بحث في جزيرة أوكيناوا اليابانية عن رفات قتلى معركتها خلال الحرب العالمية الثانية

أ ف ب-الامة برس
2025-06-24

تُظهر هذه الصورة الملتقطة في 11 حزيران/يونيو 2025 تاكاماتسو غوشيكين، وهو متطوع يستعيد رفات قتلى الحرب لإعادتها إلى عائلاتهم، بجانب بقايا هيكل عظمي لشخص سقط قتيلا في معركة أوكيناوا خلال الحرب العالمية الثانية، في غابة في إيتومان، محافظة أوكيناوا. (أ ف ب)يسير تاكاماتسو غوشيكين على الأرض الطينية في الأدغال الرطبة في جزيرة أوكيناوا، جنوب اليابان، ليصل إلى منحدر حيث لا يزال يرقد رفات بشري منسيّ منذ الحرب العالمية الثانية.

يتلو الرجل البالغ 72 عاما صلاة قصيرة قبل أن يرفع بطانية تظهر تحتها عظام نصف مدفونة، يُعتقد أنها لجندي ياباني شاب.

ويقول غوشيكن، وهو رجل أعمال متطوع للبحث منذ أكثر من 40 عاما عن قتلى الحرب "من حق رفات هذا الشخص أن يُعاد إلى ذويه".

في جزيرة أوكيناوا اليابانية، يصادف الاثنين مرور 80 عاما على المعركة التي شهدتها الجزيرة، ضمن حملة بعنوان "الإعصار الفولاذي" سقط فيها نحو 200 ألف قتيل في ثلاثة أشهر، نصفهم تقريبا من المدنيين.

وفي السنوات اللاحقة، أصبحت اليابان والولايات المتحدة حليفتين، وتشير التقديرات الرسمية إلى أن عدد الجثث التي لم يُعثر عليها بعد، يقتصر على نحو 2600 لم تُنتشل بعد.

لكنّ السكان والمحاربين القدامى مثل غوشيكين، يرون أن ثمة عددا أكبر بكثير من الجثث، مدفونة تحت المباني، أو في الحقول، أو في الغابات والكهوف.

وباتت أراضي جنوب أوكيناوا، حيث دارت أعنف المعارك، تُستخدم راهنا كمقالع حجارة لبناء أساسات قاعدة جوية أميركية جديدة في شمال الجزيرة.

وأثار هذا المشروع غضب غوشيكين وسكان آخرين يرون فيه تدنيسا لرفات ضحايا الحرب الذين يُحتمل أن تكون القوات الأميركية قتلتهم.

- هيكل كامل -

أصبحت أوكيناوا اليوم منتجعا ساحليا شهيرا، لكن غاباتها الخصبة لا تزال تحمل ندوب القتال الذي دار من آذار/مارس إلى حزيران/يونيو 1945، عندما نفذ الجيش الأميركي إنزالا لشن هجومه الأخير على اليابانية ذات النظام الإمبراطوري.

وخلال سير غوشيكين على الدروب المتعرجة لغابة مدينة إيتومان، في الطرف الجنوبي من أوكيناوا، يتخيل أين كان سيختبئ كمدني أو جندي أثناء الهجمات، أو أين كان سيبحث لو كان جنديا أميركيا.

بعد تسلق ممر ضيق مليء بالصخور المغطاة بالطحالب، وصل إلى فجوة بين اثنتين ضخمتين منها، تتسع لشخصين أو ثلاثة.

ثم راح يحفر بعناية الأرض التي تناثرت فيها شظايا عظام، وأزرار من بزات عسكرية يابانية، وغطاء صدئ، وقطعة من قناع غاز.

في نيسان/أبريل، اكتشف هو وزميله على مقربة من هذه النقطة هيكلا عظميا كاملا، يُرجّح أنه لجندي فارق الحياة متأثرا بإصابة في الوجه ناجمة عن انفجار. وفي الجوار، كانت العظام ملقاة على بساط من الأوراق والأغصان.

ويعلّق قائلا "كل هؤلاء الناس هنا... كانت كلماتهم الأخيرة +أمي، أمي+"، مشددا على أن "من واجب المجتمع إعادة رفات هؤلاء الأشخاص إلى قبور عائلاتهم".

وشارك غوشيكين في أول مهمة بحث عن العظام عندما كان  في سن الثامنة والعشرين، ومن القادة الكشفيين. ويروي أنه صُدم من عدد الجثث المتناثرة في هذه المنطقة الشاسعة.

في اللحظة نفسها، لم يكن غوشيكين يرغب في العودة إطلاقا. لكن مع مرور الوقت، شعر بأن عليه لمّ شمل العائلات حول الموت.

- "إلى آخر نفس" -

مع نهاية الحرب، عاد الناجون من أوكيناوا التي طال احتلالها من قِبل القوات الأميركية، إلى قراهم المدمرة.

وبينما كانوا يحاولون جاهدين إعادة بناء حياتهم، دفنوا الجثث في مقابر جماعية أو كُلاّ على حدة، وغالبا دون أن يتمكنوا من التعرف عليها.

ويقول ميتسورو ماتسوكاوا (72 عاما)، وهو عضو في مؤسسة تُعنى بإدارة حديقة أوكيناوا التذكارية للسلام التي تضم مقبرة وطنية لقتلى الحرب "لقد رأوا أحياءهم تُحرق بالكامل. لم يعد أحد يتعرف على منزله. كانت الجثث تتدلى من أغصان الأشجار".

وبات الشباب يشاركون في هذا البحث، كطالب التاريخ في كيوتو كواتارو إيشياما الذي يزور أوكيناوا باستمرار.

وهذا الشاب البالغ 22 عاما عضو في جمعية "جابان يوث ميموريال أسوسيشن"، وهي منظمة تُعنى بالبحث عن رفات الجنود اليابانيين. ويقول "بقي هؤلاء الناس في الظلام لعقود، في أماكن نائية. أريد إعادتهم إلى عائلاتهم... كل واحد منهم على حدة".

وأثارت مشاركته اهتماما لديه بقضايا "الدفاع والأمن الوطني" في اليابان المعاصرة، حتى أنه فكّر في العمل في الجيش.

في هذا الوقت، يجري بناء القاعدة الجوية الأميركية الجديدة، ويقع قسم منها على جزء مردوم من البحر في شمال أوكيناوا، جرى ردمه باستخدام مواد مستخرجة من جنوب الجزيرة.

إلا أن تاكاماتسو غوشيكين يرى أن "ردم البحر بحجارة وتراب مضرجة بدماء قتلى الحرب لبناء قاعدة عسكرية جديدة يُعدّ انتهاكا لحرمتهم".

ويشدد على ضرورة توفير حماية للمناطق الحرجية التي لا تزال تحتوي ربما على رفات بشري يجب حمايته، باعتبارها مواقع تاريخية وأماكن تذكارية.

ويقول "نحن الآن ننتمي إلى جيلٍ يتناقص فيه عدد من يتذكرون معركة أوكيناوا.

ويضيف "قريبا، لن يبقى من هذه الذكرى سوى العظام والحقول وبعض الأشياء التي عُثر عليها".









شخصية العام

كاريكاتير

إستطلاعات الرأي