
نشرت صحيفة “صاندي تايمز” تقريرا أعده هاري يورك وهوغو دانيال ناقشا فيه الأسباب التي دفعت رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر للإعلان عن خطط للاعتراف بدولة فلسطينية في أيلول/ سبتمبر مع أنه اشترط الإعلان بتنفيذ إسرائيل مطالبه المتعلقة بوقف الحرب في غزة والسماح بمزيد من المساعدات للجوعى.
ورأت الصحيفة أن الدوافع مرتبطة بتطورات داخلية، حيث باتت طريقة إدارة الحزب الحاكم للحرب في غزة محلا للنقد من داخل قواعد حزب العمال والرأي العام وقوى أخرى صاعدة بدأت تثير المشاكل لستارمر.
وتضم هذه القوى الضغوط من حزب الخضر والنواب المستقلين الذين دخلوا البرلمان من خلال برنامج دعم فلسطين والجماعات المؤيدة لها والحزب الجديد الذي أعلن عنه النائب جيرمي كوربن، زعيم الحزب السابق.
ففي الذكرى الأولى لفوز ستارمر الساحق ضد المحافظين في 4 تموز/ يوليو 2024، حضر كوربن تجمعا في إلفورد التي كادت الفلسطينية البريطانية لين محمد أن تطيح بمرشح العمال ويز ستريتنغ، لولا 528 صوتا.
وكانت محمد حاضرة وكذا أندريه فينستين، وهو يهودي جنوب أفريقي عمل مع نيلسون مانديلا قبل هجرته إلى بريطانيا وخسر أمام ستارمر في منطقته هولبورن- سانت بانكرس في العام الماضي. ولم ينجح من بين المستقلين سوى كوربن وعدد قليل في ليستر وبلاكبيرن ويوركشاير. وقد أعلن عن اسم مؤقت للحزب وهو “حزبكم” وسيقوده كوربن مع النائبة المستقيلة من حزب العمال وتمثل حاليا منطقة كوفنتري ساوث، زارا سلطانة.
وتشير استطلاعات الرأي إلى أن 10% من الناخبين على الصعيد الوطني قد يؤيدون التحالف الجديد. وبمنح ستارمر حق التصويت لمن تتراوح أعمارهم بين 16 و17 عامًا، فقد أنشأ، عن غير قصد، قاعدة جديدة لكوربن؛ إذ يُظهر استطلاع رأي أجراه مركز “مور إن كومون” أن 29% من ناخبي الجيل المعروف بـ”زيد”، أو المولودين في منتصف التسعينات حتى نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، قد يتجهون نحو حزبه الجديد، مقارنة بـ27% لحزب العمال. وفي المقاعد العشرة الأولى التي يتمتع فيها هؤلاء الناخبون الجدد بالقوة العددية، ومعظمها لا تزال تحت سيطرة حزب العمال، هناك بالفعل ارتباط قوي بين العدد الكبير من السكان المسلمين والإقبال القوي على التصويت للمرشحين المستقلين العام الماضي.
ويعتقد حلفاء كوربن أن 30-50 مقعدا في متناول أيديهم، ويدفعون باتجاه عقد تحالف انتخابي مع أحزاب تقدمية أخرى، مثل حزب الخضر. كما يتجاوز التأييد للفلسطينيين أيضا الخطوط الدينية والعرقية، مع تزايد أعداد اليساريين من الطبقة المتوسطة المستعدين للتخلي عن حزب العمال. ويجادل فينستين بأن هذا الانتماء للقضية الفلسطينية يتداخل مع جوانب أخرى من عدم الرضا مثل الإسكان وتكاليف المعيشة وفقر الأطفال والرعاية الاجتماعية والمناخ.
وكما حدث مع توني بلير وحرب العراق، فقد كشفت أحداث الشرق الأوسط عن هذا الصدع الجديد في السياسة البريطانية. وقد وجد العشرات من نواب حزب العمال.
ووزراء الحكومة في خضم هذه الأزمة، ويتعرض الكثير منهم لهجمات شخصية متزايدة في دوائرهم الانتخابية من قبل ناشطين مؤيدين لفلسطين. ويعد ستريتنغ نائب إلفورد ووزير الصحة من بين أولئك الذين يشعرون بالتوتر، وكذلك شبانة محمود، وزيرة العدل، وجيس فيليبس، وزيرة الداخلية، اللتين نجتا بصعوبة من الهزيمة في مقعديهما في برمنغهام أمام مرشحين مؤيدين لفلسطين العام الماضي.
وهم يحثون ستارمر، على طاولة مجلس الوزراء، منذ أشهر، على اتخاذ موقف أكثر حزما تجاه إسرائيل. ويوم الثلاثاء، وقع أكثر من 100 نائب من حزب العمال على رسالة تطالب ستارمر بالاعتراف بدولة فلسطينية. وهو ما دفع رئيس الوزراء لتغيير موقفه باتجاه الاعتراف بالدولة الفلسطينية ما لم تتخذ إسرائيل إجراءات لوقف المجاعة في غزة ووقف إطلاق النار.
وبحسب مصادر مطلعة في 10 دوانينغ ستريت، فقد عمل جوناثان باول، مستشار الأمن القومي لستارمر، على الخطة لأشهر، بعد أن وضع تعهدا مبدئيا بها في البيان. إلا أن توقيت الإعلان حددته ثلاثة عوامل. وقال أحد الوزراء: “إنه يدرك أنه لا يمكن فعل ذلك إلا مرة واحدة، لذلك أراد نشرها في وقت يحدث فرقا في حياة الفلسطينيين”.
العامل الثاني هو الجغرافيا السياسية، حيث أدرك ستارمر أنه بدون دعم أمريكي صريح، هناك حاجة إلى تحالف من مجموعة الدول السبع والدول العربية لممارسة أقصى ضغط على إسرائيل. أما العامل الثالث والمحفز فكان الرئيس ايمانويل ماكرون، الذي أعلن في 24 تموز/يوليو أن فرنسا ستصبح أول دولة من مجموعة الدول السبع تعترف بفلسطين.
وقد رأت الحكومة تشجيعا في إعلان كندا أنها ستعترف هي الأخرى بالدولة الفلسطينية. كما شهدت الحملة الدبلوماسية التي قادها ستارمر وماكرون والقادة العرب دعوة المملكة العربية السعودية وقطر ومصر حركة حماس إلى نزع سلاحها وتفكيكها، وهو شرط أساسي لحل الدولتين.
وبينما سيجري ستارمر تقييما نهائيا قبل اجتماع الأمم المتحدة، يجمع الوزراء على أن الاعتراف بفلسطين أصبح أمرا مفروغا منه. ورغم هذا التحرك إلا أن بنيامين نتنياهو هاجم ستارمر، فيما اعتبر فريق كوربن أن إعلانه ليس كافيا واتهمه بالتقصير في أداء واجباته. وفي يوم الاثنين، تخطط جماعات مؤيدة للفلسطينيين لتنظيم مظاهرات أمام مكاتب عشرات النواب وأعضاء المجالس المحلية، تحت شعار “حصار حزب العمال”، سعيا منهم إلى “مفاقمة الأزمة السياسية في الحزب”. وعلق خارج مكاتب شركة الكهرباء “إيكوتريسيتي” المملوكة للمتبرع لحزب العمال، ديل فينس، علما كبيرا لفلسطين هذا الأسبوع.
قال أحد الوزراء: “يتعرض بعضنا لضغوط حقيقية من نواب مستقلين في غزة، والذين سيشكلون بلا شك حلقة وصل في حزب كوربن”. وأضاف: “هناك الكثير من الناس في دائرتي الانتخابية يرون أن هذا قليل ومتأخر جدا”.
وفي ديوزبري، غرب يوركشاير، يبدو أن هذا هو الشعور السائد بين السكان. ففي العام الماضي، انتخبوا الناشط المؤيد لفلسطين إقبال محمد نائبا عنهم. وهو أول مرشح مستقل يفوز في يوركشاير منذ أكثر من قرن، وقد انضم إلى حزب كوربن. وقد كانت الحملة في ديوزبري وباتلي مشحونة سياسيا، وفي بعض الأحيان بشعة. وبعد عام من الانتخابات، لا يزال الغضب من موقف حزب العمال من غزة بين الجالية المسلمة، التي تشكل ما يقرب من نصف الدائرة الانتخابية، شديدا. وبغض النظر عن تعهد ستارمر الأخير، يقول العديد من مؤيدي حزب العمال “المخلصين” إنهم على الأرجح تخلوا عن الحزب إلى الأبد، ورحب العديد منهم بعودة كوربن. وقال محمد، البالغ من العمر 35 عاما، أثناء شرائه الآيس كريم لعائلته في سافيل تاون، إحدى ضواحي ديوزبري: “لقد حدثت أضرار جسيمة، ومن الصعب التعافي منها”.
كما أن الحرمان وتدهور مدينة كانت يوما ما شامخة، وصار يطلق عليها البعض الآن اسم “دومزبري”، في إشارة إلى القيامة، يغذيان هذا الشعور بخيبة الأمل. ففي مركز المدينة، توجد العديد من المباني المتهالكة، وواجهات المتاجر المغلفة بألواح خشبية، بينما هشمت أخرى. وفي مركز ديوزبري للتصوير، الذي أُغلق منذ فترة طويلة، توجد لوحة لبطيخة كتب تحتها “فلسطين حرة”.
وأشار عبد الله (38 عاما) وهو مدير متجر عطور محلي صوّت لمحمد ومن أشد المعجبين بكوربن، إلى أنه قبل 20 عامًا “لم يكن هناك ما يسمى ببنك الطعام في ديوزبري، أو في معظم أنحاء إنكلترا”، بينما يوجد الآن العديد من هذه البنوك. وقال إن الاعتراف بفلسطين “أمر جيد بنسبة 100%”، إلا أن “تحسين مستويات المعيشة يجب أن يكون على رأس الأولويات”، وأن حزب العمال لن يحصل على صوته مرة أخرى “ما لم تحدث تغييرات”.