
برلين- بعد مرور ستة أشهر فقط على توليه السلطة في ألمانيا، يواجه الائتلاف الحاكم بزعامة المستشار فريدريش ميرتس سلسلة تحديات تشمل الخلافات الداخلية وتعثّر بعض السياسات وتراجع نسب التأييد الشعبي، ما يؤثر سلبا على مواجهته لصعود اليمين المتطرف.
وبعدما رفع المحافظ ميرتس خلال حملته الانتخابات شعارات جريئة مثل دفع عجلة الاقتصاد المتباطئ وتعزيز الجيش والتشدد حيال الهجرة، بات يواجه تحديات قد تجعل فترة حكمه قصيرة.
ويقول مدير معهد فورسا لاستطلاعات الرأي مانفرد غولنر لوكالة فرانس برس إن السياسة الألمانية بعد الحرب العالمية الثانية "لم يسبق أن شهدت استياء واسعا كهذا من الحكومة خلال فترة زمنية قصيرة الى هذا الحد".
وأشار الى "تحطّم" آمال الألمان بقيادة سياسية أكثر حسما بعد سقوط حكومة المستشار السابق أولاف شولتس.
وبعد فوزه في انتخابات شباط/فبراير، بات ائتلاف وسط اليمين للاتحاد الديموقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي، في تنافس مع حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف، أبرز أطياف المعارضة، والذي تضعه استطلاعات الرأي في المرتبة الثانية ضمن التركيبة السياسية.
في المقابل، تراجعت شعبية الحزب الاشتراكي الديموقراطي الذي ينتمي إليه شولتس، والشريك في الائتلاف الحكومي، لما بين 13 و15 في المئة في الاستطلاعات، بعد خسارته في الانتخابات.
ويقول النائب رودريخ كيزيفيتر المنتمي الى الاتحاد الديموقراطي المسيحي بزعامة ميرتس، إن "العديد من المواطنين مستاؤون أو خاب أملهم مما قامت به الحكومة الى الآن".
ويوضح لفرانس برس أن تركيز الحكومة يبدو "منصبا على الهجرة، على حساب الاقتصاد والتعليم والأمن".
- توترات متزايدة -
تشهد العلاقة بين أطراف الائتلاف الحاكم في برلين توترات متزايدة منذ فشل ميرتس في الفوز بمنصب المستشارية في الدورة الأولى من التصويت في البرلمان في أيار/مايو، في سابقة سياسية في ألمانيا ما بعد الحرب.
وأخفقت أطراف الائتلاف في تموز/يوليو في التوافق على تعيين ثلاثة قضاة في المحكمة الدستورية، بعدما اعتبر المحافظون أن مرشح الحزب الاشتراكي الديموقراطي يساري التوجه للغاية.
واعترضت مجموعة من النواب المحافظين الشباب على إصلاح نظام التقاعد بعدما أقرته الحكومة، معتبرين أنه سيكبد الأجيال المقبلة أعباء باهظة.
في غضون ذلك، يسود الجمود بشأن مقترح لتعديل واسع النطاق لنظام الخدمة العسكرية كان يفترض به أن يُظهر ريادة ألمانيا في حلف شمال الأطلسي، في ظل تباينات بشأن اعتماد شكل محدود من أشكال الخدمة الإلزامية.
تضاف الى ذلك الانتقادات التي يوجّهها المحافظون في الائتلاف لوزير الخارجية يوهان فاديفول المقرّب من ميرتس، بعدما أبدى تحفظات عن إعادة اللاجئين السوريين في ألمانيا الى بلادهم.
ويقول أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الحرة في برلين آيكو فاغنر إنه في ظل تراجع شعبيتها بعد الانتخابات، يواجه الاتحاد الديموقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي، والحزب الاشتراكي الديموقراطي، صعوبات متزايدة "لإبرام تسويات".
ويضيف لفرانس برس أن هؤلاء الأطراف يخشون كذلك "أن يصبحوا أضعف حتى لدى" مناصريهم في حال قاموا بتسويات.
- تشدد حيال الهجرة -
تعقّد هذه التجاذبات مهمة ميرتس في مواجهة "البديل من أجل ألمانيا" الذي يرى المستشار أنه سيكون المنافس الأبرز لحزبه في انتخابات إقليمية مقررة خلال العام 2026.
وفي مواجهة الحزب اليميني المتطرف، يرفع ميرتس من نبرة التشدد في خطابه حيال الهجرة، مثل تصريحه في تشرين الأول/أكتوبر بشأن "مشهد المدن الحضرية الألمانية"، الذي اعتبر انتقادا لتأثير المهاجرين على المدن.
إلا أن ذلك أثار اعتراض كثيرين في الحزب الاشتراكي الديموقراطي وسياسيين معتدلين ضمن ائتلافه المحافظ.
ويعتبر مدير معهد الاستطلاعات غولنر أن ميرتس ارتكب "خطأ قاتلا" بتركيزه المفرط على الهجرة، في حين أن الاقتصاد المتعثر كان الهمّ الأساسي لجزء كبير من الناخبين.
ويرى "البديل من أجل ألمانيا" أن التحديات التي يواجهها ميرتس، توفر له فرصة لتعزيز مكاسبه السياسية.
ويقول النائب عن الحزب سيباستيان مونتسماير إن غالبية الألمان أيدت الأحزاب المحافظة أو اليمينية، بينما يبدو الائتلاف غير قادر على الوفاء بوعوده، وقد لا يستمر في الحكم طويلا.
ويوضح لفرانس برس أن "أحدا لا يرى أن هذه الحكومة ستبقى في السلطة أربعة أعوام"، متوقعا أن يحقق حزب البديل من أجل ألمانيا نتائج جيدة في انتخابات الولايات السنة المقبلة.
يضيف مونتسماير "يعتقد كثيرون أنه أواخر السنة المقبلة، بعد الانتخابات، سيصبح الوضع صعبا للغاية بالنسبة للحكومة في برلين، وعندها ستسقط".
يثير هذا الاحتمال قلقا لدى بعض الألمان، بقدر استيائهم حتى من أداء ميرتس. ومن هؤلاء بيرند وستيفاني نيبل اللذان تحدثا لفرانس برس أثناء زيارتهما العاصمة آتيين من ميونيخ.
وبينما يعتبر نيبل أن انهيار الائتلاف سيكون "أمرا سيئا بالنسبة الى ألمانيا"، يرى أن مشكلة حكومة ميرتس هي أنها "أعطت أولوية لتعزيز التعافي الاقتصادي، لكن لم يحصل شيء على الإطلاق في هذا الصدد".