
في البلدة الصغيرة كويا في محافظة درعا على الحدود بين سوريا والأردن، تطورت أمس مواجهة دموية قتل فيها ستة مواطنين سوريين. وفقاً للبيانات القصيرة الإسرائيلية، جاء أن طائرات سلاح الجو هاجمت مسلحين أطلقوا النار على قوات الجيش الإسرائيلي. شهادات سكان البلدة كانت أكثر تفصيلاً، التي بحسبها ووجهت قوات الجيش الإسرائيلي بمواطنين “مسلحين بسلاح للدفاع عن النفس” كانا في الطريق إلى حقليهما.
الجنود الذين حاولوا تجريد السكان من السلاح ووجهوا بالمعارضة، و”كان الرد فورياً”، أطلق الجنود النار مباشرة على المواطنين وقتلوهما”، قال الصحافي معتز حشيش، وهو من أبناء البلدة، لموقع “رصيف 22” اللبناني. “حاولت الدورية الإسرائيلية الانسحاب باتجاه القرية، لكن سكان القرية المسلحين عندها خرجوا ضدها وبدأت المرحلة التالية للتصعيد. دبابات إسرائيلية كانت تنتشر في قاعدة الجزيرة قرب المكان قصفت القرية. ثم جاءت طائرات مسيرة وقصفت تجمعات المدنيين. وقتل نتيجة ذلك ستة أشخاص وأصيب عشرة. هذا تطور دفع الكثير من سكان القرية إلى الهرب خوفاً من استمرار المعارك”.
يصعب تأكيد هذا التقرير، لكن هذه المواجهة المحلية الصعبة أثارت أصداء، إعلامية وسياسية، بما في ذلك بيانات تنديد شديدة من الأردن والسعودية وتركيا، وبالطبع النظام الجديد في سوريا، وكلها تشير إلى الإمكانية لمواد متفجرة كامنة في نشاطات إسرائيل في سوريا.
بعد سقوط نظام الأسد، سارعت إسرائيل إلى احتلال المنطقة العازلة بين إسرائيل وسوريا في هضبة الجولان، كما تم تحديدها في اتفاق الفصل من العام 1974. الهدف العلني منع تركز التنظيمات الإرهابية في المنطقة القريبة من إسرائيل ما لم يكن هناك جيش سوري منظم يشرف على الحدود، أو قوات دولية أخرى، روسية أو تابعة للأمم المتحدة، التي أشرفت على المنطقة في فترة حكم الأسد. ولكن حجم سيطرة إسرائيل على مناطق في سوريا وتصريحات وزير الدفاع يسرائيل كاتس ببقاء “الجيش الإسرائيلي في المنطقة الأمنية لفترة غير محدودة. ولن نكون مرهونين بالآخرين للدفاع عن أنفسنا، ولن نسمح لقوات معادية بالتمركز في هذه المنطقة”. وتشير تصريحات جهات إسرائيلية رفيعة أخرى إلى نية بعيدة المدى قد تجعل إسرائيل تواجه النظام في سوريا، بل تركيا، وربما الولايات المتحدة لاحقاً.
إلى جانب نية ترسيخ “منطقة عازلة” نظيفة على طول خط الحدود في هضبة الجولان، تُفسر نشاطات إسرائيل كنية لخلق “حزام أمني” مدني وليس فقط عسكرياً، لتجنيد السكان الدروز الذين يتركزون في مدينة السويداء كقوة مستقلة ستمنع وتكبح نشاطات التنظيمات المعادية، وهكذا تحبط طموحات الرئيس أحمد الشرع إلى إقامة دولة سورية موحدة. اقتراح السماح للدروز بالعمل في إسرائيل والمساعدات الإنسانية التي تدخلها إسرائيل إلى قرى المنطقة ونشاطات ضباط الاستخبارات الذين يجرون اتصالات مع زعماء محليين، تعزز الشعور بأن الأمر يتعلق بعملية بعيدة المدى، تذكر بطبيعة “المنطقة الأمنية” التي أقيمت في لبنان في فترة حرب لبنان الأولى.
لكن خلافاً للبنان، الذي لم يكن فيه الحكم المركزي قائماً في فترة الحرب، ففي سوريا نظام جديد يحاول تأسيس دولة موحدة استناداً إلى مساعدة تركيا، اقتصادياً وعسكرياً، ودعم السعودية وقطر. من هنا، فإن الاستراتيجية الإسرائيلية التي تعمل على استغلال البنية الطائفية كي تبني لنفسها مراكز نفوذ، وربما سيطرة، قد تجد نفسها في مواجهة مع قوات إقليمية ودولية.
صرح الشرع عند تسلم منصبه بأنه لا نية له بخوض حرب مع إسرائيل، وأن مهمته إعادة إعمار سوريا بعد عشرات السنين من ديكتاتورية عائلة الأسد. تركيا التي ساعدت الانقلاب ضد الأسد، عسكرياً وتخطيطاً، كانت أول من وقف في قصر الرئاسة بدمشق وعرض المساعدة؛ ليس في إعادة الإعمار الاقتصادي فحسب، بل بناء جيش جديد ومدرب وحتى توفير سلاح متقدم له. أول زيارة خارجية للشرع كانت إلى الرياض، وتعانق مع الحاكم محمد بن سلمان الذي تعهد بالتبرع بسخاء لإعادة إعمار الدولة. أما قطر فأرسلت مساعدات إنسانية، وهي تنوي دفع جزء كبير من رواتب الإدارة والجيش السوري.
الاتحاد الأوروبي علق العقوبات التي فرضت على نظام الأسد لمدة سنة، ما سمح للشركات في سوريا والبنوك بعقد الصفقات معه، في حين رفعت الولايات المتحدة جزءاً من العقوبات لنصف سنة، وتنوي الإعلان عن رفع جزء آخر منها. وكالة “رويترز” نشرت هذا الأسبوع بأنه لقاء أول بمستوى رفيع جرى قبل أسبوعين تقريباً في فترة ترامب بين مساعدة وزير الخارجية الأمريكي لشؤون سوريا والمشرق نتاشا فرنسيسكو، وبين وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، حيث نقلت له قائمة شروط الإدارة الأمريكية من أجل رفع العقوبات.
من بين هذه الشروط مطالبة واشنطن تشكيل حكومة تمثيلية بمشاركة “كل مركبات الشعب السوري” والحفاظ على حقوق الأقليات وإلغاء تعيين مواطنين أجانب في وظائف رفيعة في الجيش السوري، والقصد هو الشخصيات الرفيعة التي كانت شريكة للشرع في هيئة تحرير الشام وتم تعيينها كهدية على خدماتها. والشرط الثاني هو مكافحة الإرهاب. خلافاً لإسرائيل، فإن واشنطن والسعودية وتركيا ترى بنفس المنظار الطموح لإقامة دولة موحدة تحت ظل نظام واحد وليس كانتونات مستقلة، التي تعتبرها إسرائيل إمكانية كامنة لترسيخ مراكز نفوذ في سوريا.
دليل ذلك موجود في الاتفاق الذي وقع عليه مظلوم عابدي، قائد “قوات سوريا الديمقراطية”، الجسم العسكري الكردي الذي يسيطر على المحافظات الكردية في شمال سوريا، مع الشرع، الذي بحسبه سيتم دمج قواته في الجيش السوري. في الواقع، هذه وثيقة تفاهمات إعلانية أكثر منها اتفاقاً مفصلاً، ورغم أنه محدود بجدول زمني لكنه يدل على قرار استراتيجي للأكراد الذي جاء بتأثير من أمريكا.
هذا القرار يبدد طموحات إسرائيل بالاستناد إلى المحافظات الكردية كقاعدة نفوذ غير منفصل عن توجه ترامب للانسحاب من سوريا، وهكذا تحويل تركيا إلى صاحبة البيت في شمال سوريا. أول أمس، زار وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، واشنطن والتقى مع نظيره ماركو روبيو لمناقشة عدة مواضيع، من بينها بلورة سياسة مشتركة في سوريا ورفع العقوبات الأمريكية عنها. وعبرا في بيان صحافي عن دعم “سوريا موحدة ومستقرة”، وهي أقوال موجهة لكل من يحاول تأسيس دولة كانتونات مستقلة في سوريا. واستهدفت الزيارة أيضاً الإعداد للقاء الرئيس التركي اردوغان مع ترامب، الذي لم يتم تحديد موعد له حتى الآن، لكن قد يكون في القريب، وهنا ربما يواجه إسرائيل عائق جديد مركب، يصعب تحقيق طموحاتها الاستراتيجية في سوريا.
إسرائيل تعتبر تركيا دولة معادية تسعى إلى أن تحل مكان روسيا كراع عسكري لسوريا، وقد تكبح حرية عمل إسرائيل في سماء سوريا، والعمل ضد وجودها البري في هذه الدولة. قد تقول إسرائيل بأن ترامب قد يفضل مهمة “تركيا” التي تستعد لإقامة قواعد عسكرية سورية في مدينة تدمر، على ادعاء إسرائيل.
“فنان الصفقات” الأمريكي ربما يقترح تسوية مصالحة بين إسرائيل وتركيا. ولكن تصريحات إسرائيل المتبجحة وهجماتها اللفظية على الرئيس السوري، لن توصل إلى تسوية مطلوبة. ما زال الشرع شخصية “مشبوهة”، سواء في الساحة السورية الداخلية أو في المجتمع الدولي. ولكن الغطاء السياسي الدولي والعربي الذي يبنى حوله هو الذي قد يؤثر على سلوكه في مواضيع مهمة لإسرائيل – جهوده لوضع حد للتهريب بين سوريا ولبنان، وهو الموضوع الذي سيناقش اليوم في لقاء جدة في السعودية بين وزير الخارجية اللبناني ونظيره السوري، والدفع قدماً بترسيم الحدود البرية بين إسرائيل ولبنان والمرتبطة بعدد من النقاط مثل قرية الغجر ومزارع شبعا، وموافقة سوريا على التنازل عن مناطق، لا سيما العمل في المناطق القريبة جداً من الحدود مع إسرائيل في هضبة الجولان.
تسفي برئيل
هآرتس 27/3/2025