
في جزيرة إيجينا اليونانية، يضرب أربعة عمال مزارع بعصيهم أغصان شجرة فستق حلبي لتتساقط ثمارها على قماش مشمع، لكنّ الفريق يبدو كئيبا، رغم كون موسم القطاف في ذروته.
ويلاحظ الألباني داسو شباتا البالغ 47 عاما في حديث لوكالة فرانس برس تحت أشعة الشمس الحارقة أن "ثمة كمية قليلة من الفستق الحلبي".
فبالإضافة إلى التغيّر المناخي التي تسبَّبَ في تضاؤل المحاصيل، برزت مشاكل أخرى، من بينها تَردُّد أبناء الأجيال الجديدة في تولّي مسؤولية مزارع عائلاتهم، وقطع الأشجار لبناء منازل عطلات مربحة، إذ تشهد اليونان زيادة قياسية في الحركة السياحية.
وتقول إيليني كيبريو، صاحبة البستان في هذه الجزيرة القريبة من العاصمة أثينا والتي يبلغ عدد سكانها نحو 13 ألفا، ولفستقها شهرة في كل أنحاء اليونان "زراعة الفستق الحلبي التقليدية كما نعرفها (هنا) لم تعد قابلة للحياة".
وتضيف "إذا أردنا الحفاظ على أشجار الفستق الحلبي، فعلينا إيجاد ما تحتاج إليه (...) وإلا، فستصبح شيئا من الماضي وقد ينتهي بها المطاف في متحف".
ولا يُذكَر إنتاج الفستق الحلبي في إيجينا مقارنة بإنتاج الولايات المتحدة أو إيران، حيث تُحصَد مئات الآلاف من الأطنان سنويا.
لكنّ هذه الفاكهة المُنتَجة في هذه المنطقة الواقعة على بُعد ساعة بالعبّارة من ميناء بيرايوس، تُعَدُّ لذيذة جدا.
وتؤكد كيبريو أن "فستق إيجينا يتميز بطعمٍ خاص. إنه يأتي من التربة والماء. الماء مالح قليلا".
ولشدّة عشق هذه المرأة البالغة 88 عاما لأشجار الفستق الـ750 التي تملكها، يصل بها الأمر إلى حد أن تُغني لها وتُخاطبها.
وتقول "في العامين الأخيرين، لم يكن لدينا شيء تقريبا"، مُضيفة "لم نحصد سوى 20 كيلوغراما عام 2024 بعد أن كان المحصول يبلغ مئة كيلوغرام عام 2023".
وتضيف متنهدة "كنا نتوقع حصادا وفيرا هذه السنة، لكنه ليس جيدا".
- "زراعة المنازل" -
في عام 2023، أنتجت اليونان نحو 22 ألف طن من الفستق، مقارنةً بـ12 ألف طن فقط عام 2015، وفقا لهيئة الإحصاء اليونانية "إلستات".
أما في إيجينا، فانخفض الإنتاج من أكثر من 2600 طن إلى 2300 طن.
كذلك انخفض عدد الأشجار في سنّ الإنتاج وعدد الهكتارات من الأراضي.
ويقول رئيس تعاونية منتجي الفستق في إيجينا كوستاس بيباس "كان العامان الماضيان سيئين"، ويعود ذلك بشكل رئيسي إلى فصول الشتاء المعتدلة التي شهدتها الدولة المتوسطية.
والمعلوم أن الأشجار تحتاج إلى "حرارة أقل من 10 إلى 12 درجة مئوية في ساعات معينة. للنوم وللراحة. لذا، لا يكون الوضع جيدا إذا كان الشتاء معتدلا".
وتبيع التعاونية الفستق في المتاجر ومحال السوبرماركت في مختلف أنحاء اليونان، وخصوصا في إيجينا، للسياح الكثر، وكذلك في كشكها الخاص في الميناء.
ويرى بيباس أن معظم باعة الميناء اشتروا الفستق بلا شك من أماكن أخرى، لعدم قدرتهم على الحصول عليه من المنتجين المحليين.
ويمتلك مدير التعاونية 230 شجرة، معظمها مؤنثة، تُنتج الفستق، بالإضافة إلى شجرتين مذكرتين أكبر حجما للتلقيح.
ويقول قبطان القارب المتقاعد هذا، البالغ 79 عاما، إن "الأشجار تُقطَع، وتبنى منازل مكانها" في إيجينا.
فمع النهضة الكبيرة للسياحة في اليونان التي بلغ عدد زوارها 40 مليونا عام 2024، تزدهر الإيجارات القصيرة الأجل المربحة في أثينا والجزر.
ويرفع ثاناسيس لاكوس (53 عاما) غصنا من إحدى أشجار الفستق التي يملكها والبالغ عددها 3500، ويسقيها بمياه أمطار يجمعها في الشتاء لمساعدتها على النمو.
ويتبع معظم المنتجين خبرة أسلافهم، قائلين: "كان جدي يفعل ذلك بهذه الطريقة، وسأستمر في ذلك"، على ما يوضح. لكنه يشدد على أن "الأمور لا تسير بهذه الطريقة"، داعيا المنتجين إلى البحث عن تقنيات جديدة.
وهو يعتزم الاستمرار "لأطول فترة ممكنة" رغم الصعوبات.
ويقول له بعض المحيطين به "من الأفضل أن تبيع الأرض وتجني مليون يورو وترتاح لبقية حياتك".
ويشير لاكوس، المنتمي إلى "الجيل الأخير" الذي يحصد الفستق في إيجينا، إلى أن نجله أصبح منسق موسيقى، وأن الشباب الراغبين في العمل في الزراعة نادرون. ويتوقع بحزن أن "تندثر التقاليد".