأزمة الإرهاب التي تعصف بالعالم اليوم، بل ربّما هي أشدّ وأعنف من حيث التداعيات التي يمكن أن تُحدثها، والحروب المحتملة التي يمكن أن تنتج عن تبعاتها المنوطة رأسا بالأمنين الغذائي والمائي للشعوب والدول التي ترعاها.

 
في الوقت الذي يرزح فيه العالم تحت نير العديد من الأزمات الخانقة، المنوطة بالاقتصاد والإرهاب وانتشار الأوبئة وما إلى غير ذلك من العوامل السلبية التي من شأنها أن تزيد من تعقيدات الحياة وترفع من سقف الرفاه الذي طالما حلم بيه الإنسان على كوكب الأرض، تشتدّ يوما بعد يوم أزمة مناخيّة لا تقلّ خطرا من حيث النتائج والتبعات.
 
وما يرفع من تهديد هذه الأزمة أنها لم تحظ بالقدر الكافي من الاهتمام لأنّ عواقبها الوخيمة مازالت نسبيا بعيدة المدى، إلاّ أنّه لا مناص من التركيز عليها واستنباط حلول تحول دون تفاقمها لما يمكن أن تمثله من خطر على حياة البشرية جمعاء وعلى مستقبل الكوكب ككل.
 
أزمة مناخية تمضي بوتيرة متسارعة ومتصاعدة نحو الأسوأ، تعالت الأصوات من هنا وهناك للتنبيه إلى خطرها المحدق، وكان آخرها ما أعلنت عنه، أمس الثلاثاء،المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، التي قالت إنّ نسب الغازات المسببة للاحتباس الحراري في الغلاف الجوي وصلت إلى مستويات قياسية عام 2013، مع زيادة تركيزات ثاني أكسيد الكربون بمعدلات هي الأسرع منذ بدء نظام التسجيل العالمي الموثوق به، وهو معدّل يعتبر الأعلى لها خلال ما يقارب الثلاثة عقود، داعية إلى اتخاذ إجراء عاجل لمواجهة ظاهرة التغير المناخي.
 
ماهو التغير المناخي وماهي أسبابه؟
 
للتغيّر المناخي تعريفات عدّة تتغير حسب مسبباته ووفق الظروف الموضوعية التي أسهمت في تشكّله، لكن أغلب الباحثين المختصين في هذا الشأن ذهبوا إلى تعريفه بأنه “اختلال في الظروف المناخية المعتادة كالحرارة وأنماط الرياحوالمتساقطات التي تميز كل منطقة على الأرض”. وهو أيّ تغير مؤثر وطويل المدى في معدل حالة الطقس يحدث في منطقة معينة ما من الكوكب. وعندما نتحدث عن تغير المناخ على صعيد الكرة الأرضية نعني تغيرات في مناخ الأرض بصورة عامة.
 
في هذا السياق، تؤدي وتيرة وحجم التغيرات المناخية الشاملة على المدى الطويل إلى تأثيرات هائلةعلى الأنظمة الحيوية الطبيعية. ويمكن أن تشمل معدل حالة الطقس معدل درجات الحرارة، معدل التساقط، وحالة الرياح. وهذه التغيرات المناخية يمكن أن تحدث بسبب العمليات الديناميكية للأرض كالبراكين، أو بسبب قوى خارجية كالتغير في شدة الأشعة الشمسية أو سقوط النيازك الكبيرة، أو بسبب نشاطات الإنسان والتطور الصناعي والتكنولوجي الذي نشهده اليوم.
 
وقد أدى التوجه نحو تطوير الصناعة في الأعوام الـ 150 المنصرمة إلى استخراج مليارات الأطنان من الوقود الأحفوري وحرقها لتوليد الطاقة. وقد أطلقت هذه الأنواع من الموارد الأحفورية غازات تتسبب في حبس الحرارة كثاني أوكسيد الكربون، وهي من أهم أسباب تغير المناخ. حيث أنّ كميات من هذه الغازات تمكّنت من رفع حرارة الكوكب إلى 1.2 درجة مئوية مقارنة بمستويات ما قبل الثورة الصناعية.
 
بهذا فإنّ أسباب التغير المناخي الرئيسية تكمن بالأساس في التلوث بأنواعه الثلاثة؛ البري والجوي والبحري، بالإضافة طبعا إلى قطع الغابات وحرق الأشجار اللّذان يؤديان إلى اختلال حادّ في التوازن البيئي، ممّا يمكن أن يغذي ظاهرة الاحتباس الحراري ويدفعها نحو الأقصى.
 
هل يمكن الحد من التغير المناخي؟
 
هنالك العديد من الجهود المبذولة اليوم للحدّ من ظاهرتي التغير المناخي والاحتباس الحراري. جهود ركّزت على دعم مشاريع الطاقة النظيفة وإنشاء الاستثمارات التي تتسم بالمسؤولية الاجتماعية. وبالإضافة إلى الأموال التي تتدفق لتطوير الحلول، هنالك كذلك عدد متنام من القياديين في الحكومات وممارسة الأعمال يعملون على اتخاذ العديد من الإجراءات التي تسعى إلى الحؤول دون الكارثة.إذ يتدفق حوالي 359 مليار دولار سنويا على البلدان، وداخلها، لتمويل التنمية منخفضة الانبعاثات الكربونية، التي يمكن أن تساعد على الحد من الاحتباس الحراري، وتزيد بالتالي من القدرة على الصمود في مواجهة آثار تغير المناخ.
 
ويشار إلى هذه الأموال بتعبير “تمويل الأنشطة المناخية”. ويأتي معظمها، حوالي 62 في المئة، من الاستثمارات الخاصة وأكثرها من مطوري المشاريع. كما يأتي الثلث الآخر من مصادر القطاع العام مثل بنوك التنمية ومعونات الحكومات، وفقا لتحليل أجرته المبادرة المعنية بسياسات المناخ سنة 2013.
 
ويساعد تمويل الأنشطة المناخية على الحصول على مصادر للطاقة أكثر نظافة مثل طاقة الرياح وحرارة الأرض والطاقة الشمسية. فهو يساند على التنمية المنخفضة الانبعاثات الكربونية للمباني والبنية التحتية والنقل، ويساعد المجتمعات المحلية على بناء القدرة على الصمود في مواجهة المخاطر المناخية.
 
وفي هذا السياق، يساعد التمويل، في مختلف بلدان العالم، على التنمية التي تحتاجها المجتمعات المحلية مع تحقيق منافع إضافية مثل بناء القدرة على الصمود وتوفير فرص للعمل والحد من الإسهامات البشرية في تغير المناخ.
 
من جهة أخرى، تشير التقديرات إلى أن التنمية “منخفضة الانبعاثات الكربونية” والاستثمارات في الطاقة النظيفة ستحتاجان إلى أكثر من 700 مليار دولار سنويا، وربما ما يزيد على تريليون دولار سنويا.
 
وهو ما يجعل الحكومات مطالبة بتحفيز التمويل الخاص للأنشطة المناخية عن طريق إرسال إشارات صحيحة بشأن السياسات.
 
 
كيف يتم إقناع المستثمرين؟
 
لطالما عبّر المستثمرون عن رغبتهم في المشاريع المستدامة “منخفضة الانبعاثات الكربونية”. ففي عام 2013، قاموا بضخ حوالي 250 مليار دولار في الطاقة المتجددة، أي خمس مرات حجم الاستثمارات عام 2004. لكنّ الحكومات مازالت مطالبة بالدعم توفير الاستقرار، واتّباع تمويل عام جيد الاستهداف، وصياغة نماذج تمويل وأعمال مبتكرة.
 
ويمكن أن يقدم التمويل العام للأنشطة المناخية مساندة مباشرة للمشاريع ويشجع الاستثمارات بخفض التكلفة والحد من المخاطر عبر قروض ميسرة تُمنح بأسعار فائدة جذابة ومنح تساند المشاريع، وشراء اعتمادات الكربون من المشاريع، وضمانات تحد من مخاطر المستثمرين.
 
ويمكن أن تساعد الحكومات كذلك على إطلاق العنان لاستثمارات القطاع الخاص في الطاقة النظيفة والنمو المنخفض الانبعاثات الكربونية عن طريق فرض سعر على الكربون عبر الضرائب أو اللوائح التنظيمية، وإلغاء الدعم على الوقود الأحفوري، وتطبيق معايير أداء لكفاءة استخدام الطاقة، ووضع أطر قوية للاستثمار في الطاقة النظيفة.
 
ففي المغرب، على سبيل المثال، تم اعتماد أهداف قوية للطاقة النظيفة والتحسينات في كفاءة استخدام الطاقة (42 في المئة و12 في المئة بحلول عام 2020، على التوالي) وخفض دعم الوقود الأحفوري وإعداد إطار قانوني جذاب.
 
ونتيجة لذلك، أصبحت البلاد مركزا يشتهر بالابتكار في الطاقة الشمسية، وشهدت زيادة الاستثمارات في الطاقة المتجددة من 297 مليون دولار عام 2012 إلى 1.8 مليار دولار عام 2013.
 
وتتبع أسواق ناشئة أخرى مثل شيلي وجنوب أفريقيا والفلبين استراتيجيات مدفوعة باعتبارات السياسات، وتحقق نتائج مماثلة.وقد قامت 40 حكومة وطنية تقريبا، وأكثر من 20 حكومة محلية، أو تعتزم، بفرض سعر للكربون.
 
كما أن 144 بلدا في كافّة أنحاء العالم، لديها سياسات وأهداف تساند الطاقة المتجددة. وتعتبر مدينة مصدر الإماراتية من أنجح وأشهر الأمثلة في مجال تطوير الطاقة الخضراء والبديلة والمتجددة.
 
حيث تُعدُّ أول مدينة خالية من الانبعاث الكربوني والنفايات (مع العلم أنّ هنالك بعض القرى مثل جوند Junde في ألمانيا، التي تُعتبر خالية كذلك من الانبعاث الكربوني، ولكنها لا تساوي “مدينة مصدر” حجما ولا سكانا).
 
 
الاستثمار النظيف هل هو حل ممكن؟
 
في إطار مفاوضات الأمم المتحدة المعنية بتغير المناخ، التزمت البلدان المتقدمة بتعزيز تمويل الأنشطة المناخية للبلدان النامية بتقديم 100 مليار دولار سنويا حتى عام 2020، بما في ذلك عن طريق إنشاء صندوق للأنشطة المراعية للمناخ. ويمكن أن تصبح هذه الأموال عامل تحفيز وتعبئة لمزيد من الأموال من التمويل الخاص للبلدان التي لديها بيئة جذابة من السياسات والاستثمار.
 
سيمثل هذا التعزيز للتمويل العام إضافة لأعمال الحكومات المبدعة، وبنوك التنمية، وصناديق الأنشطة المناخية، والمستثمرين، وذلك عبر تحسين السياسات وسوق السندات الداعمة للبيئة وفحص الاستثمارات والتمويل العام المبتكر. ويبني هؤلاء القادة على مسار من تمويل الأنشطة المناخية نحو المؤتمر الدولي المعني بالمناخ في باريس عام 2015 لتحويل التحدي المتمثل في تغير المناخ إلى فرصة للاستثمار تساند النمو منخفض الانبعاثات الكربونية وبناء القدرة على الصمود في مواجهة آثاره.






كاريكاتير

إستطلاعات الرأي