
واشنطن- نشرت صحيفة “واشنطن بوست” مقال رأي للمعلق ماكس بوت تساءل فيه عن الدوافع وراء استهداف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فنزويلا ورئيسها نيكولاس مادورو، مشيرا إلى التاريخ الأمريكي المظلم في تغيير الأنظمة في أمريكا اللاتينية. فترامب خلافا لجورج دبليو بوش الذي غزا العراق، ليس مدفوعا بنشر الديمقراطية في فنزويلا أو أي مكان آخر في القارة الجنوبية.
وقال بوت إن للولايات المتحدة سجلا طويلا في التحريض على تغيير الأنظمة في أمريكا اللاتينية، سواء تحت مظلة مبدأ مونرو في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، أو في الحرب ضد الشيوعية خلال الحرب الباردة. ويعلق أنه نادرا ما نجحت هذه الاستراتيجية، حتى عند نجاحها، وقد أدت لحنق شديد من “عملاق الشمال”. ومع ذلك، ولسبب ما، يبدو الرئيس ترامب متلهفا لإعادة إحياء هذا التاريخ المشين في فنزويلا.
وذكر الكاتب أن التدخلات العسكرية الأمريكية في هاييتي (1915-1934)، وجمهورية الدومينيكان (1916-1924)، ونيكاراغوا (1926-1933) أدت إلى صعود مستبدين قساة، لا ازدهار الديمقراطية: من فرانسوا “بابا دوك” دوفالييه، ورافائيل تروليو، وأناستاسيو سوموزا. وساهمت الإطاحة بالرئيس اليساري المنتخب في غواتيمالا، جاكوبو أربينز، عام 1954، بدعم من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي إيه)، في نشوب حرب أهلية دامية استمرت 36 عاما.
كما أدت إلى تطرف العديد من مواطني أمريكا اللاتينية، بمن فيهم طبيب أرجنتيني شاب يدعى تشي جيفارا، والذي صادف وجوده في غواتيمالا وقت وقوع الانقلاب.
وكانت عملية خليج الخنازير التي نفذتها سي آي إيه عام 1961، والتي صممت للإطاحة برئيس كوبا فيدل كاسترو، بمثابة فشل ذريع أحرج الرئيس الجديد جون أف كيندي. كما دفعت كاسترو إلى الموافقة على نشر صواريخ نووية سوفيتية على أراضيه لحماية نظامه من المزيد من الهجمات، مما أدى إلى أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962.
وفي بعض الأحيان سارت الأمور على نحو أفضل عندما استطاعت واشنطن حشد قوة عسكرية هائلة ضد دول صغيرة لتنفيذ عمليات سريعة وشاملة، كما في جزيرة غرينادا عام 1983، وبنما عام 1989.
لكن فنزويلا ليست دولة صغيرة، فعدد سكانها أكبر بقليل من عدد سكان العراق عندما غزت القوات الأمريكية ذلك البلد عام 2003، كما أثبتت فنزويلا مقاومتها للجهود الأمريكية للإطاحة بنظامها الديكتاتوري.
في عام 2019، حاولت إدارة ترامب الأولى، لكنها فشلت، التحريض على انقلاب عسكري ضد الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو. وبعد تطهير جيشه، يعتبر مادورو الآن “محصنا ضد الانقلابات” ويواجه اتهامات بالاتجار بالمخدرات في الولايات المتحدة، ومن غير المرجح أن يترك السلطة طواعية.. ومع ذلك، أكد ترامب مؤخرا أنه سمح لسي آي إيه بشن عملية سرية أخرى ضد مادورو. (ألا ينبغي وصفها بأنها “عملية علنية”؟) ليس من الواضح ما إذا كان القرار الرئاسي يخول سي آي إيه الإطاحة بمادورو، ولكن مجرد نشر التوجيه سيزيد من “الضغط” على نظام مادورو، كما قال ترامب.
ومما يزيد من حدة التوتر وجود أسطول أمريكي ضخم في منطقة البحر الكاريبي، يضم سفينة هجومية برمائية محملة بقوات مشاة البحرية وطرادا صاروخيا موجها وثلاث مدمرات صاروخية موجهة وغواصة هجومية تعمل بالطاقة النووية وسفينة لقوات العمليات الخاصة وطائرات بدون طيار ومروحيات، وعشر طائرات مقاتلة من طراز أف-35. وقد حلقت قاذفات من طراز بي-1 وبي52 بالقرب من فنزويلا، والآن تتجه مجموعة قتالية لحاملة طائرات إلى المنطقة.
واستخدمت بعض هذه الأرصدة الحربية لتفجير قوارب تهريب مخدرات مزعومة ومعظمها قبالة سواحل فنزويلا، وهي هجمات يعتبرها حتى خبراء القانون المحافظون غير قانونية على الأرجح.
وذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” نقلا عن مسؤولين أمريكيين، أنه “في حين أن الهدف الرئيسي لترامب هو وقف تدفق المخدرات إلى الولايات المتحدة فإن الأمل يكمن في أن تقنع حملة الضغط مادورو أيضا بأنه لم يعد بإمكانه البقاء في السلطة”.
وتساءل الكاتب عن سبب إصرار ترامب على الإطاحة بمادورو. بالتأكيد، فهو ليس مدفوعا بحماسة جورج دبليو بوش لنشر الديمقراطية، بالنظر إلى كل ما فعله لتقويض الديمقراطية في الداخل ودعم الديكتاتوريين (مثل نجيب بقيلي في السلفادور) في الخارج.
وعندما سئل ترامب عن سبب موافقته على الإجراء ضد فنزويلا، ذكر عاملين: “أولا، لقد أفرغوا سجونهم في الولايات المتحدة الأمريكية. وثانيا، المخدرات، لدينا الكثير منها قادم من فنزويلا”.
ولكن، كما أشارت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، “تلعب فنزويلا دورا ضئيلا نسبيا في تجارة المخدرات في المنطقة”. علاوة على ذلك، لا يوجد دليل على أن نظام مادورو يرسل مدانين إلى أمريكا عمدا. وعلى أي حال، يقول الكاتب إنه إذا كان الهدف هو وقف الهجرة من فنزويلا، فإن إثارة أزمة سياسية، هي طريقة مضحكة لتحقيق ذلك، وقد يكون رفع العقوبات الأمريكية أكثر فعالية.
ويوافق الكاتب أن نظام مادورو بغيض ولكن من الصعب النظر إليه كدليل كاف على التدخل العسكري. كما أن سياسة تغيير النظام مليئة بالعديد من الثغرات والتناقضات التي من المرجح أن تدمرها.
على سبيل المثال، إذا كان استهداف القوارب سيحرم مادورو من عائدات تهريب المخدرات، فلماذا وافقت إدارة ترامب على ترخيص لشركة شيفرون لضخ النفط في فنزويلا؟ وهذا من شأنه أن يساعد في تمويل النظام الذي يكرهه.
وهناك قضية أخرى ومهمة، ينفر ترامب بحشوده العسكرية أكبر جارتين لفنزويلا، كولومبيا والبرازيل. وقد فرض ترامب رسوما جمركية بنسبة 50% على البرازيل في محاولة فاشلة لوقف محاكمة الرئيس السابق جايير بولسونارو، حليفه، بتهم الانقلاب.
كما هدد بقطع جميع المساعدات الأمريكية عن كولومبيا بعد أن انتقد رئيسها اليساري، غوستافو بيترو، الضربات الأمريكية على قوارب يشتبه في أنها تنقل مخدرات.
ووصف ترامب بيترو بأنه “مختل عقليا يعاني من مشاكل عقلية كثيرة” و”زعيم عصابة مخدرات غير مشروعة”، وفرضت وزارة الخزانة عقوبات عليه يوم الجمعة.
ويقول بوت إن سي آي إيه دعمت في ثمانينيات القرن الماضي، قوات الكونترا النيكاراغوية من قواعد في هندوراس المجاورة، ومن المشكوك فيه أن تقدم البرازيل أو كولومبيا مثل هذه المساعدة اليوم للإطاحة بمادورو بعد المعارك التي أثارها ترامب مع قادتهما.
وإذا أراد ترامب إحداث تغيير طويل الأمد في فنزويلا، فعليه إطلاق حملة دبلوماسية عامة لدعم المعارضة الفنزويلية بقيادة الحائزة على جائزة نوبل للسلام، ماريا كورينا ماتشادو. وسيتطلب ذلك، بالطبع، إعادة النظر في جهود الإدارة المحبطة لإغلاق الصندوق الوطني للديمقراطية وراديو صوت أمريكا، وغيرها من أدوات الدبلوماسية العامة.
من المرجح أن تأتي محاولة تغيير النظام بالقوة العسكرية أو العمل السري بنتائج عكسية، وستغذي ببساطة المشاعر المعادية لـ “اليانكي” في أمريكا اللاتينية. وإذا كان التاريخ دليلا، فإن التغيير الدائم للنظام يجب أن ينبع من الداخل.