عبّارات اسطنبول.. وسيلة نقل بين قارتين لا تزال تحظى بشعبية كبيرة

أ ف ب-الامة برس
2025-08-31

القبطان إكرم أوزتشيليك على متن عبارة "باشاباهتشه" باشاباهتشه في اسطنبول بتاريخ 21 آب/اغسطس 2025 (أ ف ب)أنقرة- لا تزال العبّارات البيضاء التي تجتاز مضيق البوسفور لتربط بين ضفتي اسطنبول الأوروبية والآسيوية، تحظى بشعبية كبيرة رغم الازدحام ومنافسة الجسور وخط المترو البحري الذي يصل بين شطري المدينة التركية.

تتولى شركة "شهير خطلاري" المشغلة الرئيسية تنظيم الرحلات عبر المضيق، ويصل عدد الركاب السنوي إلى نحو 40 مليون شخص، ويُنفَّذ يوميا 863 رحلة.

يقول المتخصص في تاريخ العبّارات في اسطنبول عادل بالي باسما "لا يكتمل منظر اسطنبول من دون برج الفتاة، وعبّارة، وطائر نورس"، مشيرا إلى أنّ اسطنبول هي "إحدى المدن القليلة التي يمرّ عبرها بحر، لذا لا غنى عن العبّارات فيها".

غيّر ظهورها في العام 1843، أي قبل 130 عاما من بناء أول جسر يعبر البوسفور، وجه إسطنبول، إذ حوّلت العبّارات القرى الصغيرة التي كانت مأهولة بصيادي السمك إلى وجهات سياحية شهيرة، وحفّزت بناء القصور الخشب على ضفاف المياه، وساهمت في تنشيط الحركة التجارية على طول هذا الممر البحري الحيوي.

على متن عبارة "باشاباهتشه" (حديقة الباشا) التي تشكل جوهرة أسطول شركة "شهير خطلاري" المؤلف من ثلاثين سفينة، شهد القبطان إكرم أوزتشيليك نموا ملحوظا في حركة المرور عبر مضيق البوسفور.

ويُلخص القبطان الوضع قائلا "بات عدد الركاب أقل، لكن الحركة في المياه تزايدت"، إذ تتنقل عبر المضيق عبّارات وسفن حاويات وشحن تربط البحر الأسود ببحر إيجه عبر مضيق الدردنيل، إلى جانب السفن السياحية واليخوت الفاخرة التي تزيد من كثافة الحركة البحرية.

- رياح وتيارات -

بحسب السلطات، عبرت 41300 سفينة مضيق البوسفور عام 2024، أحد أكثر الممرات المائية ازدحاما في العالم، أي بمعدل 113 سفينة يوميا، من دون احتساب قوارب الترفيه، التي قد لا يكون روّادها على دراية بتحديات الملاحة.

يقول أوزتشيليك إنّ "الإبحار في مياه اسطنبول يتطلّب خبرة كبيرة، خصوصا في أيام لودوس، وهي رياح جنوبية تثير أمواجا يصل ارتفاعها إلى مترين أو ثلاثة، معاكسة للتيار البحري السائد".

يتحدر أوزتشيليك الذي يصف نفسه بـ"ابن البوسفور" من عائلة من البحارة والصيادين. كان يحلم في طفولته بارتداء الزي الأبيض للقبطان واعتمار قبعته. وحاليا، يستمتع وهو في الثانية والخمسين بـ"حرية" الإبحار و"هيبة" المهنة، ويقول "أن تكون قبطانا في قلب اسطنبول هو مصدر اعتزاز كبير... إنه أمر لا مثيل له في العالم".

على متن سفينة "باشاباهتشه" التي أفلتت بصعوبة من الإيقاف عن العمل وأُعيدت إلى الخدمة عام 2022 بعد 70 عاما على تصنيعها، يؤكد مساعده الأول، سميح أكسوي (36 سنة) أن "قيادتها أصعب من غيرها، كما أنها أثقل وزنا. يُقال إنها +صامتة+ لأنّ قيادتها خصوصا في المنعطفات معقدة".

لكنّه لا يستبدلها بأي سفينة في العالم، بفضل طبقاتها الثلاث وطاولاتها الخشب الصغيرة التي لا تزال شاهدة على سفن "الدرجة الأولى" في الماضي. ويقول أكسوي "لهذه السفينة جمال فريد وأجواء خاصة لا تشبه غيرها"، قبل أن يوجّه من برج القيادة تنبيها لوالد ترك طفلته تتأرجح على حاجز الأمان.

ويضيف إنّ "بعضهم يركبون حتى في زوارق النجاة".

- دراجات مائية -

تتمثل مهمّة بوراك تيميز في تهدئة حماسة الركاب الذين يتدافعون للوصول إلى سطح السفينة. واقفا وسط الحبال، يراقب البحّار البالغ 24 عاما إشارة القائد لخفض الجسر المتحرك، بينما يتابع من كثب عملية الرسو.

تصل رحلته التي تستغرق عشرين دقيقة وتشكل إحدى أكثر الرحلات ازدحاما، بين كاديكوي (الجانب الآسيوي) وبشكتاش (الجانب الأوروبي). وتقترب دراجات مائية من ملامسة مقدم العبارة.

ويقول "هذا الصيف، كان الناس يقفزون في الماء من برج الفتاة، وكان ذلك يستمر ساعات. وهناك أيضا شباك الصيادين".

مع ستة أفراد من الطاقم لكل قارب (تسعة في باشاباهتشه)، بما في ذلك ميكانيكيان، بالإضافة إلى الموجودين على الأرصفة الـ53، يعمل طاقم كامل من البحارة على العبّارات التي بات روّادها يعرفونهم ويلقون التحية عليهم.

ويقول إبراهيم بايوس (62 عاما)، وهو مهندس مولود في بويوكادا، أكبر جزر الأميرات في بحر مرمرة، "في صغري، كنت أنسى محفظتي كثيرا، لكن القبطان كان يعرفني".

تُؤمَّن الملاحة طوال العام، إلا خلال العواصف الشديدة والثلوج والضباب. وحتى في هذه الحالات، يبقى الأمر ممكنا أحيانا.

يتذكر القبطان يوما عاصفا في بويوكادا حين رأى ثلاثة طلاب يركضون نحوه، ويقول "كان النقل متوقفا. قالوا لي إن لم يتمكنوا من النجاح في امتحاناتهم، فستضيع سنتهم الدراسية. قررت أن آخذهم إلى كاديكوي ونجحوا جميعا. أصبح أحدهم محاميا، والآخر طبيبا بيطريا". وما زالوا يزورونه حتى اليوم.









شخصية العام

كاريكاتير

إستطلاعات الرأي